رابعا: حرية الإنسان تعني بصورة منطقية تحليه بالقدرة على اتخاذ القرار بعيدا عن منغصات هذه القدرة وتعني حقه في المشاركة مع الآخر في اتخاذ القرار، وهو القرار الذي من المفترض أن يعمق حريته ويسهل عليه أمور حياته اليومية لا العكس، ويساهم في نشر وتعميق المبادئ الإنسانية السامية كالعدل والمساواة، إلا أن هذه الحرية والقدرة على اتخاذ القرار تصطدم في الكثير من المجتمعات بالقوة، أيا كان نوع تلك القوة، سواء كانت القوة البشرية المادية أو القوة المالية أو حتى قوة القانون حين لا يكون القانون في خدمة الإنسان وهذا يحدث في الدول والأنظمة الديكتاتورية، بل أحيانا يتم انتهاك الحرية بالحرية ذاتها حين تستخدم حرية إنسان لانتهاك حرية إنسان آخر. نرى كيف كانت القوة البشرية عائقا للحرية سواء على المستوى الفردي أو مستوى الدول في التاريخ القديم وحتى القريب، حينها كانت القوة المادية للفرد أو الدولة المعيار الذي على أساسه يتم رسم المجتمعات، ولم يكن للقانون دور في تحديد العلاقة المتبادلة بين المجتمعات القديمة أو الدول الحديثة، فقد قامت دول وانتهت دول أخرى بسبب القوة المادية دون اعتبار للإنسان على هذه الأرض كما هو الحال في دولة الأحواز العربية المحتلة من قبل فارس أو فلسطين العربية الواقعة تحت الاحتلال الصهيوني، فذابت الدول الضعيفة وتوسعت الدول التي تملك القوة وتغيرت الحدود حتى استقرت على ما نراه اليوم، وربما لم تستقر حتى الآن وهي في طريقها للتغير، والسبب في ذلك القوة المادية المتوفرة في جهات والمنعدمة أو الضئيلة في جهات أخرى، والأمثلة على ذلك كثيرة وربما يكون ما حدث في الحرب العالمية الثانية يجسد دور القوة المادية في انتهاك الحرية عندما اجتاحت القوة الألمانية الدول المجاورة لها واحتلت فرنسا والنمسا وهددت بريطانيا ووصلت إلى روسيا، أو الدول الاستعمارية في القرون الماضية التي احتلت دولا بعيدة عنها واستولت على مقدراتها، بل حاولت طمس هوية الكثير منها، وربما يكون أوضح مثال على هذا القول ما حدث لفلسطين ويحدث فيها وكيف تحاول القوة المادية المتمثلة في الصهيونية العالمية ومعها الغرب الداعم لها تغيير معالم الحدود بين الدول وكيف توسعت الدولة الصهيونية على حساب الوطن العربي بسبب القوة المادية، وكيف تنتهك حرية الشعب الفلسطيني حتى اليوم وفي كل يوم أو ساعة بسبب القوة المادية، ولا يستطيع القانون توفير الحماية لهذا الشعب أو إعادة حقوقه المنتهكة، بالتالي فإن هذا يعني أن القانون أو حرية الإنسان والمجتمع انتهكت كثيرا على مر التاريخ عن طريق القوة المادية.