+A
A-

ما قصة “هريستهم مب مضروبة عدل”؟

لا يعلم أحد إلى أي حقبة زمنية يعود تاريخ الهريس الذي يعتبره البحرينيون وجبة ثمينة، وراقية، ولم يكن يصنع قديما إلا في شهر رمضان، والعيدين وفي “صباحية” العروسين، وبالتأكيد لدى الأغنياء طوال أيام العرس التي تمتد إلى السبعة أو الثلاثة أيام عند متوسطي الحال، ولكن ما هي قصة الهريس؟ ومن اين يأتي “غلاه”؟

كان للهريس صيت تشتهي النفس ذكره بين المجتمعين، ولأن الناس في قديم الزمان لم يكونوا في الغالب من الأغنياء، إلا قلة قليلة منهم، فإن طبخ الهريس كان يقتصر على الأغنياء في معظم المناسبات، وعندما يفعلون ذلك فإنهم في العادة يبعثون بأطباق الهريس إلى كل من حولهم من الجيران سواء كانوا على علاقة بهم أم لم تكن هناك علاقة، فالناس قديما كانوا يعرفون بعضهم بالاسم وإن لم تكن هناك صداقة أو علاقة جيرة بينهم.

- في كل حارة أو منطقة من مناطق الخليج العربي هناك أناس يعرفون بين البقية بأنهم “خبراء هريس” من حيث الإتقان. وفي البحرين تحديدا عرف الناس سيدة كانت تتشارك هي واختها “رحمها الله” في صنع الهريس، إذ كانتا مشهورتين بخروج “قدر” طنجرة هريس لذيذ من بين أيديهما، وعندما توفيت إحداهما بقيت الوالدة خديجة خميس على نفس الدرب وفاءً لأختها، وطلبا للأجر والثواب من الله، فمهمتها أن تنفق جزءا من مالها لصنع الهريس وتوزيعه في حب الله على جيرانها الفقراء وأطفالهم، فهي تعرف أنهم ينتظرون ذلك الهريس الطيب، وهم ينتظرون ذلك العطاء الذي لم يتوقف. 

- لا يوجد بلد خليجي لا يعرف الهريس، فهذه الوجبة هي سيدة الموائد في رمضان في كل دول مجلس التعاون، وهو يطبخ أيضا للنذور، فإن أراد شخص أن ينذر نذرا، فإن الشخص، سيدة كانت أم رجلا في الغالب يقول “سوف نطبخ جدر هريس” والجدر هو القدر... وطبعا ليس أي قدر. - جدر الهريس يكون عملاقا كي يكفي كل الجيران، واليوم طبخ قدر من الهريس لا يكلف الكثير بفضل من الله ونعمته على أهل الخليج، ولكن قديما كان طبخ قدر صغير للعائلة يعتبر غاليا رغم إن الأهالي في بعض القرى كانوا يزرعون القمح بأنفسهم ويدقونه ثم يطحنونه.

- وعندنا في البحرين يضيفون القرفة، والبعض يضيف السكر، وهي مسألة ذوق. ولكن نحن جميعا متفقون على المناسبات التي يقدم فيها الهريس، وعلى طريقة الصنع الرئيسية، وأهم ما في ذلك الاتفاق أن الهريس يطبخ على الأقل مرة في الأسبوع في شهر رمضان لدى العائلات التي ليس لديها من يقوم بضرب الهريس، لأن حبات القمح لابد أن تختفي ولا تترك ظاهرة للعيان. فلابد للطبق الذي يصل للناس الذين نرسل اليهم، أو للضيوف الذين يأتون لتناول القهوة ان يكون متجانساً وإلاّ سوف يقولون “هريستهم مب مضروبة عدل”. 

لقد تم اختراع ماكينة ضخمة تشبه تلك التي يحفرون بها الشوارع يدويا لضرب الهريس حتى يصبح متشابكا هو واللحم فيعطي منظرا لطيفا مثل عجينة رخوة غير سائلة، ولكن سبحان الله يكون مذاق الهريس الذي يضرب بـ(مضراب) خشب ألذ وأشهى، ويصنع ذلك المضراب خصيصا فقط للهريس!