العدد 2834
الإثنين 18 يوليو 2016
banner
أردوغان بين “الجزيرة” و”العربية”
الإثنين 18 يوليو 2016


أطلب أولا سعة الصدر، والحكم في نهاية المقال... الممارسة الإعلامية في جهات العالم الأربع لا تستقيم إلا بشقيها (المرسل والمتلقي)، هكذا علمونا في أساتذتنا في الإعلام رحم الله أستاذي الكبير حسن أبو العلا الذي قال لي ذات يوم إن العملية قائمة على المهنية والمصداقية، ومنها اشتق اللغويون كلمة إعلام، وتعني الإخبار، ونقل الخبر، وتحليل مسبباته ونتائجه وآثاره المستقبلية. أما المتلقي، فهو الجمهور، والذي كان سابقا يتلقى ليصدق أو يكذب. أما الآن، فقد أصبح في زمن مواقع التواصل يتلقى ليحلل وينشر، وهذا ما يصعِّب عمل أهل الإعلام والإعلال، إذاً العملية تشاركية بين طرفين مرسل (إعلاميون)، ومتلقٍ (الجمهور)، وكأي شراكة تحتاج المعايير كافة، القيمية والأخلاقية والمهنية؛ لتجني ثمار تلك الشراكة.
نعود إلى الانقلاب الفاشل في تركيا، أولا الحمد لله على سلامة تركيا البلد المسلم، ولو أنني أعتقد أن للانقلاب تبعات لم تظهر بعد، كما أن هناك حلقات مفقودة، ولكنني هنا لن أخوض في العملية برمتها، فما يهمني في الحقيقة أن أستعرض كيف تم تناول الحدث من قبل القناتين الأكبر في العالم العربي، في زمن تم نزع الإعلام من سياقه الإخباري واستخدامه كسلاح فعّال، حيث الدعاية والتضليل والحذف والقص والتقزيم والتضخيم، وجلد المتلقي كذباً، والتلاعب بالصورة، وحتى أسهل العملية على نفسي وعليكم سأتحدث عن ثلاث مراحل للانقلاب الفاشل، أولا مرحلة الصدمة، وكانت العربية والجزيرة تأخذ الاخبار من المصدر نفسه، وهي المصادر التركية المختلفة، وهنا كان الأداء مشوشا للقناتين ومتطابقا إذا استثنينا ما نعرفه سابقا عن ميل الجزيرة لتلميع صورة أردوغان، وتناول العربية للحدث كخبر مجرد بلا عواطف، إذًا المرحلة الأولى كانت متطابقة والدليل العودة لحسابات الجزيرة والعربية على مواقع التواصل الاجتماعي ستجدون أن هناك تطابقا كاملا إلى درجة أنني أعتقدت أن إحداهما تنقل من الاخرى الأخبار، المرحلة الثانية مرحلة تضارب الأنباء، وهنا تفوقت العربية بنقل كل الأنباء، وأقول الأنباء، وليست الآراء، فلم تستضف منقلبا أو داعما للانقلاب مما سمح للمتلقي أن يحلل الوضع مع ملاحظة حرص العربية على ذكر المصدر كبيان الجيش المنقلب، وردود الفعل، وكان هناك ضيوف موالون لأردوغان في النشرات. أما الجزيرة، فقد كانت تتجاهل الأخبار التي تتحدث عن الانقلاب، وتنقل أو تقوم بتصنيع أخبار لصالح أردوغان، وهنا بعيدا عن الأمنيات كانت الجزيرة تضلل، بينما العربية كانت تنشر الأخبار كلها مما ساهم في ولادة نقمة ضدها من قبل أنصار أردوغان، المرحلة الثالثة، وهي مرحلة ما بعد الانقلاب، حيث استمرت العربية في ذكر كل الأنباء، وهنا انتقلت إلى الآراء، بينما تفرغت الجزيرة لصناعة رمزية أردوغان المنتصر الذي لا يشق له غبار. أنا هنا أرصد ما تابعته رغم أنني ضد كل الانقلابات، فسبيل التغيير يكون عن طريق صناديق الاقتراع والحوار فقط، وبعد انحسار أخبار الانقلاب وتصدر أخبار التطهير ضد المنقلبين، وكلمة تطهير استخدمها أردوغان للعلم رصدنا صراعا تويتريا مشفرا بين مديري قناة الجزيرة والعربية، حيث أكد مدير قناة العربية تركي الدخيل بأن تغطية القناة الإخبارية مع أي حدث يجب أن يكون بمعزل عن التفاعل معه وإظهار مشاعر تندد به أو تشيد به وبالوقوف على المسافة نفسها مع جميع الأطراف، وهو ما رد عليه مدير قناة الجزيرة ياسر أبو هلالة بأنه لا يمكن التعامل مع كل الأحداث بالطريقة نفسها دون إظهار أي مشاعر سواء كانت فرحة أو حزنا.
وهنا أصبح من الواضح أن العربية تفوقت مهنيا على الجزيرة، وهذا رأي قابل للنقاش والرفض أيضا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .