+A
A-

حزام بن راشد: "الاقتناع بما كنتُ أفعله هو ما جعلني أصل إلى مبتغاي"

هو كاتب سعودي، دوَن حكاياته بناءاً على قضايا العالم العربي وتحديداً المجتمع السعودي. يعمل كمهندس تخطيط، وقد خط على الورق كلماتٌ يُناقش فيها القضايا الاجتماعية بأسلوب بسيط، ومشوق، مع مزيجٌ من المتعة والإبداع التي يتلقاها القارئ بعد أن يبدأ بقراءة تلك الصفحات. شَكَلَ هذا المزيج عنصراً يجذب القُراء وحتى الذين لا يقرؤون.. فكانت بداية فئة كبيرة من القُراء هي قراءة أحد إصدارات حُزام بن راشد. بدأ رحلته في كتاب الحرة والمجرة وتوقف عند محطة الطفلة إيمان بجزئها الثاني.. ولكنه ما زال يكتب فالحِكاية ما زالت في بداياتها.

 

هل الطفولة هي من صنعت منك كاتباً؟
بالتأكيد، فالمنزل الذي تكون أحد أركانه مكتبة ويُشاهدها الطفل ويعتاد على وجودها ويبدأ بتصفح الكتب المُلفتة لنظره والتي مع الوقت سيتوجه بنظرة إلى ما يستهويه من مجالات ويبدأ بالتعمق فيها. فهذه الأمور تجعل من الطفل قارئاً وقد يصبح كاتباً فيما بعد، وهذا ما حدث معي.

 

ماهي الكتب التي تُفضل قراءتها كقارئ؟
أميل لقراءة الروايات، والكتب الفكرية، والكتب التي تحتوي على نقاشات عن القضايا الاجتماعية، الدينية، النفسية، وكل ما يخص المجتمع من صدامات فكرية أو ما شابه ذلك.

 

بعد القراءة؛ ماهي العوامل التي هيئت لك بيئة أدبية مُناسبة لتكتب وتنشر؟
أحياناً يكون انتظار هذه العوامل ما هو إلا مضيعة للوقت، فإن كان لدى الفرد حلم أو شغف في الكتابة والنشر، سيُقدم على هذه الخطوة. ففي بداياتي لم أجد سوى الدعم من والداي فقد وجدتُ منهما الدعم المادي، ولكن خِلافاً على ذلك فالجميع من حولي لم يكن متحمساً لهذه الفكرة. فالاقتناع بما كنتُ أفعله هو ما جعلني أصل إلى مبتغاي.

 

من هو الكاتب الذي يطرأ في ذهنك ما إن تكتب؟ ولماذا؟
في الحقيقة هناك الكثير من الكُتاب، ولكن أبرزهم هو غازي القصيبي، بسبب تأثيره الكبير على المجتمعات العربية وتحديداً المجتمع السعودي فقد ترك أثراً كبيراً على الكثير من الشخصيات السياسية والفكرية. القصيبي رجل يعني لنا كثيراً في المجتمع السعودي وبالطبع أجد بأنه أثر بي وحتى أنني أطمح أن أكون مثله في يوم من الأيام.

بدأت مسيرتك في النشر عام ٢٠١٣ حدثنا عن هذه التجربة الأولى؟
تجربة صعبة وتحدي بالنسبة لي بكل ما تعنيه الكلمة، فقد شاركت مع دار نشر جديدة على هذه الساحة ولكن بفضل من الله فقد وفقني وإياهم وكبِرتُ معهم. وإضافة على هذا فإن أول كِتاب أصدرته على الرغم من قربه لنفسي فإن مرور الوقت وجدتُ بأنه مليءٌ بالثغرات، ويكمن السبب في ذلك التطور الذي لحق قلمي. هي تجربة عنت لي الكثير فهي السبب الرئيسي التي كسرت الحاجز بيني وبين الجمهور، ولولاها لما وصلتُ إلى ما أنا عليه الآن.

 

تأخذ المواقف حيزاً كبيراً في حياة الفرد فهل هناك موقف لأشخاص حاولوا أن يجعلوك تُحبط وتتوقف عن الكِتابة من خلال قولهم بأنك "لا يمكن أن تكون كاتباً"؟ أم أنك كُنت شخص تتلقى الدعم والتشجيع؟
للأسف أرى بأن فئة كبيرة من المجتمع لا تأخذ الكتابة والقراءة بشكل جدي، فيجدون بأن من يقرأ أو يتكلم بثقافة ما هو إلا شخص مُعقد. فكان هذا الأمر إلى حد ما محبط بالنسبة لي فحتى بعض الأصدقاء كانوا من هذه الفئة ولكن اليوم تغير كُل شيء فقد أصبحوا من أهم القُراء والداعمين فهم يقرؤون لي باستمرار وينتظرون جديدي.

 

إذا كنت ترغب في التغيير فاستمع للنقد البناء؛ فهو إما أن يشعلك لينهيك أم لينير دربك، فماذا فعل النقد بك؟
النقد هو المقوم الحقيقي للكاتب، فمن واجبه أن يتقبل النقد الموضوعي وليس الشخصي الذي يحتوي على التجاوزات والإساءات لشخصه والذي يجب على الكاتب ألا يلتفت إليه وأشكر الله بأنني لم أتعرض لهذا النقد. أما بالنسبة للنقد الموضوعي بالعكس فهو يُنير دربي من خلال تسليط الضوء على الأخطاء التي لا أراها فيما أكتبه، فهو مصدر أستفيدُ منه لأتجاوز تِلك الثغرات في الإصدارات الجديدة.

صاحب ثمانِ اصدارات ما هو الإصدار الأقرب إلى ذاتك ولماذا؟
شكراً لكل اصدار كتبتهُ فأنا أجد بأن كل اصداراتي قريبة إلى قلبي وهي ليست إجابة دبلوماسية كما يعتقد البعض فتلك الإصدارات أخذت من وقتي وجهدي وتركت أثراً لا يُمسح من ذاكرتي. فقد صَنَعت مني شيئاً وأنا مدين لكل رواية كتبتُها، فقد عَرفوا القُراء على الكاتب حُزام، وكشفوا للكاتب ذاته أخطاءه وثغراته في الكِتابة مما ساهم ذلك في تطوير كتاباتي من إصدار لآخر.

 

تميزت اصداراتك بعناوين لافتة لنظر القُراء ومُحببة أيضاً لهم، فما هو الأساس الذي تقوم عليه بتسمية اصداراتك؟
اختيار العنوان أمر مهم جداً، فأنا أرفض الأسماء الثُلاثية واتجه دائماً للأسماء الثنائية أو كلمة واحدة. وجدت بأنني اتجه غالباً لتسمية العناوين بأسماء الشخصيات وتلحقهُ كلمة تدعم المحتوى مثل الطفلة إيمان، الشيخة روان مما يُشكل لي عنوان يعكس المحتوى. ومع مرور الوقت اكتشفتُ بأنني حصلتُ على إعجاب القُراء من خِلال تميزي عن بقية الكُتاب في طريقة تسمية اصداراتي.

 

لماذا توقفت عن إصدار طبعات جديدة لبعض الكُتب اللي اصدرتهم مثل كِتاب الحُرة والمجَرة، والحندس؟
كتبتُ الحرة والمجرة والحندس في بداياتي، فأنا أعتزُ بهما كثيراً وحققت انتشاراً جميلاً وهذا الانتشار هو الذي عرف الناس بحزام بن راشد، ولكن من وجهة نظري أرى بأن آخر ست إصدارات هي الأقوى. وشعرتُ بأنني أودُ التركيز عليهم من الناحية التسويقية لكي أُعرف القارئ علي بشكل أفضل. فالتجربة الأولى والثانية يحتفظ بها القُراء القُدامى فهم من عرفوا حُزام منذُ بداياته وأشعر بأن هذا نوع من التجدد والاهتمام الأكبر للإصدارات التي من وجهة نظري هي الأقوى والأفضل ومتأكد تماماً بأن من سيقرأ لي أحد الإصدارات سيعود ليبحث عن بقية إصداراتي.

 

بما أنك تميلُ لكتابة الروايات لأنك تعتقد بأنها تعطي الكاتب مساحة كافية للتعبير والخيال فهل لهذا السبب لم تُوفق في كتاب الحندس والذي كان عِبارة عن قصص قصيرة؟
حقق كتاب الحندس نجاحاً في ذلك الوقت، واكتشفتُ حينها بأن القصص مُجهدة أكثر من الروايات، فهي تعطي بالفعل مساحة أكبر من القصص في الكتابة والابداع ولكن القصص القصيرة جداً مُكثفة وقصيرة وتحتوي على عناصر عديدة ويجب أن تحمل القصص أفكارها الخاصة. ففي الحندس كتبت ما يفوق الـ ٨٥ قصة وكان أمر مجهد.

هل تود أن تُعيد نشر أحد الكُتب التي توقفت عن الطباعة في المستقبل؟
لا، لأنني أؤمن بأنني أملك أخطاء وثغرات ونقص أنا لا أراه، ولكنني أرى بأنني الآن أسير في الطريق الصحيح وهو التدرج. فقد عهدتُ على نفسي بأنني لو لم أكتب شيئاً أفضل مما سبقه فلن أقوم بنشره فهذا يجعلني أشعر بأنني أتصاعد وأتجاوز أخطائي السابقة ولا أود النزول أو التأخير فعلى سبيل المثال إن أعدتُ نشرهم وقد قرأ أحدهم أحد اصداراتي الست ومن ثم قرأ الحُرة والمجَرة سيثير اعجاب القارئ لأنها مختلفة تماماً لأنها سهلة وبسيطة وليست بالرواية الحقيقية التي تشبه تلك الاصدارات فلذلك قررتُ اكمال الطريق دونهما.

 

القضايا الاجتماعية هي ما يُشغل قلم حُزام فلماذا يستهويك هذا النوع من القضايا بالتحديد؟
صحيح فهذا النوع من القضايا يشغلني لأنني مطلع بشكل عام على القضايا التي تحدث في العالم العربي والخليجي وبشكل خاص قضايا المجتمع السعودي فدائماً ما تستهويني القضايا التي أشعر بأن الظلم يتخللها، وتكون الحقوق المسلوبة جزء منها، أو حتى أي فكرة خاطئة دارجة في المجتمع سواء أكانت باسم الدين أو العادات والتقاليد. فكل هذه الأمور التي تُسبب ضرراً للمجتمع تثير اهتمامي وأعتقد بأن سبب اتجاهي لهذا النوع هو أنني شخص لا أتكلم كثيراً فأجد بأن الكِتابة هي المتنفس لأُبدي عن رأيي عما لا يعجبني وانتقده في قالب روائي ممتع.

 

باعتقادك هل الاستمرار في الكِتابة باتجاه، ومجال واحد أمر إيجابي أم سلبي؟
إيجابي، لأنني أرى بأن الكاتب يجب ألا يكتب فيما لا يفهم فسيسقط في ثغرات عديدة مما سينتج عن ذلك صدور رواية ضعيفة. مثلاً أنا لا أجدُ قلمي متمكن من الكتابة في مجال الرعب، لأنني لا أجد نفسي فيه، من الممكن أنشر اصدار وسأنجح من الناحية التسويقية ولكن ستتخللهُ العديد من الثغرات وسيفتقر للإبداع.

 

هل تنوع الكُتاب بما يكتبون يكون رغبة من الكاتب نفسه، أم هي مُحاولات لإشباع رغبات القُراء؟
اتفق وللأسف هناك عِدة كُتاب كتبوا في مجالات لا تستهويهم لكي يقفوا في منطقه يتجمع عليها القُراء بشكل أكبر عن غيرها ففي حين محاولاته لرفع مبيعاته سيسقط في ثغرات لا تعدُ ولا تحصى، فالتحول من وإلى ليست سهلة.

 

أذكر لي موقفاً لن تنساه مع دار النشر التي تحتضن قلمك منذُ بداياتك إلى الآن؟
ما زلتُ أذكر المرة الأولى التي وصلتُ فيها إلى جناح الدار ككاتب وليس كقارئ والتوقيع الأول الذي وقعته والذي كان كالدافع الكبير لي فلم أكن أعتقد بأن لي الحق ككاتب مُبتدئ أن أوقع على كِتابي فكنتُ أظن بأن هذا الحق خاص للكاتب المشهور فقط.

 

في عام ٢٠١٩ شاركت الدار ولأول مرة في معارض خارج دول الخليج وتحديداً في مصر وبغداد فكيف كانت التجربة؟
بالنسبة للمشاركة الخارجية فقد شاركتُ في معرض القاهرة. تجربة جميلة جداً ولا أنساها فقد تعرفتُ من خِلالها على كُتاب وقُراء واكتشفتُ بأن الجمهور المصري شغوف جداً للتعرف على كُتاب من خارج مصر. وبالنسبة لمعرض بغداد فقد كانت التجربة ناجحة كذلك على الرغم من عدم تمكني من المشاركة فيه.
 

هل تجعلُك الكِتابة مُقيداً، وغير صريحاً بسبب الحدود المرسومة عليك ككاتب والتي تتمثل في الرقابة؟
لا طبعاً فأنا اتبع نهج الرقابة الذاتية عوضاً عن الرقابة الرسمية فقد رسمتُ لي حدوداً أعرف ما هو مسموح لي أن اكتبه وما هو غير ذلك. فأنا إنسان من بيئة خليجية ومؤمن بأن كل كاتب له شخصيته وأسلوبه وبيئته وثقافته التي يكتب فيها وعند وضع هذه الاعتبارات أمام عينك فلن يكون هناك مجال للتفكير في الرقابة الرسمية.

 

عِبارة "الأكثر مبيعاً" التي تُكتب على الكُتب هل هي خُدعة أم واقع؟
غالباً ما تكون خُدعة ولكن في بعض الأحيان تكون واقعاً، ولكن هذا لا يعني بأنه الأكثر جمالاً. فهناك العديد من الكُتب التي كُتِب على غِلافها الأكثر مبيعاً ولكن كان محتواها سطحي وفارغ. فلذلك أنصح القُراء باختيار الكُتب التي تستهويهم وألا يكون اختيارهم يعتمد على الكتب الأكثر مبيعاً أم الأكثر شهرة.

 

في ظل تواجد بعضاً من الكُتاب الذين قد لا يُحالفهم الحظ للمواصلة في الكِتابة يا تُرى ماهي الأسباب لوجود هذه الفئة؟
لا، فأنا أجد بأن الجانب الأكبر على الكاتب نفسه، فهناك ثلاث أسباب تؤدي إلى هذه المشكلة، أولاً؛ عدم وجود الشغف في الكِتابة والاستمرارية. ثانياً؛ اختيار الكاتب لدار نشر خاطئة فكِتابه مكتوب بلغة صعبة، ويناقش فيها أفكار فلسفية ويذهب ويختار دار نشر شبابية فلن يجد الاقبال عليه لأن معظم قاصديها يبحثون عن الروايات والكتب السهلة. وثالثاً؛ تقصير الكاتب في التسويق لكتابه على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي.

 

نصيحة لمن يقرر أن يكتب، وأين هي نُقطة البداية يستطيع المبتدئين الانطلاق منها لهذا العالم؟
اكتب ما تحبه وترى نفسك به وليس ما يحبه الآخرون. فالسير بهذا الطريق يؤهلك باستخراج إصدار يستحق القراءة لكل قارئ يُبادرك الاهتمام في المجال نفسه. ولكن لو كُنت تبحث عن الأكثر مبيعاً وأين يتواجد الربح والقُراء بشكل أكبر لن تتقدم، فالقارئ ذكي إن أخذ كِتابك في المرة الأولى والثانية سيكتشف بأن هُناك خطأ ما وسيتجنب كِتاباتك. فلذلك اكتب ما تُحب واستمتع في الكتابة ولا تأخذها كتأدية واجب بل خُذها كمتعه ورساله تود إيصالها للقراء.