+A
A-

قراءة في لوحة الشيخ راشد آل خليفة

كل الأعمال التي قدمها لنا معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية الـ 43 بأساليبها وأشكالها اعتبرها شخصيا مسرحا هائلا من الإبداع وترجمة حقيقية لما وصلت إليه الحركة التشكيلية في البحرين من تميز وبهاء عظيم، ولكنني توقفت كثيرا عند زيارتي للمعرض يوم الافتتاح أمام أعمال ثلاثة فنانين دون غيرهم وهم الشيخ راشد آل خليفة ونبيلة الخير ولولوة آل خليفة. فهناك مقولة قديمة عن التشكيل تقول "إن الفنان يلون الأشياء بدمه"، ومقولة أخرى تقول "إن تعبير الفنان عن نفسه هو في نفس الوقت تعبير عن ارتباطاته التي لا تنفصم مع الأرض والناس".

"الشيخ راشد آل خليفة.. ريشة عبقري"

الشيخ راشد آل خليفة حلّق بنا عاليا بلوحته الجميلة "العودة للوطن" وهي عبارة عن فارس على صهوة حصان يلتف من حوله الناس، وعندما تحدق في تعرجات اللوحة مثلما تحدق في عين الشمس سترى أن هناك لغة مباشرة بين الجمع دون حاجة الى ترجمة، حرارة متوقدة من الحوار بضربات ريشة عبقري ينقل ما يود قوله دون لبس أو رمز او غموض، منطق خاص وفكر عميق ورمز دقيق في هذه اللوحة المشحونة بمعاني الوطن حاضره وماضيه، مقاطع اللوحة تفيض بحب الوطن والعراقة والتاريخ، حالة فريدة شديدة الحساسية بالأرض والصحراء وجذورنا وأصلنا بل ومكانتنا بين الأمم.

"نبيلة الخير.. انتفاضة من الحب والمشاعر"

نبيلة الخير بلوحاتها الثلاث "بدون عنوان" قدمت لنا رحلة بالألوان عن المرأة وكل ما يختزن في أعماقها من معاناة ودموع الغربة عن العالم، وتشعر أن الفنانة نبيلة -هكذا شعرت حينما شاهدت اللوحات- إنها تفرغ إبداعها في اللوحة بصورة شعورية أو لا شعورية بقصد إيقاظ المتلقي على أصوات أنين وروائح عطور تثير الفرح والحب والحياة، كل لوحة بها خيوط بعيدة وقريبة، انتفاضة من الحب والمشاعر ولحظات سحرية.

"لولوة آل خليفة.. والخيال الطليق".

لولوة آل خليفة كما قالت عن نفسها: "أنا فنانة لم أدرس الفن في الجامعة، بل تخرجت ببكالوريوس في الأدب الانجليزي من جامعة بوستن العام 1995 لكنني لطالما عشقت الفن وأحببت الإبداع علمت نفسي الإبداع والرسم من خلال التجارب والمحاولات العديدة".

ما قالته الفنانة لولوة آل خليفة عن نفسها يذكرني بمقولة لرائد الفلسفة الوجودية جان بول سارتر وهي "الفن إبداع، والإبداع لا يتصل إلا بالشعور الخاص والخيال الطليق".

في لوحاتها الثلاث "انفصال" أجلستنا الفنانة على أجنحة غير مرئية لنكتشف المصباح الذي سينير اللوحة وجماليتها، وقفت طويلا أمام لوحاتها وشعرت بأنني أعانق العالم والطبيعة، ثم تجاوزت ذلك الشعور وقلت إنني أمام مسرح من الأفكار والمعاني ولكنها مبهمة وغريبة، قد تكون السعادة وقد تكون رؤية جانب واحد من السماء، وقد تكون جاذبية أو ربما ألحان جميلة ضائعة في زحمة الفوضى، حقيقة وجدت نفسي مسافرا بعيدا في لوحات الفنانة لولوة آل خليفة وكأني بها تريد أن تعلمنا لغة غير معروفة شكلا ومضمونا أو الاستيلاء على الحقيقة كما يقول الكاتب الفرنسي ستندال.

تلك كانت ملاحظات عامة من متذوق للفن وليس بناقد، لوحات فنية استوقفتني في ريفها الخصب وجعلتني أتجول كما أتجول على أي بقعة جميلة سيرًا على الأقدام.