العدد 3178
الثلاثاء 27 يونيو 2017
banner
ما الذي يحصل ونحن خير أمة؟
الثلاثاء 27 يونيو 2017

لا أعلم لماذا تلوثت المجتمعات العربية والإسلامية بالإرهاب ونحن خير أمة، أليس شيئا غريبا أن يحدث هذا ونحن كالجسد الواحد؟ ربما الخلل فينا نحن، في مجتمعاتنا، وفي طرق تربيتنا، وهناك عوامل أخرى ساعدت على انحراف البوصلة أبشعها الفتنة والطائفية التي كادت تحرق دولا بأكملها لولا لطف الله واكتشاف الناس الحقيقة عند آخر رمق.

لقد دخلت حلاقا في دبي، وإذا بي أشاهد خليطا من الهنود، يجلسون مع بعضهم ويضحكون ويتسامرون، كان فيهم الهندوسي والمسلم والمسيحي والبوذي، شكلهم كان يوحي بأنهم إخوة بالفعل، ولعل الشعب الهندي في تصوري اكتسب هذه العادات الجميلة من المعلم الخالد “غاندي” الذي يقال إنه أنشأ معاهد خاصة في الهند مهمتها تدريب العاملين على «علوم عدم العنف»، كان الهندوس والمسلمون والسيخ والمسيحيون واليهود، يعيشون فيها ويؤدون عباداتهم في أخوة كاملة، بل كان كل دين من هذه الأديان ممثلا في المعهد، وفي كل صباح ومساء تبدأ الصلاة بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، ومن البهاجافاد جيتا “تعاليم الهندوس”، ومن جرانتا صاحب “كتاب السيخ الديني”، ومن الإنجيل، ومن كتب البوذيين، كما ترتل الترانيم الدينية... وهكذا كان المعهد رمزا مصغرا للوحدة التي كان ينشدها غاندي وأسلوبا من أساليب التدريب التي كان يريد تلقينها لكل فرد وهو يعده لممارسة العمل المنزه عن العنف.

كان غاندي في جميع حركات عدم العنف التي تولاها يحرص على أن يبلغ خصمه طلباته بوضوح كامل ودقة شاملة، فلا يلجأ إلى حملة من حملاته إلا بعد أن يكون قد استنفد جميع الوسائل الأخرى، من مناقشات إلى أحاديث، إلى التماسات، إلى إجراءات قانونية، إلى وساطة... فكان في كل حملة من هذه الحملات يبدأ بالكتابة إلى الخصم أيا كان راجيا العدول عن العمل أو الأمر الذي يثير الاعتراض، ثم يعمد للكتابة في أعمدة الصحف وغيرها ثم خلق جو مناسب بين العامة يساعد على بدء حملته، كما كان يحرص دائما على أن يكون هذا الجو نقيا لا ينطوي على أية كراهية أو غضب أو شعور بالاستعلاء على الخصم كائنا من كان.

غاندي كان يؤمن بما في النفس الإنسانية من طيبة كامنة ومن ثم كان يهدف في جميع الظروف إلى استثارة الخير الكامن في نفس خصمه، أما حين يعرض الخصم رغبته في أن يقابله في منتصف الطريق، فإن من واجب أتباعه - أي أتباع غاندي الملقبون بالساتياجراهي - أن يحفظوا عليه كرامته وأن ينقذوا ماء وجهه بأن يوافقوه على رغبته دون التنازل عن موقفهم الأصلي!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .