العدد 2848
الإثنين 01 أغسطس 2016
banner
هجمات ألمانيا... وتوظيفها ضد اللاجئين والمهاجرين
الإثنين 01 أغسطس 2016

شكل الهجوم المسلح على مركز تسوق في مدينة ميونيخ الألمانية، يوم الجمعة 22 يوليو الماضي، ومن قبله بأيام هجوم فورتسبورغ، سياقات محفزة للضغط على اللاجئين الموجودين في ألمانيا التي تُعد من أكبر الدول المستقبلة للاجئين داخل الاتحاد الأوروبي. إذ يوجد في ألمانيا أكثر من مليون لاجئ، وبحسب توقعات الحكومة الألمانية، فإنه بحلول عام 2020 سيصل إلى ألمانيا نحو 3.6 ملايين لاجئ.
تشير المعلومات الأولية إلى أن من وراء هجوم ميونيخ شابا ألمانيا من أصل إيراني يعاني خللاً نفسياً ويتبنى وجهات نظر يمينية متطرفة رافضة للأجانب، فيما نفذ هجوم فورتسبورغ لاجئ أفغاني. وجود خيوط اتصال بين الهجومين واللاجئين والمهاجرين ربما يؤدي إلى تكريس توجهات يمينية أكثر تطرفاً رافضة لوجود اللاجئين داخل المجتمع، وترى أنهم يمثلون تهديداً لنمط الحياة التي يعيشها أفراد المجتمع، سواء من خلال استنزاف الموارد الاقتصادية ومستويات الرفاهية المتاحة، أو حتى من خلال التهديدات الإرهابية.
ويفترض الاتجاه الرافض للاجئين أن بعض هؤلاء اللاجئين يحمل معه أفكاراً راديكالية قد تدفعه إلى تنفيذ عمليات إرهابية داخل المجتمعات الغربية، وهو الأمر الذي يعني أن الغرب بات على مشارف جيل جديد من العناصر الراديكالية داخل بلدانه، فالتهديد لم يعد خارجيّاً ولكنه كامن في البنية المجتمعية.
تنطوي الهجمات التي تعرضت لها ألمانيا مؤخراً - في فورتسبروغ وميونيخ - على عدد من الدلالات الرئيسية المرتبطة بقضية اللاجئين التي ستشكل مدخلاً لتوظيفها من قبل اليمين المتطرف، الذي يرى أن هجمات فورتسبوغ وميونيخ تعبر عن توجهين متطرفين وصداميين على صلة باللاجئين داخل ألمانيا والغرب بشكل عام، فالهجوم الأول نفذه لاجئ أفغاني رافض للغرب، ومرتبط بتنظيم داعش، حيث ذكرت السلطات الألمانية أنها وجدت علم تنظيم داعش داخل غرفة منفذ الهجوم، والذي كان قد ترك فيديو يعلن فيه مسؤوليته عن الهجوم.
أما منفذ هجوم ميونيخ المولود في ألمانيا، فيبدو من خلال التقارير الأولية أنه يتبنى وجهات نظر يمينية متطرفة رافضة الأجانب على الرغم من أنه ينحدر من أبوين إيرانيين هاجرا إلى ألمانيا خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، حيث تُشير المصادر إلى أنه تلفظ قبل إطلاق النار بهتافات عنصرية ضد الآخرين، علاوة على أنه استلهم العملية التي نفذها من اليميني المتطرف النرويجي أندريس بريفيك المعروف عنه معارضته المهاجرين، والذي كان قد نفذ عملية إرهابية في جزيرة أوتويا النرويجية في 22 يوليو 2011 أسفرت عن مقتل نحو 70 شخصاً.
تشكل هجمات ميونيخ وفورتسبورغ فرصة مواتية للقوى اليمينية داخل ألمانيا لتعزيز مكانتها السياسية، وفي مقدمة هذه القوى حزب البديل لألمانيا الذي حقق نجاحات انتخابية في الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في مارس الماضي، وكان يخوض الانتخابات تحت شعارات من قبيل “عززوا الحدود” و”أوقفوا فوضى اللجوء” وفي هذا السياق، يرجح أن توظف هذه القوى الأحداث التي يمر بها الغرب في الوقت الراهن لدعم موقفها، ومن ثم تستدعي التهديدات التي أطلقها تنظيم داعش في مستهل عام 2015 بأنه سيقوم بإغراق “أوروبا بنحو نصف مليون مهاجر عبر ليبيا”، وزعم التنظيم أيضاً أنه سيقوم بإرسال ما يقرب من أربعة آلاف مقاتل عبر الأراضي التركية. كما صرح بعض القياديين داخل التنظيم بأنهم “أرسلوا العديد من الناشطين إلى أوروبا مع اللاجئين للقيام ببعض العمليات”.
لا يمكن إغفال أن هذه المعطيات تصب في صالح القوى اليمينية التي تعتقد أن اللاجئين بمثابة “حصان طروادة” في الغرب، لأنهم يقدمون مدخلاً لتسلل الإرهابيين عبرهم، وذلك على غرار ما حدث في هجمات باريس نوفمبر الماضي. لكن الأهم من استغلال اليمين المتطرف لموجة الهجمات الحالية أنها ستؤدي إلى تنامي الهواجس المجتمعية إزاء اللاجئين، وكانت لهذا الأمر مؤشرات واضحة في الآونة الأخيرة، حيث صرح رئيس وزراء ولاية بافاريا هورست زيهوفر عقب هجوم فورتسبورغ بأنه “يتعين على السلطات الأمنية على المستوى الاتحادي والولايات أن تراقب اللاجئين عن كثب، حتى لا تتكرر أشياء سيئة مثل التي حدثت في مدينة فورتسبورغ”.
مركز بيو للأبحاث كشف من خلال استطلاع للرأي منشور في شهر يوليو الجاري أن هناك ربطاً لدى قطاع من الألمان بين اللاجئين والتهديدات الإرهابية، فقد رجح 61 % ممن تم استطلاع رأيهم وخصوصا أولئك الذين يتبنون توجهات يمينية أن يؤدي تدفق اللاجئين إلى تنامي احتمالات التعرض لهجمات إرهابية في الداخل، ناهيك عن أن 31 % يعتقدون أن اللاجئين يمكن أن يشكلوا عبئاً اقتصاديّاً واجتماعيّاً على الدولة الألمانية. وبناءً على هذه المؤشرات، من المحتمل أن تؤدي هجمات ميونيخ وفورتسبورغ إلى المزيد من التخوف والقلق تجاه اللاجئين، إذ إن الهجمات وما يرتبط بها من صدام بين توجهين توحي بإمكانية النزوع نحو حالة من عدم الاستقرار السياسي المتمحورة حول اللاجئين، وهو ما قد يدفع المواطن الألماني في نهاية المطاف إلى التعبير عن رفضه اللاجئين، لأنهم حينها سيمثلون مصدر تهديد لرفاهيته ونمط حياته واستقراره المجتمعي.
هي أزمة هوية تعاني منها أوروبا عموما، وألمانيا المنقسمة على نفسها خصوصا، ففيما قام بهجوم فورتسبوغ لاجئ أفغاني من المفترض أن يكون قد جاء إلى أوروبا لينعم بالأمن، قام بهجوم ميونيخ مهاجر إيراني يحمل الجنسية الألمانية منذ زمن وولد وتربى في ألمانيا، ما يعني فشل محاولات الاندماج الاجتماعي التي عملت عليها الحكومة الألمانية خلال السنوات الماضية، فهل تدفع الهجمات الأخيرة الحكومة الألمانية إلى الحد من سياسة الانفتاح على اللاجئين التي أصرت على مواجهة أوروبا كلها لأجلهم؟. “المستقبل”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .