العدد 3250
الخميس 07 سبتمبر 2017
banner
كل عام وأنتم مسلمون!
الخميس 07 سبتمبر 2017

قد تكون هذه إحدى علامات الساعة التي لم يعلن عن اكتشافها بعد وأنت تستشرف كمية الحزن والوجوم التي تحاصر معظم وجوه المسلمين - الذين يمثلون بالمناسبة 24 % من سكان المعمورة -وهم يحتفلون بعيد الأضحى.

مرّ العيد على بعض دولنا العربية والإسلامية كضيف شرف كبير ثقيل وجب استقباله وإظهار بشاشتنا له و”توديمه” بما اشتهت نفسه من طعام ولو كان ذلك على حساب ظهورنا المعوجة من طحن الفقر والعوز.

لا أحاول أن أبدو سوداويا في الطرح أو أكون مبتدعا في الأفكار، ولكن حجم المأساة التي تفتت أجسادنا هي أكبر من أن يحتملها بشر خُلق من ماء وطين، فلا بشاعة الدماء التي تسيل من هنا وهناك، ولا فقد الأحبة التي كانت ثمنا باهظا للارتماء في مستنقع السياسة القذرة، قد أوصلنا لذروة النشوة في مناسبة دينية كبيرة مثل عيد الأضحى.

قدرنا أن يمرنا “اللاعيد” ونحن نصافح بعضنا مكرهين ونقبّل بعضنا، مصطنعين ابتسامة صفراء نحاول من خلالها التمويه على واقعنا المرير المغلف بالتعاسة وسط الرعيد المتواصل من شرور الدنيا وزفراتها الملحة في تعذيب الأبرياء.

وبعد كل ذلك يسألني أحد الأصدقاء المسيحيين المتدينين “كيف قضيت العيد؟”. المسكين يحسب أن عيدنا واحد، وما يدري أننا انقسمنا على أنفسنا فرقا في تحديد عيدنا “الأكبر”، وهي وجبة ثابتة “بائتة” أجبرنا على استساغتها على مضض منذ أبد الآبدين.

حتى الحجاج أنفسهم نغصنا عليهم فرحتهم بإنهاء مناسكهم بجوار بالبيت العتيق، وهم يعودون لديارهم؛ ليستنشقوا مجددا ما ألفوه من ضيم وضياغ وكل ما ألفته قواميسهم من مفردات السقم والمرض، بعد نزهة مؤقتة في ضيافة الكعبة المملوءة ممراتها وجنباتها بالمسك والنقاء.

فأي عيد يا صديقي والأمة تعيش تحت رحمة التنفس الاصطناعي، أتلاقيها أنت من رائحة الدم المستنشقة في بلداننا العربية أم في التحارب على اقتسام الأهلة من قبل البعض؟

لو كان الأمر بيدي، لجعلت بيوت المسلمين تتسع حول الكعبة؛ لكيلا نستيقظ من حلم النقاء والطهارة التي يتحلى بها الحجاج وهم يرون هيبة بيت الله الحرام، فتشتاق أرواحهم لفعل الخير دائما والتحلي بصفات البشر أولا وأخيرا.

ولكن هذا الحلم المستحيل يصطدم بالواقع القبيح، وعليه قد تكون مناسبة العيد في مثل هذه الظروف فرصة مؤاتية لاقتسام الحزن و”الولولة” بكل قوة همًا وكدرا على استباحتنا لبعضنا والتنمر ضد الآخر باسم الدين، فكل عام وأنتم مسلمون.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .