العدد 2836
الأربعاء 20 يوليو 2016
banner
للإرهاب لغة واحدة
الأربعاء 20 يوليو 2016

ينتشر الإرهاب في ربوع الأرض، لا يُفرق في طريقه بين بشر وأثر وحجر، فالجميع مستهدفون، نساء ورجال، شباب وأطفال، الكبار والصغار، الكتب والألعاب، المباني والسيارات، الآثار والمؤسسات، جميعها لقمة سائغة للإرهاب ووجبة شهية للإرهابيين. التفجيرات في قرية العكر وكرانة بمملكة البحرين، وفي تونس وسيناء بمصر، وفي نيس بفرنسا، وتفجيرات العراق وسوريا واليمن، كلها تحمل صفة واحدة هي الإرهاب، ومدبروها وفاعلوها وممولوها والمؤيدون لها إرهابيون، والضحية نحن البشر وما في بلادنا من حجر وأثر. ولا نتفق مع مَن يقول ان الإرهاب هو عمل وطني ونضال من أجل الحرية وحقوق الإنسان، بقدر ما هو عمل ضد الإنسان وضد أهداف الحياة، الإرهاب عمل يخالف جميع الأديان والأخلاق وضد الإنسان وبلاده وحضارته، ويُشكل اغتصابًا لإنسانية وكرامة الإنسان، والإرهاب ممارسة ترعب الناس وتهدد وجودهم في الحياة.
والإرهاب رديف الخوف لما يحمله من آثار نفسية وجسدية على الإنسان ومكونات الحياة، فالقتل والتدمير والتشريد من الأشياء التي يخاف الإنسان حدوثها في حياته، لذا فهو فعل مذموم ويُحرم فعله شرعًا، ويستحق مرتكبه العقوبة بل أشدها، سواء كان فردًا أو تنظيمًا أو دولة. ومصطلح (الإرهاب) ترجمة حرفية لكلمة فرنسية استحدثت أثناء الثورة الفرنسية، وهي ترجمة حرفية أيضًا للكلمة الإنجليزية (terrorisme)، وخلا التراث الفكري العربي والإسلامي من هذا المصطلح. ومن التعريفات الواردة للإرهاب (القتل، الاغتيال، التخريب، التدمير، نشر الشائعات، التهديد، الابتزاز، الاعتداء) وأية أنشطة أخرى تهدف إلى تحقيق عدم الاستقرار وتخلق الاضطرابات والقلاقل. وعرف مجلس وزراء الداخلية والعدل العرب الإرهاب في الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الصادرة عام 1998م (الإرهاب كل فعل من أفعال العنف أو التهديد أيًّا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو اختلاسها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر). وهذا لا يختلف عن تعريف المجمع الفقهي بأن الإرهاب (العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيًا على الإنسان، دمه وعقله وماله وعرضه ودينه). ويُمكن إجمال ذلك في أن الإرهاب يستخدم لتهديد الإنسان، ويُعرض حياته وروحه للخطر، بجانب تهديده الحريات الأساسية للإنسان، ويتمثل في (الأذى، التهديد بالقتل بغير حق، قطع الطريق، إلقاء الرعب بين الناس، إلحاق الأذى بالمرافق الحياتية العامة، تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر) ويكون بهدف التأثير على موقف أو سلوك يريد تحقيقه الإرهابيون.
والإرهاب يتميز بالخصائص التالية (استخدام العنف، خلق حالة من الذعر وعدم الأمن في المجتمع، وتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية) وهناك عوامل خارجية مسببة لظاهرة الإرهاب وتساعد على تغذيته بالشكل الذي يصبح فيه حربًا أو صراعًا مستمرًا في المجتمع. وسواء كانت العوامل الداخلية أو الخارجية التي تسبب ظاهرة الإرهاب ونشوئه فإنه يحمل صفة واحدة في جميع البلدان، وهذه الأسباب وغيرها لا تعطي الحق للإرهابيين بأن يستهدفوا البلدان والإنسان من أجل إرغام دولة أو حكومة باتباع نهج أو سياسة معينة، أو باستغلال مشاكل المجتمع والناس في تأجيج الصراعات الداخلية والخارجية.
إن النفس التي قتلت بالعكر أو نيس أو تونس أو أي مكان هي نفسٌ إنسانية حرم الله قتلها إلا بالحق الشرعي، وقتلت بممارسة الإرهاب الذي لا يُميز في طريقه بين ألوان البشر ولغاتهم وهوياتهم وأديانهم ومذاهبهم، لقد أفزع الإرهابيون تلك الأبدان وغدروا بحياتها، وستستمر تلك الأيدي العابثة الماجنة التي لا تراعي حُرمة الدماء ولا حُرمة النفس البشرية في طريقها القاتل والمُدمر للإنسانية والبنى التحتية للدول، الطريق الذي يُزعزع الأمن والاستقرار بل وأساس الوجود.
محاربة الإرهاب ليست مسؤولية الدولة والجهات الأمنية في بلادنا، بل هي مسؤوليتنا جميعًا، مسؤولين ومواطنين، وسائل إعلام وأسرا وكتابا وشيوخ دين وكل المؤسسات المجتمعية، إنها مسؤولية مجتمعية متكاملة، مسؤوليتنا اجتثاث هذا الخطر الجاثم على بلادنا، مسؤوليتنا أن نعمل جميعًا على ترسيخ ثقافة المواطنة والتسامح الديني بين البشر، فالإرهاب لا يستهدف فئة بشرية واحدة بل جميع البشر مستهدفون، فوحدتنا الوطنية والبُعد عن الخلافات والقضاء على الفرقة والوقوف صفًا واحدًا خلف قيادتنا السياسية وضد التيارات والأفكار المنحرفة تجعلنا جميعًا في خندق واحد ضد الإرهاب. لنصلي جميعًا من أجل أولئك الضحايا الذين يتساقطون يومًا بعد آخر، ولنرفع أكفنا إلى السماء أن يحفظ بلادنا وقيادتنا وشعبنا، وأن ينعم علينا بنعمة الأمن والأمان والاستقرار والنماء.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .