العدد 4641
الثلاثاء 29 يونيو 2021
banner
العفـو عند الاقتدار في الذكر الحكيم والأخبار
الثلاثاء 29 يونيو 2021

*1 - لا يحسب العفو إلا مع التمكـّن والمقدرة. والعافي عن الناس إنسان يتمتع بضمير حي.

وما أجمل الحياة حين يسود العفو والإحسان بين بني البشر.

وأرى لزامًا علي في موضوع العفو والمغفرة أن أبدأ بما ورد في الذكر الحكيم ثم سنة النبي الأكرم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.

فأقول: إن الله جلّ جلاله يمتحن النفوس سواء في البلاء أو في جزيل العطاء. ويمتحن القلوب بين القسوة والتحـّجر وبين العفو والمغفرة. وهو أهل التقوى وأهل المغفرة.

لقد وردت في الذكر الحكيم والقران الكريم آيات بينات تحث على العفو والإحسان في مواضع كثيرة لا مجال لحصرها..وفي أواخر تلك الآيات وفي ثنايا بعضها الحض على العفو والمغفرة وثناء إلهي عن العافين عن الناس. ومن ذلك:

...والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين/...وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم /...فاصفح الصفح الجميل/...وإذا ما غضبوا هم يغفرون. /...وأن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم...إلخ.

2- أما في سيرة نبي الإسلام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فقد كثرت الشواهد على عفوه وكرمه وتفضّله. نكتفي بقدر يسير منها:

* عفا الرسول الأعظم عمن حاربه وتآمر على قتله من قريش وسائر القبائل التي لم تدخل في

الإسلام.

* عفا عن مولى ال سفيان (حبشي) الذي قتل حمزة عمّ النبي. وعن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان التي لاكت بين أسنانها كبد حمزة، حين أسلما.

* عفا عن مشركي قريش في حصار مكة المكرمة حيت نصره الله عليهم من موقع قوة

واقتدار قائلا: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

والمسلمون اليوم يعرفون كل ذلك في الكتاب والسنة وفي عصر التنوير والتسامح.. ويستمعون من منابر الخطباء المؤمنين ما يحث على العفو والرحمة والتسامح, ومع كل ذلك

لا تطفأ نار للحروب بين المسلمين أنفسهم منشأها البغض والكراهية والتعصب والتكفير

وطلب الدنيا.. وهم يتلون الكتاب - بينما شعب فلسطين يستصرخ ويستغيث، ألا ساء ما يفعلون.

3- وفي إيفاء موضوع العفو والرحمة مما ورد في أخبار التاريخ لدينا أمثلة للحّض عليها

بشكل مختصر:

* من أكثر ما كان يفتخر به عرب الجاهلية هو العفو عند المقدرة وورد في شعرهم وأقوالهم

في ذلك الكثير. وكان الأحنف ابن قيس التميمي مضرب المثل في الحلم والعفو والتسامح.

وفي سير الصحابة وأهل بيت النبوة والمؤمنين في عصر الصحابة ومن جاء بعدهم نماذج من العفو والإحسان..وردد الشعراء يتفاخرون (ملكنا فكان العفو منا سجـّية..الخ)

* وللشاعر أبو الطيب المتنبي -الذي اعتبره الأدباء المعاصرون شاعر القومية العربية-

قصة ومناسبة:

تمـّردت بعض قبائل عرب الجزيرة العربية على سيف الدولة الحمداني وعاثوا فسادا في بعض القرى التابعة لسيف الدولة فاستشاط غضبا فغزاهم بجيشه وأثخن فيهم قتلا وتشريد. فأنشده المتني مادحا وطالبا منه العفو والرحمة من واقع تحنان المتنبي على عرب البادبة ومما

قاله في قصيدة مطلعها:

طوال قنا تطاعنها قصـار * وقطرك في ندى ووغى بحـار

وفيها:

وفيك إذا جنى الجاني أنــاة * تظـّن كرامة وهي احتقار

إذا لم يرع سـّيـدهم عليهم * فمن يرعـى عليهم أو يغار

لعــّل بنـيهم لبنيك جنـد * فأول قــرح الخـيل المهـــــار

وأنت أبـرّ من لو عـقّ أفنـى * وأعفى من عقوبته النـّفار

وأقـدر من يهـّيجه انتصــار * وأحلــم من يحلـّمه اقـتدار.

والمتنبي هو القائل:

وما قتل الأحرار كالعفـو عنـهم *ومن لك بالـحـّر الذي يحفظ اليدا

* ويقول صفي الدين الحلي في العفو:

العفو منك من اعـتذاري أقرب * والصفح عن زللي بحلمك أقرب

يا من نـمـتّ إلى عـلاه بأنـنا * فــي طـيّ نعمــة ملكــه نــتقـّلـــب **

وختاما لهذ الحديث فإن في سيرة جلالة ملك البحرين المعظم الشيخ حمد بن عيسى ال خليفة

حفظه الله ورعاه مبادرات سابقة ولاحقة في العفو والتسامح صفـّق لها العالم استحسانا وتقديرا ضمن مشروع إصلاحي في بداية عهده الجديد، اطمأنت به النفوس وقـّرت به العيون وقلت في حينه قصيدة مرفوعة لجلالته منها هذا البيت

سجــّية شيمـة الأحرار فيك إذا * تمـّلكوا..سكن التكدير والغضب.

وقلت مخاطبا جلالته:

قد وضعت الأساس في وحدة الـشعب * فنعم الأساس والبنـيان

وأدرت الـسّفين للشاطئ الخصب * فـنعم السّفـيــن والربـّـــان

يا ملـيكا ألقـى الـّرهان على الشعب * هنيـئا فـقد أتاك الـّرهان

*

وما زال جلالته يتفضل ويعفو ويتأمـّل مراعاة للظروف عسى أن ينقشع الغمام عن صبح

منير يتسع لمسيرة إصلاح مستجدّة بإذن الله ومشيئته.

(أنّ التجّـدد في الإصـلاح مـأثرة * كالماء من نبعه ينأى..ويقـتـرب)

والله وليّ التوفيق وبه نستعين.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية