أكثر ما يشدني من الإخوة النواب الكلمة التي تتخذ الطابع الأسطوري (استجواب)، فهذه الكلمة ازدهرت وأصبحت تاريخا وتحولت إلى شعار معروف بالغ الإعجاز يدعو إلى التعجب والحيرة، فكلما أقرأ كلمة “استجواب” أقول.. خلاص.. وضعوا الحرف في محله الملائم وهناك حتما معالجة للمواضيع ولكن نكتشف بعد ذلك أن “الاستجواب” يتأرجح جيئة وذهابا ثم يموت بصمت، يأتي بشكل مباغت كالعاصفة ويتحول بعد ذلك إلى هبات نسيم، وآخر أنشطة الاستجواب التي طالعنا بها السادة النواب الخبر التالي (أعلنت لجنة التحقيق البرلمانية في صناديق التقاعد أنها تتّجه لاستجواب الوزير المعني بهيئة التأمين الاجتماعي، وهو وزير المالية، اللجنة اتخذت قرارًا بأن لا تتجاوز الفترة القانونية لعملها وهي أربعة أشهر، وأن تقاعس الهيئة عن الرد على أسئلتها تجاوز الفترة المحددة وقررت اللجنة تأجيل لقائها بالهيئة أسبوعًا آخر لتتسلم الردود على خطاباتها).
اذكروا لي خطوة جبارة قام بها مجلس النواب الحالي أو نجاحا كاملا لأية قضية أو عملية استجواب؟ أعطونا دليلا واحدا على نجاح المهام والأدوار واستجواب الوزراء كل حسب اختصاصه؟ ليس ممكنا ولا معقولا أن يكون كل شيء مجرد حبر على ورق واجتماعات ونشرات إعلامية تعد بدون إتقان وتهديدات واستعراض عضلات تستخدم بالدرجة الأولى في مختلف المواقف التي يتبناها النواب. على المستوى العملي ونقولها صراحة من القلب... لم يستفد المواطن منكم أي شيء طوال الفترة الماضية ولا حاجة أبدا إلى استجواب وزير المالية أو غيره لأنه عمل مفرط بالنشاط وسيأخذ وقتكم كل صباح ومساء والعين دائما تدرك الحقيقة!
كنا نريد منكم أن تكونوا النصير المنقذ من الشدائد لتتقنوا أي لغة تخاطبون بها السلطة التنفيذية «على ضوء اتساع ثقافتكم البرلمانية»، ولكن بقيتم في معزل عن المواطن الذي أصبح لا يقرأ حتى أخباركم، وكثيرون اعتبروكم غير موجودين أصلا ولا تنفعون للمهمة الموكلة، فالاستجواب الذي تعدونه نصرا في ميدان المعركة مع السلطة التنفيذية ما هو إلا سلسلة أفلام دعائية اعتاد عليها المواطن وما ينقص فقط هو عرضها على أهم وأكبر الفضائيات. اسخلصنا كل الدروس والعبر والمواطن اليوم أكثر ثقافة ووعيا من السابق، ولا يمكن استغلاله وخداعه بأي شكل من الأشكال.