العدد 4297
الإثنين 20 يوليو 2020
banner
السطح المليء بقطع زجاج التخلف وهجر الكتاب
الإثنين 20 يوليو 2020

كان الإنسان العربي القديم يقطع القفار ويتجشم المشاق ليستمع إلى آخر إبداعات الشعراء وأحدث كشوف العلماء والنحاة، حيث كانت رحلاتهم إلى منابع المعرفة تستغرق أياما وشهورا، بل إن بعضهم كان يلاقي حتفه في الطريق والبعض الآخر يمرض، لكن الجوع إلى المعرفة بالمعنى الواسع العميق كان الدافع، أما اليوم وفي هذا العصر أصبحت المعرفة متاحة للجميع، حيث ضيقت وسائل الاتصال الحديثة الشقة بين المسافات وأصبح باستطاعة الشاعر والباحث والقارئ أن يعرف ما يفكر فيه الآخرون وأن يشارك فيه وهو في مكانه.

فهاهي الطباعة قد يسرت له الحصول على نسخ من الأعمال الكاملة لكل شاعر وباحث، وهاهي الإذاعة قد نقلت إليه أصوات الشعراء وهم يقرأون أشعارهم بأنفسهم وهو في عقر داره، والفضائيات تزخر بالبرامج الثقافية، والكتب بمختلف ألوانها نجدها كاملة على الإنترنت ولكن رغم ذلك هناك خلل في العقل العربي وما نشاهده في مجتمعاتنا أشبه بارتياد الآفاق المجهولة. نفور من القراءة والاطلاع وسبر أغوار المبدعين، وكأن الإنسان العربي فقد الإحساس بالمتعة والفائدة من القراءة التي كان العربي القديم يتكبد من أجلها مشاق السفر وعناء الطريق، هناك تيار يجرفنا بعيدا عن القراءة والاطلاع رغم أنها بين اصبعنا وتحتاج فقط إلى “كبسة زر”.

كانت الحياة العربية قبل أكثر من ألف عام قادرة على العطاء والتجدد في زاهر أيامها، وميدان حوار العقول والأفكار والنقاشات كان واسعا يحاصر السماء، وكان الإبداع حينها على ضوء شمعة ولا وجود لخرير الكهرباء، ولو نظرنا إلى الحياة العربية اليوم لعضضنا أسناننا من انقلاب الموازين والسطح المليء بقطع زجاج التخلف وهجر الكتاب والمعرفة، رغم أبواب الإنترنت وفواكه التكنولوجيا، ودفوف التطور، قلة تقرأ، وقلة تذهب للمسرح، وقلة تحضر أمسيات شعرية وفكرية، وقلة تستخدم الإنترنت لتنزيل كتاب والاستفادة من منهجه الفكري ورؤاه، إنه انهيار مفاجئ في الفكر العربي، فبعد أن كنا نسير على قمم السحاب أصبحنا في القاع!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .