كم منا يحتاج إلى لحظات صمت وهدوء لمراجعة الذات وسط صخب الحياة وازدحامها... هدوء يفصلنا عن محيطنا، يعطينا الفرصة لترتيب أولوياتنا ومراقبة ذاتنا وتقييم ما نحن عليه ومقارنته بما نريد أن نكون مستقبلا.
في عصرنا بات الأمر أشبه بالمستحيل وسط إيمان الأغلبية بأهمية التواصل والتعبير عن الذات عن طريق استهلاك مزيد من الكلمات التي تعبر عن بطولات خاصة أو نجاحات معينة أو إخفاقات كثيرة تُلقى أسبابُها على أعتاق الغير.
آخرون يؤمنون بضرورة استثمار الصمت في تنمية العقول وتدريب النفس على الانفصال عن المحيط والارتباط بالنفس وحدها دون غيرها، وهو الأمر الذي بات يدعو إليه مدربو الطاقة وممارسو اليوجا إيمانا منهم بالأثر الإيجابي الذي يعود على الروح إثر تلقيها تدريبات متواصلة على الصمت.
قديما قيل إن السكوت من ذهب، ومازلت أؤمن بهذه المقولة رغم أن تطبيقها بات صعبا مثلما أسلفت، لكنني أجد سحر الصمت متفوقا غالبا على كثرة الكلام.
ومضة: شركة ميكروسوفت عملت جاهدة على إنشاء أكثر غرفة صامتة تنعدم فيها معدلات الصوت في العالم، ولا أعلم إن كان هذا تعويضا مبطنا عما أحدثته هي وغيرها من الشركات من صخب واسع في عالم الإنسانية.
المفاجئ في الأمر أن أغلب من دخل الغرفة لم يتحمل الجلوس بها لمدة ثوان معدودة وكان أكبر رقم لتحمل الجلوس في تلك الغرفة الانعزالية ما فوق الأربعين دقيقة.
وعبر من خاض تجربة البقاء في هذه الغرفة عن شعوره بالإعياء والغثيان وأن البقاء فيها لمدة أطول قد يؤدي إلى اللوثة أو الجنون، وهو ببساطة تأكيد لما وصلنا إليه من رفض تام للجنح للصمت.