العدد 2834
الإثنين 18 يوليو 2016
banner
... وحمى الله البحرين
الإثنين 18 يوليو 2016

كان الدبلوماسي والمحلل السياسي الفرنسي حزينا وهو يعلق على مجريات الأمور في نيس عندما سألته المذيعة عن رأيه في دعوة الرئيس أوباما لضبط النفس؟! فأجاب بشيء من الغضب: لا نحتاج من يعلمنا ضبط النفس، وخصوصا من تشهد بلاده حالة من الغليان والاحتجاج نتيجة عدم ضبط النفس! ثم قال: إن العالم اليوم لم يعد يأخذ ما يقوله البيت الأبيض على محمل الجد، وما يحدث اليوم في فرنسا وبلجيكا وكثير من دول العالم هو نتيجة لعبة أميركية امبريالية كانت تهدف الى تفكيك الشرق الأوسط، وداعش وغيرها ليست سوى نتائج دراماتيكية لتلك اللعبة!
هذا الحديث تابعه الملايين على شاشة الحرة، وأعتقد أن له تداعيات سوف نشهدها قريباً، ولكن ما يهمنا هنا في البحرين، أننا كنا من أكثر الدول التي تحملت تدخلات الولايات المتحدة الأميركية وغيرها في أكثر شؤوننا حساسية، وتحملنا كثيراً الدعوات الخارجية لضبط النفس وغيرها، وها هي الأمور في معظم الدول التي كانت تفرط في إسدائنا النصائح غير المناسبة في الوقت غير المناسب، تجري بالشكل الذي يؤكد أنها عندما يتعرض امنها وسلامتها للخطر فإنها تتناسى كل نصائحها التي كانت تصرفها مجاناً، وتلجأ لاستخدام اساليب من العنف والشدة لم نشهد لها مثيلا حتى في أشد كوابيسنا قسوة.
وخلال التظاهرات وأحداث العنف التي شهدتها دالاس وغيرها من الولايات الاميركية مؤخراً برزت لافتات يحملها المتظاهرون السود تقول: (توقفوا عن قتلنا بدماء باردة)، ولكن أخطر وأغرب اللافتات التي تحدثت عنها وكالات الأنباء وكثير من المعلقين هي اللافتات التي تقول: (نحن لسنا عرباً كي تقتلونا ونسكت)، ومع أنني شاهدت اللافتات في وسائل الإعلام كغيري إلا أنني لا أعرف مدى صحة هذه الواقعة أو دقتها، ولكن ما أريد الوصول إليه هو ما سبقني اليه المحلل والدبلوماسي الفرنسي من أن العالم لم يعد يأخذ ما تقوله أميركا عن الحرية  والديمقراطية وحقوق الانسان على محمل الجد، فكمية الظلم والمجاهرة بكل ما يتنافى مع حقوق الانسان أصبحت معروفة على مستوى العالم اجمع!
وما ينطبق على أميركا ينسحب على كثير من الدول والبلدان غيرها، فعندما تعرضت تركيا لأخطار تهدد أمنها، لم تكترث لكل المبادئ التي كانت تسديها لغيرها حول الديمقراطية والحقوق وغيرها، واستخدمت القوة المفرطة أحيانا ضد المعتصمين في ميدان تقسيم.
والمحصلة أو الخلاصة التي نريد الوصول إليها، أن الحكمة التي مارستها البحرين وضبط النفس واتساع الصدر وخصوصا على مستوى القيادة الرشيدة في التعامل مع كل الخروقات الامنية وحتى السيادية منها، لم تعد اليوم خافية على أحد، وكذلك المعالجة طويلة النفس لكثير من الأمور التي واجهناها منذ أكثر من خمس سنوات، وحتى ما قبلها، ولا تزال هذه القاعدة هي الحاكمة لمعظم التصرفات البحرينية الرسمية المسؤولة.
وما نقوله اليوم ويجب أن نقوله، إن الأيام أثبتت حصافة الرؤية السياسية والأمنية للقيادة البحرينية في كل الظروف والمنعطفات التي شهدتها البلاد وكان يمكن أن تنزلق بنا وبالبلد وأهلها إلى أسوأ الاحتمالات، وكنا أحيانا نستغرب من طول نفس القيادة وصبرها، وكان البعض يصل في حماسه إلى درجة وسم بعض اجراءات القيادة بالانهزامية!! ولكن الامور كانت دائما تسير بالاتجاه الذي يكشف عن حكمة الرؤية والأسلوب والبرامج ورشد السياسات في التعامل مع الازمة بمختلف اشكالها وتجسداتها.
وصحيح أن البحرين عانت الكثير، وخسرت الكثير، وتعطلت برامج تنموية عديدة لها كان يمكن أن نعيش اليوم تحت مظلتها ويستفيد الكثيرون منها، ولكن في حساب الدول والأمم والشعوب، كل الخسارات تتراجع مقابل خسارة الأوطان. نحن لم نربح وطنا وحسب، بل ربحنا ثقة بالوطن وأهله وقيادته تتصاعد وتتنامى يوماً بعد يوم، وربحنا نظرة العالم كله إلينا وإلى قيادتنا وحكمتها واتساع صدرها وقدرتها المثالية على إدارة الأزمة بعقل منفتح وقلب يتسع للجميع.
اليوم ننظر إلى ما يحدث في دول غيرنا، ونحمد المولى عز وجل على نعمة الأمن والأمان، ونتطلع إلى دول أخرى غيرها، ونشكره جل وعلا على ما منحنا من نعمة التكافل والأخوة والمحبة والوحدة الوطنية التي لا انفصام لها رغم كل ما تعرضنا له من مؤامرات، وننظر إلى بعض الدول والشعوب التي كانت ترسل إلينا النصائح والارشادات والملاحظات من أبراج عاجية، وهي تعاني أسوأ مما كنا نعانيه، وندعوا الله أن يخفف عنها وعنا وعن الانسانية جمعاء.
واليوم نقول إن التفافنا حول قيادة مليكنا، كانت دائما هي وصفتنا السحرية لتجاوز العقبات ويشهد التاريخ لنا بذلك، بل يشهد لمليكنا وقائدنا الحبيب، أنه كان دائما الظل الذي نفيء إليه وإلى حكمته وسعة صدره، والقائد الفذ الذي نجتمع إليه في الملمات، والرائد الذي لم يخذل أهله.
اليوم نقول لأنفسنا وإخوتنا في الوطن وللعالم إن الوفاء للوطن ليس بحاجة إلى جهاز بيروقراطي أو مرسوم حكومي لكي يكون غامراً وإيجابياً وصادقاً، والولاء ليس بحاجة إلى خطباء يحفظون شعاراتهم في العلب لتبقى صالحة للاستهلاك البشري في المناسبات. إن الوفاء للوطن هو في المحافظة عليه في وجه المؤامرات والمخططات، والولاء كل الولاء للوطن وأهله هو في تمتين عرى رابطتنا الوطنية الأكثر قوة وحميمية بين القائد وشعبه وبين المليك وأهله... وحمى الله البحرين.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية