سموه كان له الفضل بإنشاء مدارس للبنات في القرى خلال منتصف الخمسينات
خليفة بن سلمان ... صانع النهضة الأدبية والفكرية في البحرين
شهدت مملكة البحرين في تاريخها المعاصر نهضة تعليمية وثقافية وتنوع النتاج الفكري المحلي الذي بات يمثل حجر الزاوية في تطور البحرين الثقافي؛ لتصبح بمصاف الدول المتقدمة من حيث عدد الإصدارات المحلية بالنسبة لعدد سكانها، وفي طليعة الدول العربية في ذلك المجال.
ولم يكن تربع البحرين على مركز الصدارة في تأليف الكتب ونشرها في الوطن العربي وليد صدفة، بل كان وليد عوامل مهمة لعبت دورها في نماء الحركة الفكرية، والثقافية، وازدهارها في مملكة البحرين.
ولصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رحمه الله الأثر الأكبر في نماء هذه النهضة وتطورها في العصر الحديث، وحول ذلك التقيت بمدير مكتبة الشيخ عيسى، منصور سرحان محاولاً معه تسليط الضوء على أهم الجوانب المشرقة، والدروب المضيئة في عالم الفكر والثقافة والإبداع.
واحة العلم
ومن بين أهم العوامل التي لعبت دوراً فاعلاً في ازدهار حركة الكتابة والتأليف، وإصدار الصحف المتنوعة، وتطور العمل الثقافي بشكل عام، الاهتمام الذي أبداه الأمير الراحل، المتمثل في تشجيع ودعم الحركة الثقافية في البلاد بكل أبعادها ومساراتها، وعمله على توفير التربة الصالحة لنجاحها.
وكما هو معلوم فإن التربة الصالحة لنمو الثقافة وازدهارها يتمثل في وجود مجتمع متعلم، تتدني فيه نسبة الأمية، مما يدعم أهمية الدور التعليمي والتربوي في رفد الثقافة المحلية، باعتبار التعليم القاعدة الأساسية التي تُبني عليها الثقافة.
ويعد سموه رحمه الله أبرز رواد العمل التربوي في البلاد، بل هو مهندس النهضة التعليمية الحديثة منذ بداياتها الأولى، وبخاصة في عقد الخمسينيات من القرن العشرين، عندما تأسس أول مجلس للمعارف في عام 1956م بأمر من صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين آنذاك، للعمل على تطوير التعليم، ونشر المدارس في البلاد، وحل جميع المشاكل والعقبات التي كانت تواجه نشر المدارس وتحديث التعليم حينذاك.
كان صاحب العظمة يرى في انضمام ابنه الشيخ خليفة إلى مجلس المعارف أحد أبرز عوامل نجاحه، لما عرف عنه من ذكاء حاد، وثقافة واسعة، وحبه للعلم والمعرفة.
رائد التعليم
ولقد بذل سمو الشيخ خليفة جهدا كبيرا في تطوير الحركة التعليمية في البلاد، وقد رأى بثاقب بصيرته أنه لابد من اكتساب الخبرة والاطلاع على تجارب الدول المتقدمة في الصناعة التربوية لتطوير التعليم في البلاد.
ومن أجل تحقيق هدفه أستأذن سموه والده في أغسطس من عام 1956م في التوجه إلى بريطانيا، حيث أمضى فيها خمسة أشهر، أطلع خلالها على أساليب التعليم، وبرامجه الحديثة، ونظام الإدارة في المدارس، وعاد سموه إلى البحرين في يناير من عام 1957م وهو يحمل الكثير من الأفكار الجديدة للإسهام في تطوير التعليم في البحرين.
وفي 13 يناير من عام 1957م اسند إلى سمو الشيخ خليفة بن سلمان رئاسة مجلس المعارف خلفا للشيخ مبارك بن حمد آل خليفة الذي عين رئيسا لمجلس الصحة. وكان مجلس المعارف في تشكيله الجديد يضم في عضويته كلا من: الشيخ خليفة بن سلمان رئيسا، والشيخ عطية الله بن عبدالرحمن آل خليفة، والسيد حمد جاسم كانو، والسيد راشد عبدالرحمن الزياني، وصادق محمد البحارنة، ومحمد يوسف جلال، والشيخ خالد بن محمد آل خليفة، والحاج عبدالله بن خميس الشروقي أعضاء.
عقد مجلس المعارف أول اجتماع له برئاسة سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة في 14 يناير من عام 1957م ، وكانت أولى توصياته التي أصدرها تدعو إلى تولي المجلس إدارة تعليم البنين والبنات حتى يتسنى الارتقاء بهما إلى المستوى المطلوب.
وقام المجلس بمراجعة نظام السكن المقدم إلى المعلمين العرب الذين يدرسون في مدارس البحرين المختلفة، وزار القرى والمدن لدراسة فتح مدارس بها.
امتد نشاط مجلس المعارف إلى الميادين الثقافية الأخرى، منها تنظيم معرض الآثار المكتشفة بالتعاون مع بعثة التنقيب الدنماركية، وقد تفضل صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين بافتتاح المعرض في 27 مارس من عام 1957م، وقد أقيم المعرض في قاعة مكتبة المعارف العامة الكائنة بمبنى دائرة المعارف بشارع الشيخ عبدالله بالمنامة.
زيارات تفقدية
عمل سمو الأمير خليفة بن سلمان رحمه الله منذ توليه مسؤولية رئاسة مجلس المعارف على وضع برامج لتطوير العملية التعليمية في البلاد، وقام بزيارات تفقدية للمدارس ليراقب عن قرب مجريات العمل بها.
وكان من نتيجة ذلك تحسين وتطوير الخدمات التربوية في البلاد، فقد تم التوجه إلى جعل التعليم الخاص تحت إشراف دائرة المعارف، ودرس مجلس المعارف الحاجة الماسة إلى فتح فصول جديدة، وتحسين تعليم اللغة الانجليزية، وتحديد أوقات التدريس المعمول بها في جميع المدارس، والمساواة بين خريجي المدرسة الصناعية، وخريجي المدرسة الثانوية العامة عند توظيفهم.
كما عمل سموه على فتح مدارس للبنات في قرى البحرين، حيث إن تعليم البنات كان حتى ذلك الوقت مقتصرا على المدن الأربع الرئيسة في البلاد، وتم وضع قانون المدارس الخاصة للإشراف والمتابعة الكاملة عليها.
ولقد حرص سموه على تشجيع المدارس في تنظيم معارضها عن طريق حضوره شخصيا، كما حرص على زيارة المدارس وتوزيع الجوائز في مناسباتها الخاصة. ففي مايو من عام 1959 وزّع سموه الجوائز على المتفوقين من مدرسة الهداية الخليفية بمناسبة مرور 40 عاما على إنشائها.
ومنذ تحمله مسؤولية مجلس المعارف على تفعيل النشاط الثقافي في المدارس بشكل خاص، من خلال تشجيعه على إقامة المسابقات والمسرحيات، وتنظيم المعارض، وحرص على تقديم الجوائز للفائزين في تلك الفعاليات الثقافية، والفنية، والعلمية بنفسه؛ بغية الدفع بعجلة الثقافة إلى الأمام والتشجيع على القراءة والبحث والكتابة مهيئاً بذلك التربة الصالحة لنشر العلم والمعرفة.
اهتمام أبوي
ولقد استمر سموه في رعاية الحركة التعليمية والتربوية في البلاد منذ عام 1956م وحتى يومنا هذا، لعلمه بأن تطور التعليم من بين أهم ركائز التطور في جميع مناحي الحياة، وهو الوسيلة المهمة لمسايرة ركب التقدم والحضارة في ظل ما تشهده البشرية من تقدم تكنولوجي هائل، ومن اكتشافات علمية متواصلة تستدعي مواصلة الاهتمام بالصناعة التعليمية والتربوية.
وانطلاقا من تلك التوجهات واصل سموه الاهتمام بالتعليم موفرا الميزانية المطلوبة. كما حرص على رعاية عيد العلم الذي تقيمه وزارة التربية والتعليم في كل عام، وتكريم الطلبة والخريجين من الجامعات المحلية والعربية والأجنبية، وبخاصة الذين حصلوا على شهادات عليا.
وتشجيعاً للخريجين من جامعة البحرين استمر سموه في رعاية الحفل السنوي الذي تقيمه الجامعة تكريماً للخريجين والخريجات من مختلف كليات الجامعة، الأمر الذي أدى إلى الارتقاء بالتعليم الأكاديمي في مملكة البحرين.