إن كان السعي وراء الشهرة والرغبة في العودة للأضواء بعد انحسارها من أهم الأسباب التي تدفع البعض للإساءة لمن نعتبرهم رموزًا في الدين والتاريخ والعلوم والفنون وغيرها، فإن إفساح المجال أمام هؤلاء للظهور وحجز مساحات أمام شاشات التلفاز وعلى صفحات الجرائد أمر غير مقبول ومثير للتساؤلات .
القائمون على الوسائل الإعلامية يبررون ذلك بحرية الإعلام، ويؤكدون أن لا أحد فوق النقد، وهو أمر صحيح لا جدال فيه، لكننا كنا نتمنى أن يكون ذلك مبدأ عامًا مطبقًا في كل حالات الرأي والنقد، لا أن نعتمده ونتشدق به عندما يتعلق الأمر بالدين مثلا، ونتركه ونمقته بالمرة حينما يكون الحديث سياسيًا أو اقتصاديًا، أي عن قرار سياسي اتخذ أو توجه اقتصادي قائم، حيث لا يسمح بالرأي الآخر مطلقًا بزعم أن الضرورة والمصلحة العامة تقتضي توحدًا ولا تسمح بأي اختلاف أو تباين، رغم أنه قد يولد أفكارا جديدة وقد ينتج ما هو أكثر نفعا.
إن الإساءة لمن استطاعوا أن يكونوا رموزا ومؤثرين في حياتنا - خصوصا في النواحي الروحية - أمر خطير وينذر بتمييع القيم والمفاهيم وتضييع الثوابت، خصوصا أنه يتخذ شكلاً حادًا وعنيفًا في الإساءة للرموز ولا يحترم أدنى قواعد الاختلاف في الرأي ولا يحمل أي احترام للشخصية المختلف حولها وكأن المقصود من ذلك نسف اسم وتاريخ هذه الرموز التي يحبها الناس ويشهدون لها ويقرون بفضلها، أو نسف القيم والمبادئ التي تقترن بها في رسالة هدامة وموجهة مفادها: “احذروا من هذه الشخصيات المثالية أو التي تعتبرونها رموزًا وتحاولون تربية أبنائكم على المبادئ والقيم التي أفنوا حياتهم من أجلها، ففي هذه الرموز سم قاتل وتزييف واضح، فابحثوا عن غيرها”.
لا مشكلة في النقد إلا أن نقصره على فئة دون أخرى أو نقره في مجال ونرفضه في آخر، ومرحبا بهذا النقد إن كان قائمًا على الاحترام وعلى آداب الحوار وقواعد الاختلاف، وأهلا بهذا النقد إن كان بهدف كشف الحقائق بالمنطق والحجة والدليل، وليس لمجرد الإساءة للرموز وتضييع القيم التي نربي عليها أبناءنا ونحاول نشرها في مجتمعنا.