العدد 2901
الجمعة 23 سبتمبر 2016
banner
خواطر من الصين
الجمعة 23 سبتمبر 2016

حدثني صديق عزيز عن بعض الخواطر بعد عودته من رحلة عمل قام بها إلى جمهورية الصين الشعبية، وكان الصديق يتحدّث بنبرة فيها الكثير من الحسرة والألم الذي مردّه حبه وعاطفته الشديدة تجاه بلده البحرين.
 يقول صاحبي إنه رأى الكثير من الأشياء الرائعة والمواقف الإيجابية التي من الممكن أن تحدّث لأيّ زائر أو سائح، مؤكداً أنه أُتيحت له زيارة معظم بلدان العالم من مشارق الأرض إلى مغاربها، لكنه يقسم بأنه لم ير بلداً مثل الصين. وبالطبع لا يخفى على الجميع الانفجار السكاني الذي تعاني منه الصين التي يبلغ تعداد سكانها أكثر من بليون نسمة حسب الإحصائية الرسمية لعام 2013م، وتخيّل هذا الرقم فقط، لكن يقول صاحبي إن الصين أبت أن يكون الرقم السكانّي حجر عثرة لأي مشروع من شأنه أن يُسهم في تقدم شعبها.
 وأضاف صاحبي أنه لو أراد الحديث عن منجزات الصين لتطلب ذلك عمراً، مؤكداً أن الخطوات التي اتخذتها الحكومة في الصين والجهود الاستثنائية التي بذلتها لمواجهة هذا التضخم السكاني أمر يثير الإعجاب.  أشار صاحبنا في معرض حديثه إلى قضية النظافّة التي تميّز كل ركن في الصين، حيث أبدى انبهاره الشديد بهذه الجزئية التي تُعد أمراً مهما، بل إنه جانب يعكس حضارة الشعوب وتقدمها، إذ على الرغم من الأعداد الهائلة من البشر التي تستخدم الشوارع والقطارات والمطارات وغيرها من الخدمات بصورة يوميّة، إلا أنه شاهد مدى التزام الشعب بالنظافة، هذا الالتزام الذي ينطلق من واقع حبهم وإخلاصهم وقناعتهم بأنهم مسؤولون كأفراد في المجتمع عن نظافة بلدانهم.
كما أضاف أن فور وصوله المطار ثم محطة القطار، لاحظ وجود موظفين يقومون باستقبال المسافرين والضيوف ويقدمون يد العون والإرشاد، حيث يمكن ملاحظة تنظيم ونظافة الشوارع المزروعة، كما يمكن ملاحظة العمّال وهم يقومون بغسل وتنظيف أوراق الأشجار من الغبار بشكل مستمر. ما لفت نظر صاحبنا هو أن محطة القطار كانت نظيفة ومنظمة وتستخدم التقنية  العاليّة فيها، وبها اهتمام بالإنسان حيث نجد مقاعد في الصفوف الأمامية بألوان مختلفة للحوامل وكبار السن وغيرهم.
 وتحدّث صاحبنا عن أصحاب سيارات الأجرة قائلاً إنهم يعملون بكل إخلاص على راحة الزبائن لا يلجأون للغش الذي نراه للأسف في دولنا العربيّة، كما لا يطالبون بأيّة مبالغ جانبية سوى ما يشير إليه عداد المركبة.
 كما أكّد أنه حاول دفع إكرامية لأكثر من شخص مقابل تقديم خدمات، إلا أنهم كانوا دائماً يرفضون ذلك رغم حاجتهم الواضحة، مؤكداً أن الشعب الصيني جدير بالاحترام، وأنا بدوري أشاطر صديقي الرأي في كل ما أورده من ملاحظات، وأضيف أن دولة متعددة القوميات والمذاهب والأعراق مثل الصين، محدودة الدخل، تمكّن شعبها من جعل بلادهم واحدة من أقوى اقتصاديات العالم عندما أصر على تجاوز كل التحديات وتمسّك الجميع  بالإخلاص في العمل واتحدوا في حب الوطن. إن الصين اليوم امبراطورية اقتصادية يحترمها العالم، وتُسجّل أسرع نمو اقتصادي في العالم إضافة إلى كونها أكبر دولة مصدرة، كما يعد اقتصادها ثاني أكبر اقتصاد في العالم من حيث الإنتاج المحلي. 
يتعيّن علينا بالفعل أن نتعلم من التجربّة الصينيّة دروساً، وكما أشرت في مقالاتي السابقّة فإن التقليد واتباع الممارسات الصحيحة والتعلم من الغير أفضل شيء يمكننا عمله لتطوير أنفسنا، وسينعكس ذلك بكل تأكيد على مجتمعاتنا وأوطاننا، فالعالم يعجّ بالتجارب الناجحة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .