العدد 2840
الأحد 24 يوليو 2016
banner
الإشاعات وهدم المجتمعات
الأحد 24 يوليو 2016

بسبب الاستخدام السيئ لوسائل الإعلام ومنظومات الاتصال والتواصل المعلوماتية انتشرت شبكة الإشاعات لتشمل مجالات واسعة من الحياة، والإشاعة حينما تصل لشخص ما لا تقف عند حالها، بل كثيرًا ما يقوم مُتلقوها بنشرها بشكل أوسع بعد إضافة معلومات زائفة أخرى إليها بنية سيئة، مما يجعلها أكثر خطورة وخصوصا لفئة المُتلقين غير المُدركين لحقائق الأمور بسبب ضعف خلفيتهم الثقافية أو الاجتماعية أو الدينية أو السياسية. والإشاعة هي خبر أو معلومة غير صحيحة يتم حَبك مضامينها وإطلاقها لتحقيق هدفٍ ما، ومن تلك الأهداف ــ زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد وتشتيت الوحدة الوطنية للمواطنين، والمس بقيم ومبادئ المجتمعات وتعكير الصفاء المجتمعي، والمس بهيبة الدولة والاعتداء على مكوناتها من مؤسسات وقرارات وإجراءات، والمس بفئة اجتماعية أو عرقية أو دينية معينة.
تقوم الإشاعات وهي نتاج (حالة نفسية سيئة وخيالات وظنون ذات نوايا سيئة) على أساس اختراع واقع لم يحصل أي شيء منه، أو تستند على أخبار وهمية خاطئة، وتحوير معلومات هذه الأخبار أو جزء منها، أو تضخيم وتحوير لواقع حاصل، وذلك من أجل تحقيق نوايا سيئة وبهدف تضليل مُتعمد من قبل أشخاص أو منظمات. وتبوأت الإشاعات مركز الصدارة في أوقات الأزمات السياسية واتخذت أشكالاً مروعة من حيث المضمون والشكل باستخدام أحدث التقنيات، بحيث تكون قادرة على بلوغ أهدافها بسرعة إلى مُتلقيها. وتأخذ الإشاعة شكل طعم جذاب ليسهل ابتلاع مضمونها، وقد يسهل ابتلاعها بسبب الجهل وعدم التدقيق في مضمون ما جاء فيها من معلومات، وهو ما يُساعد على نفاذها وسرعة تحقيق أهدافها ومخططاتها.
وتختلف أهداف الإشاعة، فهناك إشاعات لأهداف تجارية بالنسبة للسلع وأسعارها، وإشاعات سياسية حول أحداث سياسية أو شخصيات سياسية معينة، وإشاعات اجتماعية تتعلق بالمسار المجتمعي، وهناك الإشاعات الأمنية حول وقائع أو حوادث حصلت أو يمكن أن تحصل في المجتمع، وهي أخطر أنواع الإشاعات. وقد تلقى المواطنون الكثير من الإشاعات الأمنية في بلادنا، ومن الإشاعات الأمنية تلك التي ترددت مؤخرًا بشأن (منع صلاة الجمعة في قرية الدراز) والتي أكد مدير عام مديرية شرطة المحافظة الشمالية (العميد إبراهيم الشيب) أن (ما تردد من شائعات بشأن منع صلاة الجمعة في الدراز أمر غير صحيح، حيث أقيمت الصلاة وأداها المصلون، ولم تتلق المديرية اتصالاً من أية جهة بخصوص خطيب الجمعة)، وأن سبب صدور هذه الإشاعة هو من أجل التغطية على حدث آخر جرى في القرية، فقد أشار العميد الى أن (إجراءات الضبط والسيطرة المطبقة حاليًا تعود إلى تجمع غير قانوني داخل القرية)، موضحًا أن (التواجد الأمني في محيط الجوامع والمساجد بكل أنحاء البلاد يهدف إلى حماية دور العبادة وتأمين المُصلين). فهذا مثل واحد من هذه الإشاعات التي تشكل مَساسًا بالمواطن وأمنه وبلاده والسلم الأهلي.
وأشعلت الإشاعات الكثير من الحروب والأحداث السياسية والفتن الطائفية، ويتم ضخ الأموال الطائلة للترويج لها، وتديرها عقول شيطانية تعتمد على تقديم معلومات في مواضيع تهم الناس، وتشتتهم بها وتنال من معنوياتهم ووحدتهم الوطنية. ومن أجل مواجهة هذه الحرب النفسية (الإشاعات) وردعها عن تحقيق أهدافها الخطيرة على المواطن والبلاد جميعًا مسؤولية وطنية تتمثل في عدم تصديقها، والبحث عن حقائق الأمور، ومتابعة مصادر إطلاق الإشاعات، ومحاسبة مُروجيها في شبكات التواصل الاجتماعي، ومحاسبة وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة على أي خبر غير مُدقق به، وإدخال مادة الإشاعات في مناهج التربية والتعليم في المدارس والمعاهد والجامعات، وتنظيم الندوات وورشات العمل عن الإشاعات، لتبيان معناها وآثارها المُدمرة على البلاد ومواطنيها.
قال تبارك وتعالى في كتابه المجيد “إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا” (الحجرات ـ 6)، وهي دعوة إلهية من أجل التيقن والتأكد من صحة الخبر والمعلومة الواردة إلينا، خصوصا إن جاءت من أفراد مشكوك في أمرهم وفي مسارهم الوطني. حيث تصيبنا إشاعاتهم ويبقى المُشيع طليقًا وبعيدًا عن أذاها. حفظ الله البحرين وقيادتها وشعبها من كل أذى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية