+A
A-

من الكتاب إلى الحياة

تحمل كثير من الأعمال الأدبية أسماء أبطالها في عناوينها ، مثل " نانا " و " لوليتا " و " دون كيشوت " ، والكثير من مسرحيات شكسبير ، وبالرغم من أن الأسماء وحدها ، كعناوين ، قد لا تعطيك الانطباع الكافي عن ماهية الفكر الذي سيتضمنه العمل " ما لم تكن قد سمعت بها من قبل فالاسم بحد ذاته لا يعكس الفكر "  إلا أن تلك الأعمال ما أن تحقق النجاح وتنال نصيبها من الشهرة والانتشار ، حتى تتحول أسماء شخوصها إلى " رموز " تختصر أوصاف نوع ما من البشر " أو ثيمة ما " . وشيئا فشيئا ، تتغلغل أسماء تلك الشخصيات المتخيلة ، في نسيج الثقافة الشعبية للبلد، وقد تمتد حتى تصل أحيانا إلى الثقافة العالمية  بأسرها .

تتناقل الأجيال تلك الأسماء بما تحمله من دلالات ومعان، فكل أبناء اليوم يعلمون أننا نقصد عاشقا متيما حين نصف أحدا بأنه " روميو "، وأننا نعني محاربا يريد اصلاح الكون حين نشير لأحد بأنه " دون كيشوت "  و " ولدا مشاغبا " حين نصف أحدهم بأنه كتوم سوير، كما يعلمون أيضا ماذا نعني حين نصف شابا بأنه " دون جوان "، أو نصف أحدا بأنه يتصرف كـ " شارلوك هولمز ".

الكل يعرف دلالات تلك الأسماء ، حتى من لم يقرأ منا يوما الأعمال الأدبية التي ابتكرتها وجاءت بها إلى هذه الحياة . بل ويحدث أحيانا أن توغل تلك الشخصيات الخيالية في عمق الثقافة الشعبية لحد أن يُظنّ أنها كانت بالفعل شخصيات حقيقية شاركتنا العيش على سطح الأرض ذات يوم .

في ثقافتنا العربية ، يكاد يكون أبرز الأمثلة هو شخصية " سي السيد "  التي قدمها نجيب محفوظ في ثلاثيته الشهيرة ، وصارت رمزا للرجل الشرقي المستبد ، ومثالا للشخصية ذات المعايير الأخلاقية المزدوجة ، هذه الشخصية  التي نحتها قلم نجيب محفوظ من صفات شخصيات عدة عايشها في صباه ، ضربت اليوم في عمق الثقافة العربية حتى تسربت إلى لغة حياتنا اليومية، فإذا قلنا أن  " زمن " سي السيد "انتهى  كان قولنا واضحا لا يحتاج إلى تفسير، وإذا ذكر اسم " سي السيد " في مطلع أغنية ، أصبح موضوعها العام ، منذ البدء ، واضحا جدا." هذا مع فارق أن اسم " سي السيد " نفسه لم يتصدر أيا من عناوين الثلاثية كما هو الحال في غيره من الكتب!.

الجدير بالذكر  أننا لا نعرف دائما أسماء مبتكري تلك الشخصيات الخيالية ، وقد لا نملك حتى الفضول الكافي للبحث عن أسماءهم ،  فكأن الكاتب يمنح شخصيته كل أسباب نجاحها ، ويتوارى في الظل سامحا لها أن تنال الشهرة على حسابه.

ونحن الذين نقول دائما بأن الأدب يقتبس مواده من الحياة ، علينا أن نعترف بفضله إذ يضيف لحياتنا أيضا شخصيات جديدة ، فبدونهم ، كنا سنقول كلاما كثيرا لنخبر شخصا بأنه نسخة من دون كيشوت ، وكانت امرأة لتلقي محاضرة طويلة على رجل لتجعله يفهم أنه يعاملها ، مثل سي السيد.