جَسّدَ الساحل أو الشاطئ أو الواجهة البحرية – بمسماه المُتعارف محلياً “السِّيف” - طبيعة العلاقة اليومية الوطيدة التي كانت تربط المواطن البحريني مع البحر قديماً واستمرارها حديثاً، بما يحمله هذا الترابط إلى عوالم مختلفة، لا تقتصر أهميّته على أنّه مصدر تسلية واستجمام وسياحة وتمضية أوقات ممتعة في سويعات الاسترخاء أو لحظات التأمل أو فترات السباحة؛ سعياً لحرق سعرات حرارية وتنشيط دورة دموية، أو أنّها مورد غني بعناصر الغذاء المفيد وأملاح المعادن المقوية، بل أضحى رمزاً صحياً وطبياً إلى حيث تستخدم مياهه دواء لداء الجلد وعلل الجسم تارة، وبعليل هوائه علاج لأمراض نفسية وأعراض اجتماعية ومترافقات بيئية تارة أخرى.
تلك هي علاقة أهالي قرية “باربار” – القرية الوادعة التي تقع في شمال غربي مملكة البحرين وسط مياه بحيرة الخليج العربي الدافئة - الذين جعلوا هواء البحر يستوطن رئتيهم ما عاشوا، حتى تولّدت علاقتهم الوثيقة مع البحر والإبحار، فصّيرُوها محور حياتهم ومرتكز معاشهم حوله، بهدوئه وصخبه وهياجه وصفائه، مُسّجلين فيها ملوحةَ الماضي وذكريات الأقدمين، حيث على ضفاف شواطئه باب الرزق والعيش والتجارة الواسع الذي لا يشحّ ولا يجفّ رغم متناقضات السكينة والصخب فيه، واللين والقسوة بينه، والبساطة والجبروت داخله، والأمان والخوف عنه، والغدر والوفاء له بعد أنْ خلقوا منها تواصلاً وثيقًا وأوجدوا فيها تلاقياً مستمراً في سبيل حياة هانئة بأعماقه وترويح النفس على شطآنه، بعد أنْ أضحى مورد الباحث عن لقمة العيش وملجأ الراغب في إراحة النفس.
باتت – وفق التفسير العلمي - ذبذبات اللونَين الأزرق والأخضر التي تمد الجسم بالهدوء والراحة لدى أهالي القرية “وبحارتها على وجه التحديد” في خطر محدق؛ كنتيجة حتمية للنسيان والإهمال اللذين يتعرض لهما هذا الساحل الوحيد والمرفأ اليتيم من قبل وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني كجهة معنية منذ أمد ليس قريبا، وافتقار جدّية الشروع في التنفيذ والتطوير اللذين لم تطآه كسائر المشروعات المماثلة على مستوى المملكة، بعد أنْ استمرّ التسويف – على حدّ قول الأهالي - في تنفيذ حديقة الساحل المنظورة وتطوير مرفأ القرية الذي استنزف حفره جيوب البحارة البسطاء.
نافلة: يبدو أنّ واجهة باربار الساحلية اليتيمة – المتضمنة للحديقة التي يئس الأهالي من تنفيذها، وكذلك مرفأ الصيادين الذي كاد يغرق أحد مرتاديه لارتفاع منسوب الوحل فيه – خارج دائرة الخطط التطويرية للواجهات البحرية المفتوحة الجديدة لوزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني ممثلة في هيئة التخطيط والتطوير العمراني التي تعكف ذاتها على دراسة هكذا مشروعات في البحرين - وفق ما أكدّ وزيرها بمجلس النواب مؤخراً – في حديثه عن الاستراتيجية السادسة المتعلقة بتحديد الواجهات البحرية العامة “وخلوها من ساحل القرية” بالرغم من وجود الوثائق والمخططات اللازمة التي صدرت بعد حصوله الموافقات اللازمة.