العدد 2876
الإثنين 29 أغسطس 2016
banner
مواسم سوء الظن... وسوء الفِطَن
الإثنين 29 أغسطس 2016

أما وقد انتهى “موسم” البعثات الطلابية، وانتهت معه الضوضاء السنوية الدافعة والمدافعة، والمتهمة والمبررة، وغيرها من هذه الثنائيات المعروفة جدا، والمتوقعة حتماً في مثل هذه المواسم من كل عام؛ أرى أنه يحقّ لي، بعيداً عن الزيادة والنقصان للمواقف في إبّانها، تناول الموضوع الذي يتعرض للتهويل والتهوين معاً، بينما هناك من يئنّ، اسمه الوطن، متروكا حتى نهاية هذه السفسطة السنوية، والتي لا تنتهي لأن المواسم وراءها متعاقبة.
فلقد جرى الكثير من “المطّ” المبالغ فيه في مسألة “مطر الغيمة” المتمثل في سؤال لإحدى المتفوقات “لو كنت غيمة فأين ستمطرين”، وجرت عليه الكثير من المراوحات، كما تم تفكيكه، وتأوليه، وتشريحه ليخرج عن مراميه. وصارت المسألة وكأن الطالبة دخلت المقابلة، وطُرح عليها هذا السؤال، وخرجت من اللجنة لتشتكي!
فلقد كنتُ عضواً في إحدى لجان المقابلات لأمر مشابه ليس في الوزارة المعنية، وكان يدخل الطالب فنشعر بارتباكه، فتجري محاولات “كسر الجليد”، بالتعريف عن اسمه، ومكان سكنه، وما إذا كان يعرف بعضاً من تاريخ منطقته، أو معنى اسمه، كنوع من التبسّط معه، ولتليين أجواء الرهبة، ولا أرى أنها مسألة تستحق كل هذا التهويل، أو اتخاذه ذريعة من أجل القدح السريع الاشتعال.
هذا الأمر يحيلنا إلى نوعية من الاختبارات التي تجريها إحدى المؤسسات التعليمية، أي “اختبار القدرات”. ولأن هناك جهة متخصصة في المملكة العربية السعودية، فيجري جلب الاختبار والمختبرين من هناك، وتجري عملية “بحرنته”، لكن من ضمن الكم الكبير جداً من الأسئلة “أفلت” سؤال عن كسور الريال و”الهللات”، وجلّ من لا يُفلت ولا تأخذه سنة ولا نوم، سؤال واحد صار محور الحديث في تلك السنة، وغدا هو العَوَر الذي حاق بهذا الاختبار، وأخذ يتردد سنة بعد أخرى كلما اقترب هذا الامتحان أو حان.
ولا أحسب “قضية الغيمة” إلا من هذا القبيل، حيث إنني لا أعلم أعضاء اللجنة، ولا الطالبة، ولكن هناك فسحة لإحسان الظن، قبل إطلاق الأبواق عالية للانتصار لمواقف معلبة ضد أخرى معلبة أيضاً.
تلك المواقف كتلك التي تقول إن البعثات في عقود سابقة كانت توزع بنَفَس طائفي، وجرى فيه ظلم أبناء طائفة أخرى، حتى غدت هذه المقولة من المسلمات عن البعض. وعليه، فإنه “إن” حدث أي نوع من “التمييز الإيجابي” فإنه مبرر في نظر البعض وذلك لردّ الظلامة، واعتدال الميزان، فإن هذا الذي يقال إنه قد حدث سيصعب إثباته، ولن تتحقق العدالة بظلم من لا ذنب لهم، ومنح من لا حقّ لهم، لأن هذا لن يكون أكثر من تقعيد للظلم.
لا أملك حلولاً ولا اقتراحات حلول، ولكن مسألة البعثات هذه لابد أن تجد طريق حل، لأنها تورّم هذا الجسد المتحسس، لتقل مواسم سوء الظن، والله المستعان على الباقي منها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية