العدد 4269
الإثنين 22 يونيو 2020
banner
شاهد على خليفة بن سلمان صفحات بيضاء مع الأطباء طيلة نصف قرن
الإثنين 22 يونيو 2020

أولى هذه الصفحات عن تخرجنا في بداية السبعينات من القرن الماضي ودعوته لنا للاجتماع معه من أجل السلام عليه في زيارة لمصر في فندق هيلتون النيل، وتشرفنا بمقابلته وسمعنا لتوجيهاته لنا بالسعي للنهوض بالخدمات الطبية في البحرين وأن الاعتماد على الكادر الوطني لتقديم هذه الخدمات هو هدف الحكومة آنذاك لبحرنة الوظائف في القطاع الصحي وكنا ما يقارب الأربعين طبيبًا وعاملاً في القطاع الصحي المساند، واستمعنا لتوجياته باهتمام وحماس خصوصًا أننا كنا تواقين للرجوع للبلاد والمشاركة بعزم واندفاع لترجمة تطالعاتنا وتطلعات القيادة السياسية على أرض الواقع.

وبعد رجوعنا كان لتوجيهاته لوزير الصحة آنذاك بتوفير الإمكانيات اللوجستية لجميع البحرينيين العاملين في القطاع الصحي من أطباء وممرضين، ولم تدخر وزارة الصحة أي جهد إلا وبذلته في سبيل هذا المسعى الطموح، حيث وفّرت السكن لبعض الأطباء في مناطق مختلفة في البلاد، مثل: الجفير والنعيم والسلمانية في المباني الحكومية المخصصة للأطباء الأجانب ولممن لا يملك مسكنًا مناسبًا من الخريجين الأطباء البحرينيين.
وبدأنا مشوار تقديم الخدمات الطبية بحماس مع زملائنا الأطباء الأجانب، الذين استفدنا من خبراتهم الطبية، التي لم يبخلوا بها علينا. وقد واجهت الدفعة الأولى من خريجات الطب البحرينيات خلال مرحلة السبعينات من القرن الماضي جملة من الصعوبات والتحديات التي تجاوزنها بإصرار وعزيمة، فقد كانت تصرف لهن نصف ما يتقاضاه الطبيب من أجر، الأمر الذي دفعهن إلى رفع مطالبات لمكتب رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان لتحسين أوضاعهن ومساواتهن بالأطباء.
وفور وصول مطالب الطبيبات لمكتب سموه، وفي غضون أسبوع واحد أصدر سمو رئيس الوزراء توجيهاته الرشيدة بتوحيد الرواتب للكادر الطبي في جميع المهن الصحية، وتحقيق مبدأ المساواة بين العاملين دونما تمييز بين الرجل والمرأة.
وقد أنصف سموه بهذا القرار الحكيم أخواتنا الطبيبات، وحصلن بموجب هذه الخطوة الجريئة على حقوقهن الكاملة في الابتعاث للتدريب وتزايدت وتيرته بشكل مضطرد، وحصلت الكثيرات من الكوادر الطبية النسائية على الشهادات العليا في الطب والمهن الطبية المساندة وصرفت لهن نفس الاستحقاقات والرواتب التي يحصل عليها زملائهن الأطباء.
وهكذا خلال مرحلة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي القطاع الصحي طفرة نوعية بما قدمه من خدمات جليلة على صعيد الكم والكيف، وساهمت الكوادر البحرينية في هذا النجاح، مقدمين أفضل ما يمكن تقديمه، فقد كانت المسيرة في بداية انطلاقها، وكنا كأطباء نشعر أننا بحاجة إلى إثبات ذواتنا وكنا نراهن على نجاحنا في هذه المهمة استنادًا على رصيد الثقة الذي اكتسبناه من قيادتنا الرشيدة التي وضعت ثقتها الكاملة بنا.
وقاربنا أوائل التسعينات من القرن العشرين الماضي، وشاهدنا أن بعض الأطباء يرغبون كذلك في تقديم خدمات طبية خارج نطاق المنظومة الحكومية في مستشفيات الدولة، فاجتمع فريق من هؤلاء الأطباء وكنت منهم، وطلبوا مقابلة سموه، وتم شرح توجهاتهم للاستفادة من خدماتهم في الطب الخاص، والذي كان ممارسًا سابقًا فكانت موافقته الفورية على ذلك، وصدرت توجيهاته الكريمة بتوفير المساعدات المادية في سبيل تحقيق هذه الفكرة على أرض الواقع، وكان لهذا الدعم المادي السخي دور كبير في تأثيث العيادات الخاصة، وبدأنا في ممارسة الطب الخاص في البحرين، وكان من الطبيعي والحال هذه أن يتطور هذا القطاع المهم والحيوي والواعد بفعل الطريق التي ساهم سموه في تعبيده أمامنا كأطباء، وتلك كانت البداية فحسب، إذ سرعان ما نمت هذه الفكرة وتطورت، وشهدت البلاد بعدها طفرة في عدد المراكز والمستشفيات الخاصة تماشيًا مع ما كانت تعيشه البلاد من تزايد في أعداد السكان والوافدين.
وقد أثمرت هذه النهضة الصحية واثقة الخطى عن ميلاد العديد من الجامعات الطبية التي أخذت تنتشر في دول مجلس التعاون الخليجي، وبدأت أعداد الأطباء في تزايد كبير. وأخذ التخصص في الطب يأخذ مداه، وكان الدافع المحرك لهذا التطور اللافت في البحرين هو صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة.
وأتذكر أننا لما بدأنا برنامج زراعة الأعضاء في منتصف خمسينيات القرن الماضي، نتيجة لتوافر الجراح الذي سيقوم بهذا البرنامج الدكتور جورج ابونا رئيس الدائرة الطبية في جامعة الخليج آنذاك، والتقينا سموه وكان لتشجيعه الأثر الكبر في نجاح هذا البرنامج. وهكذا كانت الطمواح تكبر، والبرنامج تتزايد، وكل نجاح يسحب معه نجاح آخر، وكانت كل هذه الأنشطة والبرامج موضع متابعة حثيقة وتشجيع مستمر من لدن سموه خلال ما يزيد على نصف قرن من الزمن.
إننا كأطباء لا نتذكر المسيرة المضيئة للطب في البحرين إلا ونستحضر معها صورة الأب والقائد لمسيرة الطب وتطوره: صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة.
وما هذا التكريم الذي تفضل سموه باقتراحه لاعتماد البحرين ليوم الطب في أول أربعاء من شهر نوفمبر من كل عام وتخصيص جائزة للمتميزين في البحث العلاجي الطبي إلا رغبة من سموه في تتويج هذه المسيرة استنادًا على الانجازات السابقة لسموه التي كانت له اليد البيضاء والأثر الخالد في تاريخ بلدنا بشكل عام، وعلى الطب والعاملين فيه بشكل خاص خلال نصف قرن. 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .