العدد 2960
الإثنين 21 نوفمبر 2016
banner
خاسر من يهرول عبثاً
الإثنين 21 نوفمبر 2016

من أكثر ما أحاول تجنبه مقارنة العرب بالإسرائيليين، أو مقارنة المسلمين باليهود. فإلى جانب ابتذال هذه المقارنات والمقاربات، في عدد الأبحاث المجراة في كل الدول العربية و”إسرائيل”، وعدد من نالوا جوائز نوبل من العرب والإسرائيليين، وعدد من فاز بالجائزة نفسها من كل المسلمين البالغ تعدادهم 1.62 مليار نسمة مقارنة باليهود الذين هم في أحسن الأحوال 15.4 مليون نسمة، وعدد براءات الاختراعات الإسرائيلية وحدها في عام مقارنة مع عدد براءات الاختراعات العربية جميعها في عشرة أعوام، والتعليم هنا وهناك، والأمية هنا وهناك، والبطالة هنا وهناك، والطب هنا وهناك... والقائمة تطول. فإلى جانب كون هذه النغمة في الغالب نغمة تشاؤم وبكائيات ونحيب وعويل لجراح لا يُرجى برؤها كما يبدو؛ فإن هذه المقارنات لا تعمل إلا على من حقن الجسد العربي بالمزيد من الإحباطات والشعور ببعد الهوّة بينه وبين عدوّه الإسرائيلي (طبعاً)، حتى ييأس من المضي في السباق، وينزل المعركة وهو يائس بائس، ينتظر من عدوه الإجهاز عليه، لأنه منهزم نفسياً وعقائدياً قبل بدء المعركة نفسها.

ولكن (آهِ من “ولكن” هذه)، نقلت إلينا إذاعة بي بي سي خبراً في صباح السبت الماضي يقول إن اثنين من اليهود البارزين في الولايات المتحدة، وأحدهما حاخام، قالا إنه إذا أصرّ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بالنصّ على الديانة في الأوراق الرسمية، في إشارة إلى نيّة لاضطهاد المسلمين، فإنهما سيقيّدان الديانة في تلك الخانة بـ “مسلم” رغم فخرهما بيهودّيتهما!

الأمر نفسه حدث في 2012 عندما لاحق القضاء الألماني طبيباً مسلماً أجرى ختاناً لصبيّ بحسب ما يدعو الإسلام إليه، انبرى رئيس المجلس اليهودي في ألمانيا ديتر غراومان بالقول إنه “تدخل غير مسبوق في حق الجماعات الدينية بتقرير مصيرها”.

بل الأكثر من هذا، كان يهود الولايات المتحدة – تحديداً – هم أكثر اللوبيات ضغطاً على الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون، للتدخل العسكري حتى لا يباد البوسنيون المسلمون، فتدخل الناتو في أغسطس 1995، بعد مذبحة سربرنيتشا الشهيرة. والسؤال في كل الحالات السابقة، وما لم يحضرن من الحالات: لماذا؟

اليهود لا يرفعون عقيرتهم بالويل والثبور للمسلمين، وتشتيت شملنا، ولا إبادتنا، ولكنهم يفعلون ذلك عملياً. أما سياسياً، فإنهم يديرون الدفّة إلى صالحهم تماماً، يراودون الإعلام عن نفسه فيستجيب، لاسيما أنهم يعرفون كيف يتسللون إلى العقول، ودروب الوصول إلى القلوب. يريدون دائما تذكير العالم بأنهم “يشفقون” على الآخرين، وإن كانوا مسلمين، حتى لا يعانوا مما عانى منه اليهود عبر التاريخ وصولاً إلى المعسكرات النازية، فهم يقدّمون بيد ما يجنون أضعافه من اليد الأخرى. إنهم لا يهرولون عبثاً، ويبدون في غاية التحضر أمام العالم، ويقفون مع الحق وليس ضد “عدو”، إنهم “يلعبون سياسة” وحسب ويحسنون إدارة اللعبة لصالحهم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .