العدد 4627
الثلاثاء 15 يونيو 2021
banner
عمود أكاديمي د. باقر النجار
د. باقر النجار
موقع جامعاتنا على المصفوفات الدولية للجامعات
الثلاثاء 15 يونيو 2021

تتسابق الجامعات الخليجية على أن يكون لها موقعًا متقدمًا على المصفوفات الدولية. ورغم أن بعض الجامعات الخليجية قد استطاعت أن تخترق حاجز مجموعة أفضل خمسائة جامعة في العالم، فقد غابت جامعاتنا المحلية عن تحقيق ذلك، إذ احتل بعضها مواقع متأخرة على هذه المصفوفة رغم، أن بعضا منها قد احتل مواقع متقدمة على بعض مؤشرات التايمز في جزئيته لا في كليته. إلا أنها في جلها أو كلها قد فشلت في أن تؤمن لها موقعا ضمن الجامعات الخمسمائة الأولى. وقد تكون معايير شنغهاي والتايمز الكيو أس (QS) معايير في الأساس تقترب من نموذج وطبيعة الدور الذي تلعبه الجامعات الأوربية والأميركية، ذات الطبيعة النخبوية والتوجه البحثي. إلا أن هذه الأدوار قد اضطلعت به الآن الكثير من الجامعات حول العالم وحققت مواقع متقدمة بل إن بعضها بات ينافس مواقع الجامعات الغربية على هذه المواقع.


 ويمكن القول أن اثنتين من جامعات سنغافورة، بما فيها جامعتها الوطنية وجامعة نيانك للتكنولوجيا، هي ضمن أفضل 20 جامعة حول العالم لعام 2020-2021 وفق تقرير كيو أس. بالطبع هناك أسباب تحدد في أن تكون جامعات بعينها في الصفوف الأمامية مقارنة بأخرى في نهاية القائمة. وهي ذات المتغيرات والتي بافتقار الإنجاز فيها، دفعت في أن تكون بعضا من جامعاتنا في مواقع متأخرة على المصفوفات الدولية. وإن استطاعت إحدى الجامعات الخاصة أن تأخذ فيه موقعا متقدم عن تلك للجامعة الوطنية وهي تقارب حالة تقدم جامعة العلوم التطبيقية على الجامعة الأردنية في مصفوفات التصنيف الدولي. ويمكن تمثل بعض هذه المتغيرات في بعضها في التالي:
أولا: قد يتمثل المؤشر الأول في قدرة هذه الجامعات على استقطاب شخصيات علمية بارزة وحائزة على مواقع علمية وفكرية في مجالها. وأن تمثل إسهاماتها إضافات نوعية في إطارها الفكري والمعرفي. وأن تكون حائزة على جوائز ذات صفة عالمية كما هي في جائزة نوبل وبعض الجوائز الأوربية والأميركية والعربية المعروفة بمواقعها المتقدمة كجائزة الملك فيصل وجائزة الشيخ زايد وجائزة السلطان قابوس وجائزة العويس... وغيرها. إذ تفتقر جامعاتنا المحلية إلى شخصيات فكرية ومعرفية بارزة ليس في إطارها المحلي بل في الإطار الإقليمي والعالمي من حيث إضافاتها العلمية وإسهاماتها الفكرية.


وقد لا يكون خفيا على العاملين في هذا المجال أن بعضا من انتظموا في بعض من هذه الجامعات قد جاء بعضهم من جامعات ليس لها موقع على خريطة الجامعات العربية والعالمية. بل إنه من الممكن أن نجد بعضهم قد قضى جل حياته موظفا أو عاملا في إحدى الشركات حصل خلالها على درجته العلمية بما يشبه الدراسة بالانتساب، ثم بفعل شبكة من العلاقات العصبوية المعقدة أو غيرها، وجد نفسه أستاذا جامعيا، عمل قد لا يكون محظى به في الجامعات ذات الضوابط المعاييرية النافذة. من الناحية الأخرى فإن الكثير مما يقدم من أبحاث من قبل بعض الطواقم التعليمية في بعض من جامعاتنا لا يحمل أية إضافات نوعية حقيقة في مجالها رغم كونها تُنشر في مجلات بعض الجامعات العربية الاقليمية التي هي في واقع أمرها ليس لها موقعا على خريطة البحث والنشر العلمي. كما أن ما ينشر في مجلاتها لا يعدو حشدا للترقية قد لا يراوده الباحثون في المجال لافتقاده لأي إضافة نوعية حقيقة في المجال. وليس سرا القول كذلك أن بعض أساتذة جامعاتنا قد توقفت المعرفة لديهم في اليوم الذي منح فيه الدرجة... والبعض منهم رغم مرور عقود على تخرجهم بدرجة الدكتوراة لم يخرجو ببحث ذي قيمة معرفية في المجال.. من هنا اتجهت بعض جامعات المنطقة نحو ربط تجديد عقود العمل باستمرارية الإنتاج العلمي للعاملين فيها، أي لا عمل فيها لأستاذ جامعي لم ينتج بحثا ذا قيمة معرفية وعلمية جديده، أو إذا أنتج فهي أقرب لما قد يسمى”بالفهلوة البحثية”.


ثانيا: ويرتبط بالسابق اتجاه هذه الجامعات نحو تعزيز الدراسات العليا ضمن برامجها التعليمية. وهو تعزيز لا يؤكد فحسب النزعة البحثية لهذه الجامعات أكثر منها التدريسية. وإنما قدرة هذه الأبحاث على إحداث إضافات معرفية أو اختراقات علمية في مجالها، سواء أكان ذلك في مجالات العلوم الطبيعية البحتة أو في إطار العلوم الاجتماعية والانسانية. وقد لا نضيف جديدا بالقول أن تطوير الدراسات العليا قد يتطلب بعض المهارات التي ليست هي بالضرورة متوفرة في بعض من يعمل في هذه الجامعات، لأسباب متعلقة لقصوره المعرفي أو المنهجي، أو لأسباب متعلقة بنزعة البعض نحو تخريج عدد أكبر من الطلاب بطرق أسهل، وهي طرق لا تساهم في تطوير القدرات المعرفية والمهارات المنهجية لطلابهم من ناحية ولا تضيف للتراكم المعرفي في مجال التخصص فهما أو معرفة جديدة من الناحية الاخرى.


 وليس خفيا على البعض أن بعض أبحاث الدراسات العليا المقدمة هنا لا تعدو أن تكون تكرارًا لمعارف عتيقة أو تحمل عناوين لرسائل قد سبق وقدمت لجامعات عربية أخرى مع تغيير في اسم القطر. كما أن بعض المشرفين قد يكون مر على أعمال طلابه البحثية، إلا أنه لم يمحص كثيرا فيها معلوماتيا ومنهجيا، لذا فإنهم يختارون ممتحنين محليين وخارجيين مستأنسين، لأن في بعض ذلك بعض المنافع، فضلت أن تكون ضمن حلقات ضيقة مبنية في بعضها على تبادل للمنافع، لذلك كله فإن الكثير من هذه الأبحاث لم تخرج من أرفف مكتبات جامعاتها ولم تمثل إضافة معرفية ولربما معلوماتية في مجال تخصصها.


ثالثا: ويرتبط بالبحث ولربما محددا له لغة البحث والتدريس. إذ إن لغة التدريس في جامعاتنا وبمستوياتها المختلفة، هذا إذا ما استثنينا بعض الاقسام العلمية، هي اللغة العربية. وأن اللغة العربية رغم أهميتها من الناحية الهوياتية وموقعها الديني والقومي في المجتمع، إلا أنها تبقى لغة محدودة التداول لغير الناطقين بها من الدارسين والباحثين. من هنا يبقى ما ينشر باللغة العربية محدود الانتشار، كما يبقى الاقتباس من هذه الابحاث محدودا بحدود ما تنشره هذه الجامعات من أبحاث ومن منشورات علمية، رغم كون بعضها يصدر باللغة الانجليزية وهي حدود قد لا تتجاوز الإطار القطري ولربما في أحسن حالاته الاقليمي، كون أن هذه المنشورات ليست متسقة مع ضوابط دور النشر العالمية، والمصنفة ضمن كيو واحد وكيو اثنين (Q1,Q2) وتقل عند كيو خمسة (Q5).. والتي باتت تضطلع على نشر أغلب المجلات العلمية المحكمة المعروفة في مجالاتها المختلفة في العالم المتطور، كروتلج وساج ومطبعة جامعة كامبريج وأكسفورد وجامعة هارفرد وكليفورنيا... وغيرها.


من الناحية الأخرى، فإن الاختراق الذي حققته بعض جامعات المنطقة لقائمة أفضل خمسمائة جامعة في العالم، كان في بعضه نتيجة لتحولها بشكل كلي أو جزئي نحو اعتماد اللغة الانجليزية كلغة للتدريس في كلياتها التقنية والعلمية وكليات العلوم الاجتماعية والانسانية. وفي تطعيم كادرها التعليمي بكفاءات عربية وأجنبية ناطقة باللغة الإنجليزية ومن خريجي الجامعات العالمية المعروفة. فالتمكن من إحدى اللغات الاجنبية كالانجليزية والفرنسية و الالمانية تفتح أمام الباحث آفاقا معرفية جديدة لا توفرها بالضرورة لغة الأم أو بكفاءات ذات ثقل على مستوى الاقليم والعالم في مجالها، إذ يلاحظ أن بعض ما يأتي هنا يتعلم المهنة التدريسية والمعرفية في طلابنا.


رابعا: فشل بعض جامعاتنا المحلية في تحديث وتطوير مواقعها الالكترونية، لتكون ليس فقط، موقعا أخباريا لكبار مسئولي الجامعة وأنشطتهم، وإنما لتقديم بيانات تفصيلية لبرامج الجامعة وعدد الطلبة وأساتذتها وتفصيل درجاتهم العلمية والجامعات التي تخرجوا منها وأبحاثهم واهتماماتهم البحثية والمعرفية والفكرية، وآخر ما أنجز من أبحاث علمية في مجالهم البحثي. وأن تكون هذه المواقع المنفذ الأساسي في إنجاز معاملات الطلبة والأساتذة وكل الخدمات الأخرى التي تقدمها الجامعة لمنتسبيها وغير المنتسبين لها. وهي خدمات تعكس مدى تطور بنية الجامعة الاساسية التقنية و العلمية.. فمثلا إذ لازالت بعض جامعاتنا تعتمد في توظيف منتسبيها الجدد على الطرق التقليدية في الاعلان والتقديم. وهي طرق لم توصل الافضل إلى جامعاتنا المحلية بل لازالت تتدخل فيها الاهواء والمحسوبية ولربما العصبويات المختلفة..


خامسا: أما المعيار الخامس فهو معيار نسبة الطلبة للأساتذة، والتي قد تتجاوز في بعض حالات المنطقة 25 طالبا لكل عضو هيئة التدريس، إلا أنها تبدو مثالية جدا في بعض جامعات القطاع الخاص أو جامعات المنطقة الصغيرة التي لا تتجاوز النسبة في بعض حالاتها 7 طلاب لكل عضو هيئة التدريس. وعموما فإنها حالة قد تتضخم في الكليات ذات الطلب الاجتماعي العالي كالآداب والعلوم الاجتماعية والإعلام والدراسات الادارية. وتنخفض في الكليات العلمية والدراسات الطبية والتي تبدو أقرب لأن تمثل كليات النخبة. وهو في واقع الامر قد يكون بالامكان التحكم فيه في الجامعات الصغيرة أو جامعات النخبة التي سياسات القبول فيها محددة بأعداد محددة، أو أن الطلب الاجتماعي عليها محدودا، إلا أنها قد تكون صعبة على الجامعات الحكومية والتي تتبنى سياسات اجتماعية مفتوحة للقبول.


سادسا: وأخيرا تبقى قدرة هذه الجامعات على أن تكون ضمن طلابها وطواقمها التعليمية والبحثية وهياكلها الادارية قدرا مهما من التنوع الاثني والقومي وكذلك من حيث النوع الاجتماعي، وهو معيار آخر لمراتب هذه الجامعة عن تلك. فما تمثله الجامعة من تنوع فكري وأثني، يضفي بعدا ثقافيا مهما على هياكل الجامعة و أنشطتها. بمعنى آخر، أنه ونتيجة لطبيعة خطاب البعض ولربما نوازعه العصبوية في بعض من مؤسساتنا التعليمية قد خلق نزعات عصبوية جاءت لتشكل دوائر شبه مغلقة ذات لون ثقافي واحد، وهي حالة قائمة على نوازع ما قبل المجتمع الحديث جلها أثني أو/ و عصبوي أو وفق نزعات قطرية، قائمة على تسيد جنسيات بعض العاملين فيها كلها أو جلها. وللأسف فإنه ونتيجة للانفجار الهوياتي على مستوى المنطقة العربية، فإن نوعا من الهندسة الاجتماعية الجديدة بات يتشكل في الكثير من جامعات المنطقة. وهي هندسة تبعدها كثيرا عن حالة التنوع الثقافي ولربما تعطل قدرتها على تأكيد ثقافة التسامح والقبول بالمختلف، وهو فضاء مهم لإنتاج المعرفة والتراكم الثقافي في بعده الانساني المتنوع.


وأعتقد إن الكثير من جامعات المنطقة بحاجة لفكر جديد يتجاوز تلك النظرة التقليدية للتعليم العالي من كونه أداة لإعداد القوى العاملة فقط إلى تلك النظرة الأوسع، التي ترى فيه القنطرة الأساسية في النهوض الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، أي في أن يكون التعليم في مستوياته العليا أحد وسائط تشكيل رأس المال الاجتماعي. وهو نهوض لا يمكن أن يتحقق إلا بقيادات جديدة تنتمي في أطروحاتها إلى ذلك الخطاب الجديد القائم على الانفتاح والتنوع. أي أن يكون للتعليم العالي دور أساسي في التنمية الانسانية والبناء الثقافي وهي عملية لا يمكن حساب عائدها سريعا وإنما عبر جيل أو أكثر.


أخيرا فإن إعادة هيكلة مجلس التعليم العالي وفي ارتباطه وربطه بمجلس التنمية الاقتصادية قد تكون إحدى الركائز التي يولي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء اهتماما كبيرا في أن تمثل المسار الجديد للإصلاح الذي يمكن أن يحدث للتعليم في مملكة البحرين على الاصعدة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. ولا ننسى هنا دور واهتمام سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء منذ عقود بالتعليم، وإيمانه الراسخ، في أن التعليم وتطويره يمثل القنطرة الاساسية لأي صعود اجتماعي واقتصادي و أي انفتاح ثقافي مقبل.كما لا يفوتنا الإشارة هنا للجهود التي بذلها سعادة الدكتور ماجد النعيمي وزير التربية والتعليم في محاولاته لضبط أداء بعض جامعات القطاع الخاص والتشديد على رفع مستوى أدائها المعرفي وتحسين مخرجاتها التعليمية. وهي كلها جهود قد انعكست إيجابا على موقع بعض جامعات هذا القطاع على بعض المؤشرات التعليمية الدولية وتحديدا على مؤشر التايمز.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية