+A
A-

"الدستورية" تؤكد دستورية نص المادة (136) من قانون التأمين الاجتماعي

حصلت على أجر عمل جديد أكثر من معاشها و"التأمينات" أوقفته مؤقتا

رفضت المحكمة الدستورية دعوى تقدمت بها مواطنة ضد الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، تدعي فيها عدم دستورية نص المادة 136 من قانون التأمين الاجتماعي، والتي تتعلق بخصم الفارق بين المعاش التقاعدي والراتب الجديد.

وتمثل الطعن في دستورية عبارة (بشرط عدم تجاوز مجموعهما متوسط الأجر الذي حسب على أساسه المعاش، فإذا زاد المجموع عن ذلك خصمت الزيادة من المعاش طوال مدة حصوله عليها)، الواردة بالفقرة الأولى من المادة (136) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالمرسوم بقانون رقم 4 لسنة 1976، والمعدل بالمرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1987، والقانون رقم 30 لسنة 2010، في حين طلب جهاز قضايا الدولة عدم قبول الدعوى، واحتياطيا برفضها.

وتحصل وقائع الدعوى الموضوعية في أن المدعية أقامتها بطلب الحكم بالآتي:

1-   الالتزام بتطبيق القانون الذي تخضع له خلال الفترة محل النزاع من تاريخ 1/1/2010 وحتى 31/3/2019، أي القانون رقم 13 لسنة 1975، بشأن تنظيم معاشات ومكافآت التقاعد لموظفي الحكومة فقط، وذلك بعد تحويل تلك الفترة للقطاع العام من القطاع الخاص حسب القوانين والإجراءات المنظمة.

2-   الحكم بإعادة صرف جميع المبالغ التي خفض بها معاشها التقاعدي طوال الفترة المذكورة، والتي بلغت في مجموعها 48375 دينار 650 فلسا وإلزام المدعى عليها بسدادها وبالفائدة القانونية بواقع 10% من تاريخ رفع الدعوى حتى السداد التام.

3-   إلزام المدعى عليها بكافة الرسوم والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.

وأوضحت المدعية التفاصيل بأنها عملت لدى شركة اتصالات طوال 23 سنة، وانتهت خدمتها لدى الشركة بتاريخ 31/12/2008، وتم صرف معاش تقاعدي لها بمبلغ وقدره 946 دينار و500 فلس، احتسب على أساس متوسط راتبها البالغ 2200 دينار، وبتاريخ 1/1/2010 التحقت للعمل بالمجلس النوعي (قطاع التجزئة) التابع للمجلس الأعلى للتدريب براتب شهري وقدره 1518 دينارا، وعند استكمال إجراءات تسجيلها لدى المدعى عليها من قبل جهة عملها قامت المدعى عليها بتخفيض معاشها التقاعدي من 967 دينار و730 فلسا إلى 697 دينارا و900 فلس؛ وذلك حتى لا يتجاوز مجموع الراتب في المجلس النوعي والمعاش التقاعدي متوسط الراتب الذي احتسب عليه معاشها التقاعدي طبقا لنص المادة (136) من قانون التأمين الاجتماعي، وقد استمر تخفيض معاشها التقاعدي كلما زاد راتبها لدى عملها الجديد، وفي عام 2015، تم وقفه بالكامل.

وفي عام 2015 وبعد نقل اختصاصات ومهام المجلس الأعلى للتدريب المهني إلى صندوق العمل (تمكين) الذي انتقلت إليه المدعية في 1/4/2016، قامت الهيئة بإعادة صرف المعاش التقاعدي للمدعية عن فترة عملها السابقة لدى شركة الاتصالات، وبلغ معاشها الشهري مبلغا وقدره 1222 دينار و200 فلس، وتم صرف مكافأة نهاية الخدمة للمدعية عن الفترة من 1/1/2010 إلى 31/3/2016، وقدرها 4578 دينارا و120 فلسا.

وفي شهر نوفمبر 2019، بدأت المدعى عليها بصرف المعاش التقاعدي للمدعية عن فترتي العمل في كل من الشركة والمجلس النوعي للتدريب بعد ضمهما معا، وعندما طلبت ضم خدمتها من القطاع الخاص للقطاع العام تمت الموافقة على طلبها بشرط أن تقوم بإرجاع مكافأة نهاية الخدمة والمعاشات التقاعدية المستلمة عن تلك الفترة ومجموعهما 8295 دينارا، وبالفعل قامت المدعية بسداد المبالغ المطلوبة، وبذلك فقد أصبحت خاضعة للقانون رقم 13 لسنة 1975، بشأن تنظيم معاشات التقاعد لموظفي الحكومة، مما تكون معه جميع الإجراءات التي تمت بشأن تطبيق المادة ( 136) سالفة البيان بتخفيض معاشها في غير محلها وباطلة -حسب ادعائها- لذا فقد طلبت استرجاع المبالغ المخصومة من معاشها التقاعدي فرفضت الهيئة طلبها، لذا أقامت دعواها، والمحكمة الكبرى المدنية قضت برفض الدعوى.

اختلاف العبارات

وتمسكت الهيئة أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بأن الخصم من المعاش كان تطبيقا لهذا النص ورأت محكمة الاستئناف العليا المدنية بعد تكييفها للمنازعة المنظورة أمامها، لزوم تطبيقه للفصل في النزاع، وأن ثمة شبهة بعدم الدستورية تلحق به، وأن الحكم في المسألة الدستورية يؤثر في النزاع الموضوعي، ومن ثم تكون للمدعية مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن.

وحيث أن الفقرة الأولى من المادة (136) المعدلة تنص على أنه: (مع مراعاة أحكام المواد (39، 41، 40، 42) من هذا القانون إذا عاد صاحب معاش شيخوخة أو عجز غير مهني طبقا الأحكام هذا القانون إلى ممارسة عمل مأجور خاضع لهذا القانون ويدر عليه أجرا فإنه يجمع بين ما يستحق له من معاش وأجره الفعلي من ذلك العمل، بشرط عدم تجاوز مجموعهما متوسط الأجر الذي حسب على أساسه المعاش، فإذا زاد المجموع عن ذلك خصمت الزيادة من المعاش طوال مدة حصوله عليها).

لكن المحكمة الدستورية ردت على هذا الأمر بأن العبارة المقضي بعدم دستوريتها الواردة بالمادة (136) بجلسة 30 نوفمبر 2011، ونصها: (إذا بلغت مدة التحاق صاحب معاش بالعمل المأجور المشار إليه سنة أو أكثر وانتهت خدمته . . . . . يسوى المعاش في الحالتين عن كامل المدة الأخيرة على أساس المادة (39) المشار إليها، ويضاف للمعاش السابق مع مراعاة عدم تجاوز مجموع المعاشين أو المعاشات حسب الحالة متوسط الأجر الذي حسب على أساسه المعاش الأول)، تختلف عن النص المطعون عليه بموجب هذه الإحالة، فالأول يقضي بعدم تجاوز مجموع المعاشين أو المعاشات متوسط الأجر السابق، أما نص العبارة - في الطعن الماثل - المطروحة على هذه المحكمة فيتضمن عدم تجاوز مجموع المعاش عن العمل السابق والأجر عن العمل الحالي، الأجر الذي حسب على أساسه هذا المعاش فإذا زاد خصمت الزيادة من المعاش، ومن ثم فإن ما أوردته المحكمة في أسباب حكمها لم يكن مطروحا عليها النص المطعون عليه في الدعوى الماثلة فلا حجيه لها في هذه الدعوى.

المساواة لا تنبذ التمييز

ونعى حكم الإحالة على عبارة النص المحالة للفصل في مدى دستوريتها، إخلالها بمبدأ المساواة؛ لتبنيها تمييزا تحكميا منهيا عنه بنص المادتين (4) و (18) من الدستور، ولانتقاصها من جوهر الحق في خدمات التأمين الاجتماعي وعدالة شروط العمل الذي كفله الدستور بمقتضى المادتين (5 فقرة ج) و(13 فقرة ب) وبالمخالفة للمادة (31) منه فضلا عن إهدارها لحق الملكية الخاصة التي أظلها الدستور بحمايته في المادة (9 فقرة ج) لضمان صونها من أي عدوان عليها، والتي تمتد لتشمل جميع أنواع الأموال، باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية، وذلك بمقولة أن العبارة سالفة الذكر قد ميزت بين العاملين المشتركين في التأمين الاجتماعي بصورة تحكمية رغم تماثل مراكزهم القانونية تمييزا لا يستند على أسس موضوعية، إذ اختصت فئة منهم وهي التي تقاعدت ولم تلتحق بعمل جديد بصرف معاشها التقاعدي كاملا دون خصم، وفئة أخرى وهي التي تقاعدت عن العمل الأول والتحقت بعمل جديد فقد طبق عليها قاعدة عدم تجاوز مجموع المعاش التقاعدي والأجر عن العمل الجديد متوسط الأجر الذي حسب على أساسه المعاش التقاعدي، وبأنه إذا زاد المجموع عن ذلك خصمت الزيادة من المعاش طوال مدة حصولهم عليها، ورأت محكمة الموضوع شبهة مخالفة النص الطعين للمادتين (4) و(18) من الدستور، فإن ذلك مردود، بأن المساواة في الحقوق بين المواطنين أمام القانون لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تباين في مراكزها القانونية، معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التميز جميعها ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، فمبدأ المساواة أمام القانون ليس مبدأ تلقينيًا جامدًا منافيًا للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلا لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء، مؤكدة على أن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيما تشريعيا ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها.

إنفاق صناديق المعاشات

 وحيث إن النص المطعون عليه لا يتضمن ثمة تمييزا بصورة تحكمية إذ إن المركز القانوني للموظف المتقاعد ولم يلتحق بعمل بعد تقاعده يختلف عن الموظف الذي التحق بعمل جديد، فالأول لم يعد مؤمنا عليه وإنما صاحب معاش فقط طبقا لقانون التأمينات الاجتماعية، أما الثاني فهو مازال مؤمنا عليه طبقا لذات القانون وتضم مدة خدمته الثانية للمدة الأولى ويتقاضى معاشا شهريا عند تقاعده يزيد على المعاش الأول، وبالتالي فإن عدم الجمع بين الراتب والمعاش إلا في حدود معينة لا يتضمن في حقيقته حرمانا للموظف من المعاش عن وظيفته السابقة، وإنما إرجاء الواقعة وتاريخ استحقاقه للمعاش لحين انتهاء خدمته في الوظيفة الجديدة المعيّن عليها ودون إهدار لمدة خدمته السابقة أو الجديدة أو إهدار لحقه في المعاش أو المرتب المقرر عن هذه المدة.

وأشارت إلى أن على عكس ما انتهى إليه حكم الإحالة من محكمة الموضوع، فإن عدم المساواة والتمييز التحكمي غير المبرر هو الجمع بين المعاش عن عمل سابق وأجر العمل الجديد، بلا ضوابط أو حدود، إذ إن ذلك يؤدي إلى نتيجة غير منطقية وغير مقبولة وهي أن الموظف الذي استمر في عمله سنوات طويلة ولم يتقاعد خلالها يتسلم مرتبه فقط، أما زميله الذي كان يعمل معه ثم تقاعد لعدة شهور حتى تمت تسوية معاشه التقاعدي ثم عاد إلى ممارسة العمل، وربما ذات العمل بذات الراتب السابق مع نفس زميله الذي لم يتقاعد، يجمع بين المعاش والمرتب عن العمل الذي عاد إليه، وهو ما يؤدي إلى إنفاق أموال صناديق المعاشات والتأمينات من دون وجه حق، وهي أموال خاصة بجميع المشتركين فيها من الموظفين والمستحقين عنهم، ويتعين على المشرع حمايتها والحفاظ على التوازن المالي الذي يسمح للهيئة العامة للتأمين الاجتماعي بالاضطلاع بدورها وبالبناء على ما تقدم فإن قالة مخالفة النص المطعون عليه المبدأ المساواة ، لا أساس لها، إذ أن ذلك من سلطة المشرع التقديرية طبقا لما نصت عليه المادة (119) من الدستور والذي استهدف منها تحقيق الصالح العام، ولأسباب موضوعية مبررة.

ظروف التضامن

وأفادت أن قضاء المحكمة الدستورية استقر على أن الدستور المعدّل أكد على أن الرعاية التأمينية ضرورة اجتماعية بقدر ما هي ضرورة اقتصادية، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها في مستقبل أيامهم عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهم بما يستصحب ذلك من تهيئة الظروف الأفضل التي تفي باحتياجات من تقررت لمصلحتهم الرعاية التأمينية وتكفل المقومات الأساسية التي يتحرر من خلالها أفراد المجتمع من العوز وينهضون من خلالها بمسؤولية حماية أسرهم والارتقاء بمعيشتهم، ومع ذلك فإن النظام القانوني للتأمينات الاجتماعية لا يقوم على اعتبارات حسابية كتلك التي تحكم نظام التأمين الخاص، ولكنه يقوم على اعتبار اجتماعي، مؤداه فكرة التضامن بين من تجمعهم ظروف متشابهة، فإن المتحمل لعبء التأمين لا يكون بالضرورة المستفيد منه، والتأمينات الاجتماعية تقوم على أساس أداء مقابل التأمين (الاشتراك) بصرف النظر عما إذا كان المؤمن عليه سيستفيد من التأمين بصفة شخصية أم لا.

النص لا يمس حق العمل

وانتهت إلى القول بأن النعي بانتقاص النص المطعون عليه من جوهر الحق في خدمات التأمين الاجتماعي منتفيا ويتعين رفضه؛ لأنه لا يتضمن مساسا بحق العمل، إذ لا يفرض ثمة قيد أو أي شرط على الموظف المتقاعد ويتقاضى أجره كاملا عن عمله الجديد بلا نقصان وإنما استحقاق المعاش السابق ومقداره هو الذي تحدده الأسباب الموضوعية المنطقية والمبررة والموظف تقاعد بإرادته من عمله السابق قبل بلوغه سن التقاعد المحددة في القانون.

وحيث إنه وبالبناء على ما تقدم، فإن النص المطعون عليه لا يخالف أحكام المواد (4)، (5 / ج)، (9 / ج)، (13)، (18)، (31) من الدستور أو أي نص آخر فيه؛ فلهذه الأسباب حكمت المحكمة برفض الدعوى.