العدد 4614
الأربعاء 02 يونيو 2021
banner
العنصرية... آفة الحضارة البشرية
الأربعاء 02 يونيو 2021

لعل المتابع للصحافة الأميركية في الأشهر القليلة الماضية، يمكنه أن يرصد حديثا متصاعدا عن عودة العنصرية إلى البلاد مرة أخرى، وإن في أشكال مقنعة، وبصورة أو بأخرى، لاسيما في ظل ما جرى في نهاية ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، والتشظي غير المسبوق الذي أصبح مهددا للنسيج الأميركي في الحال والاستقبال.

هل حديث العنصرية معقود بناصية الولايات المتحدة الأميركية فقط؟ الشاهد أن ما تعيشه أوروبا هذه الأيام مخيف بدرجة كبيرة، فقد اكتسبت الجماعات اليمينية العنصرية، بتياراتها الشوفينية والقومية، العرقية والدينية، زخما كبيرا، وباتت تحتل صدارة المشهد السياسي في كثير من دول القارة العجوز. مؤخرا انشغلت فرنسا بحديث الجنرالات الفرنسيين السابقين، الذين يروجون أفكارا أقرب ما تكون إلى الانقلاب على مدنية الدولة الفرنسية وعلمانيتها، متخذين من الإسلاموفوبيا تحديدا مدخلا لأطروحاتهم وشروحاتهم، أما في ألمانيا فقد أحرزت الأحزاب ذات الصبغة العنصرية العديد من الانتصارات السياسية مؤخرا، وفي المقدمة منها، حزب البديل من أجل ألمانيا، المعروف بعدائه التاريخي للأجانب وخصوصا المسلمين.

تنتشر الروح العنصرية في عموم أوروبا، ويتوقع المراقبون أن تصل خلال السنوات القليلة القادمة، حكومات عنصرية إلى سدة الحكم في أكثر من دولة، الأمر الذي يهدد بشكل مخيف مستقبل التعايش بين الأوروبيين أنفسهم، ذلك أن العنصرية عادة ما تبدأ في مواجهة الغير المختلف، ثم تسري في العقول والنفوس تجاه الآخر القريب. يعن لنا أن نتساءل: "هل آفة أوروبا النسيان، أم أن النسيان أضحى مرض البشرية برمتها، بمن فيها من الأميركيين والآسيويين وغيرهم؟ كان الظن هو أن العولمة ستلغي الرؤى العنصرية، انطلاقا من أنها تجعل البشرية أسرة واحدة، خصوصا بعد أن فقدت الحدود والسدود الجغرافية قدرتها على منع تواصل البشر، ولم تعد الإنسانية قرية صغيرة كما قال من قبل عالم الاجتماع الكندي الشهير، مارشال مكلوهان، في ستينات القرن الماضي، بل يمكن القطع بأنها أضحت حارة صغيرة لكنها حارة مصابة بالنسيان.

تتبدى العنصرية اليوم في أشكال عدة في كل مظاهر المجتمع تقريبا، من التمييز المستتر في كل نواحي الحياة اليومية، إلى المحاصصة الواضحة والمفضوحة فيما يخص الجنسيات والأعراق والأديان.

جرى سك مصطلح العنصرية في ثلاثينات القرن العشرين، فكان بصورة رئيسية، رد فعل على المشروع النازي الذي استهدف جعل ألمانيا "خالية من اليهود"، ولم يخالج النازيين شك في أن اليهود كانوا عرقا مختلفا، وشكلوا تهديدا للعرق الآري الذي افترض أن الألمان الأصليين ينتمون إليه.

اليوم تستشري فيروسات العنصرية، بشكل أسوأ من انتشار فيروسات كورونا، والناظر إلى الولايات المتحدة الأميركية يرقب هجومات عنصرية على الآسيويين، خصوصا بعد وصف ترامب للفيروس بالصيني، وفي الوقت نفسه نرى الرئيس بايدن يندد بالتعصب المقيت الذي يتبدى ضد اليهود في أميركا، ما يعني عودة معاداة السامية من جديد.

هل يحق للحضارة العربية أن تفاخر وتجاهر بتاريخها الإنساني والوجداني الخلاق؟

المؤكد أن ذلك كذلك، ومرد الأمر هو أنها حضارة قامت على أعناق ملل ونحل مختلفة، فقد كانت الأريحية العربية بابا واسعا للنصارى واليهود، للعرب والعجم، كل شارك بما فاض لديه من علم وعمل، من غير تمييز ولا عنصرية.

التسامح والتصالح.. طريق البشرية لحضارة أكثر إنسانوية... العنصرية لا تفيد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .