العلماء يمثلون الثروة الحقيقية للأمم ومصدرا مهما من مصادر قوتها ونهضتها، فالتفوق العلمي يضمن للدولة مكانًا متميزًا في المجالات المختلفة، إلا أن هذا التفوق يحتاج لبيئة جاذبة ومكان حاضن للعلماء ومسؤولين يقدرون دور هؤلاء العلماء وينزلونهم المنزلة اللائقة بهم، وإلا كان الفرار وكانت الهجرة وإفراغ الدولة من علمائها.
هذا ما يحدث في إيران، حيث نشر موقع “دويتشه فيله” على الإنترنت موضوعًا عن ظاهرة هجرة الأدمغة من إيران، سلط فيه الضوء على دراسة أجرتها جامعة ستانفورد في عام 2020، تؤكد أن الأكاديميين الإيرانيين يغادرون بلدهم بشكل متزايد كجزء من حركة هجرة اتخذت أبعاداً أكبر من أي وقت مضى، وتشير إلى مغادرة حوالي 3.1 ملايين إيراني للبلاد منذ ما يسمى بالثورة الإسلامية عام 1979م، من بينهم 900 محاضر جامعي خلال عام 2020 فقط.
واضح أن مناخ القمع والفساد والإرهاب الذي تعيشه إيران هو الأكثر طردًا لأي إنسان يرغب بالعيش بسلام وأمان، فما بالنا بالعلماء الذين يرغبون ويتحركون بدوافع إنسانية، فإنهم لا يمكن أن يقبلوا بمثل هذه الأوضاع المهينة القاتلة لإبداعهم والحاجزة عن القيام بدورهم في خدمة وطنهم وشعبهم، وهذا ما تؤكده الدراسة المذكورة، إذ أشارت إلى أنه في عام 1979 كان حوالي 90 بالمئة ممن يرغبون في العيش في بلدهم مرة أخرى بعد الانتهاء من دراستهم، والآن أصبح عدد هذه الشريحة أقل من عشرة بالمئة، إضافة إلى تواجد حوالي 110 آلاف أكاديمي إيراني يعملون في جامعات ومؤسسات بحثية خارج البلاد وهو ما يمثل ثلث العاملين في المؤسسات الأكاديمية في الدولة.
النقطة الأهم هي أن دراسة جامعة ستانفورد أوضحت أن أزمة هجرة الأدمغة في إيران ترتبط بعقود من الانفصال عن الاقتصاد العالمي، والاستثمار غير الكافي، والفساد الراسخ والظروف السياسية الاستبدادية والوجود اللافت للعناصر الآيديولوجية، إضافة إلى الوساطة والمحسوبية التي جعلت جزءاً كبيراً من المناصب التعليمية مخصصا للنخب في النظام وأقاربهم.
فهل تراجع إيران نفسها وتتوقف عن الفساد والإرهاب وممارسات إذلال شعبها لتوقف نزيف هجرة الأدمغة منها؟.