+A
A-

البحرين.. جنسيات تتوارث وتحتكر قطاعات الأعمال

تتقاسم الجاليات في البحرين قطاعات الأعمال بشكل لافت، حيث تجد جنسيات تستحوذ على حرفة أو صناعة معينة باتت مع مرور الزمن ومن دون عقد “تسجيل” حكرا عليها.

ويرى البعض أن “التقسيمة” جاءت من دون تخطيط، فالسوق ومجريات العمل هما من أفرزها يضاف إلى ذلك مهارة العمالة، فيما تدخل القوة البدنية والشكل والتحمل كلاعب رئيس فيها، فضلا عن استقطاب بعضهم لبعض، بحيث يحضر الشخص ابنه أو قريبه وهكذا.

ووصل عدد سكان البحرين في نهاية العام الماضي نحو 1423726 نسمة، منهم 665 ألف بحرينيون، و759019 غير بحرينيين.

 

تجارة السجاد بيد اليمنيين

وقال علي عبدالرزاق، وهو يمني يمتلك 4 محلات لبيع السجاد الصناعي واليدوي، إنه بدأ العمل بهذه المهنة منذ سبعينيات القرن الماضي بعد أن ورثها عن والده، الذي كان بائعا متجولا يجوب البيوت في أحياء البحرين القديمة، لبيع السجاد مباشرة إلى الناس، ثم تطور العمل وافتتح أول محلاته عقب سنتين من قدومه إلى المملكة.

وبين عبدالرزاق أن “محلاته مقسمة إلى نوعين، منها ما يضم سجادا بصناعة يدوية تجلب من إيران وأفغانستان وباكستان والهند، ومنها الذي يعرض السجاد الصناعي، الذي تنتجه الآلات”.

وتابع “قبل السبعينيات لم تكن تجارة السجاد رائجة في البحرين بهذا المستوى، فلم يكن في السوق وقتها سوى محل واحد أو اثنين على الأكثر، يمتلكهما تاجر إيراني، على عكس الآن حيث تنتشر مئات المحلات في أسواق المملكة، 95 % منها للتجار اليمنيين”.

وقال عبدالرزاق إنه بدأ العمل مع والده هو وإخوته الأربعة، الذين استقلوا كل على حده بعد ذلك، (...) يمتلك بعضنا محلين أو ثلاثة”.

وأشار إلى أن “اليمنيين يسيطرون على تجارة السجاد في البحرين، حيث لا يوجد غيرهم في السوق، على مستوى الاستيراد والتوزيع (التجارة الكبيرة) سوى واحد أو اثنين من باكستان وإيران، (...) تجد هنا أو هناك تجارا بحرينيين لكنهم مازالوا في بداية الطريق”.

وأوضح أن “الطلب على السجاد لا يتوقف خصوصا اليدوي، وكذلك الحال بالنسبة لسجاد الآلات، فلكل نوع زبائنه”.

وأضاف عبدالرزاق أن “الأسعار ارتفعت في الأعوام القليلة الماضية بنسب تراوحت بين 40 % و60 %، خصوصا على السجاد اليدوي، رابطا ذلك بصعودها في بلاد المنشأ، من جراء زيادة كلفة المواد الخام والعمالة التي أصبحت شحيحة”.

لكنه عاد ليؤكد أن “البضائع الموجودة الآن في مخازنه باتت أرخص من تلك الموجودة في بلاد المنشأ، لا سيما في إيران كونها لديه منذ مدة وتم شراؤها بالأسعار السابقة”.

وأوضح أن تعاملا يتم بينه وبين بعض التجار في دول الخليج العربي خصوصا في دبي وهم من الجنسية اليمنية أيضا، إذا ما احتاج إلى بعض القطع ذات المواصفات والألوان الخاصة.

وقال إن “أولاده يعملون معه الآن في المهنة نفسها، وكذلك الأمر بالنسبة لأولاد إخوته”.

وتتراوح أسعار السجاد اليدوي بحسب عبدالرزاق 300 دينار إلى 100 ألف دينار، مؤكدا أنه باع بعض القطع بأسعار أعلى من ذلك بكثير، لكنها قطع تأتي بحسب الطلب.

 

لكل حرفة جنسية

من جهته، قال رجل الأعمال سيد حسن محمود: “السوق قسمت نفسها بنفسها، حيث أصبح لكل جنسية حرفتها المتخصصة بها، مع بعض الاستثناءات، وهي حالة تتكرر في معظم الاسواق التي تستورد العمالة، وعادة ما تتشكل دون ترتيب”.

وأوضح أن “الهنود على سبيل المثال يسيطرون على قطاع والإنشاءات والمقاولات وعلى الأعمال التي تنفذ تحت الشمس – بحسب تعبيره – فهم يتحملون طبيعة الطقس الخليجي الحار، فضلا عن أن معظم المقاولين البحرينيين بدأوا يجيدون اللغة الهندية أو الأوردية، بما يجعلهم يفضلون هذه الجالية عن غيرها”.

ويوجد في البحرين نحو 290 ألف نسمة من الجالية الهندية 200 ألف منهم تقريبا يعملون في قطاعات المقاولات المختلفة.

وأضاف محمود وهو يعمل في القطاع العقاري والديكور “نجد أن التايلندين و اللبنانيين يسيطرون على قطاع الديكور الداخلي، فهم مهرة به”، مرجعا ذلك الى كونهم لا سيما التايلنديين ينتجون صناعات شبيهة وذات علاقة بالديكور”.

 

البحرين لا تعتمد الكوتا

ولا تتعامل البحرين بنظام الكوتا في استقدام العمالة، حيث تبقى المسألة لخيار أصحاب الأعمال، الذين يفاضلون بين المتوافر بحسب طبيعة الأعمال و الكفاءة والخبرة.

إلى ذلك، قال المصرفي حمد عجيمي إن “البحرينيين يفضلون العمل بالحكومة، وإذا ما اضطروا العمل بالقطاع الخاص فإنهم يتوجهون إلى القطاع المالي كونه واعدا وينمو بشكل سريع، إذ تجاوزت نسبته الـ20 % سنويا، فضلا عن توفيره حوافز ورواتب مجزية ترضي الشباب الطموح”.

ويساهم القطاع المالي بنحو 16 % من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة، التي تضم أكثر من 406 مؤسسات مالية مختلفة.

ويضم القطاع المالي البحريني بحسب العجيمي نحو 10 الآف موظف 70 % منهم بحرينيون.

وكانت البحرين استقطبت العديد من المؤسسات المالية وسنت تشريعات مرنة ناظمة لها في سبعينيات القرن الماضي، كما يسجل لها أنها أول دولة ترخص لمؤسسات مالية إسلامية على المستوى العالمي.

يضاف الى ذلك، كما يقول العجيمي، التوجه الحكومي نحو تدريب الكوادر وتأهيل البحرينيين ليكونوا قادرين على العمل في هذا القطاع، من خلال مبادرات تتبناها العديد من المؤسسات يأتي على رأسها مصرف البحرين المركزي وصندوق العمل (تمكين).

 

الهنود للمقاولات والتايلنديون للديكور والفلبينيون للتجزئة

من جهته قال الباحث الاقتصادي محمد الخطيب إن “تنوع المهارات والأنشطة بين العمالة الوافدة، يعتبر مكونا أساسيا وجزءا من الاقتصاد البحريني، إذ تحتاج القطاعات النامية إلى من يديرها”.

وأضاف “نجد أن التخصصات ذات المتطلبات العضلية تتركز في جنسيات شبه القارة الهندية خصوصا الإنشاءات والمقاولات، في حين يسيطر التايلنديون على الديكور، والفلبينيون على أعمال التجزئة، والمصريون والأثيوبيون لا سيما العنصر النسائي - ولو نسبيا - على قطاع المطاعم والمقاهي الشعبية”.

كما يعمل البنغال بالأعمال المتدنية نسبيا كالتنظيف والسياقة.

من جانبة، أيد التاجر ابراهيم خليل ما جاء به الخطيب في استحواذ بعض الجنسيات على قطاعات بعينها، مضيفا أن “الجنسيات تتوزع بشكل تلقائي وغير مخطط له على الأعمال بحسب مهارتها وخلفيتها العملية، واستقطابها لأبناء جلدتها وإدخالهم المجال”.

وتابع “نلاحظ مثلا أن قطاع تجارة السجاد فيه نوع من الحرفية، وهي صناعة بدأها الإيرانيون بحكم اقترابهم من دول المنشأ ومصادر البضائع، ثم جاء اليمنيون ودخلوا المهنة وسيطروا عليها من خلال مثابرتهم ونشاطهم ومعرفتهم بالتجارة”.

 

سياسية الاقتصاد الحر

وأكد خليل أن “البحرين تعتمد سياسة الاقتصاد الحر، وبالتالي لا تفرض كوتا على الجنسيات كما في بعض الدول الخليجية”، مشيرا إلى أن “تحديد نسبة معينة من كل جنسية لا يتماشى مع الانفتاح الاقتصادي وجذب الاستثمارات، فضلا عن أنه يعطل استقطاب الخبرات والمهارات، وبالتالي يضر بالإنتاجية”.

وأشار إلى أن “التجار وأصحاب الأعمال يلعبون دورا في ذلك، إذ يفضلون جنسيات دون غيرها في بعض المهن، فعلى سبيل المثال تعمل الجالية الفلبينية لا سيما العنصر النسائي في قطاع بيع الملابس، وهي مهنة تحتاج الى الكياسة في التعامل والقدرة على التواصل مع المستهلكين، وهو ما يتوافر في هذه الجنسية”.

وأكد خليل أن “القوانين البحرينية تفتح المجال أمام الأيدي العاملة وتعطي الخيار لصاحب العمل، لكنها تطبق برامج لتأهيل وتدريب البحرينيين ليتم إحلالهم محل العمالة الوافدة، دون التأثير على المشروعات”.

وعما إذا كانت هناك إحصاءات دقيقة عن عدد كل جالية في البحرين، يقول المسؤولون في غرفة صناعة وتجارة البحرين إن “الاحصاءات المتوافرة في الغرفة تعتمد على تلك التي توفرها هيئة تنظيم سوق العمل، وهي للأسف غير دقيقة وغير تفصيلية، إذ تكتفي بحصر العدد الإجمالي”، مشيرين إلى “أهمية وجود قاعدة بيانات واضحة ومتكاملة لوضع خطة لمعالجة المشكلات والخلل في سوق العمل”.

 

وللطوائف نصيب في المهن

من جهته، يقول عزيز رضي وهو صاحب ورشة لتصليح أجهزة التبريد (التكييف) إنه يعتمد في ورشته على الهنود من الطائفة الهندوسية للعمل لدية، (...) فهم مهرة بهذه الصناعة، ويتوارثونها عن بعضهم البعض.

وأكد انه “لا يعلم سبب توجه هذه الجالية الى تلك الصناعة بالذات، لكنهم يحظون بثقة الزبائن”.

وفي جولة لـ”البلاد” في بعض المناطق الصناعية في البحرين، لاحظت ان أكثر من  90 % من ورشات تصليح أجهزة التبريد يديرها أبناء الطائفة الهندوسية.

إلى ذلك، قال صاحب مؤسسة الزهراء للديكور الداخلي والجبص سعيد جعفر إن “المهندسين اللبنانيين، والعمالة التايلندية الأفضل والأكفأ في مجال الديكور الداخلي”.

وأضاف جعفر الذي بدا يتحدث بصفته خبيرا: “أعمل في المجال منذ 17 عاما، واستخدمت الكثير من العمالة ومن جنسيات متعددة، واستقر بي الأمر أخيرا على هذه الجاليات، (...) لديهم مهنية عالية وذوق في التصاميم”.