العدد 2830
الخميس 14 يوليو 2016
banner
عندما ينقلب السحر على الساحر
الخميس 14 يوليو 2016

خمسة من رجال الشرطة من البيض أرداهم قناص أميركي من اصل أفريقي قتلى في الشارع كردة فعل على ما قام به عدد من أفراد الشرطة البيض قبل ذلك بحق بعض الملونين الأميركان، وحين حدث ذلك قامت الدنيا ولم تقعد حتى الآن، بل قطع رئيس أكبر دولة في العالم، ويقال إنه أقوى رجل في العالم، قطع زيارته لأوروبا وعاد إلى بلاده لتدارك تداعيات الحادث، ربما لعلمه أكثر من غيره بما يمكن أن يحدث له من تداعيات مستقبلية.
وقبل ذلك بأيام تقطع خمسة كذلك من أفراد الشرطة السعوديين وفي واحد من أقدس الأماكن الإسلامية دون أن يمارسوا عملا عنصريا بل كانوا يقومون بواجبهم في حماية المصلين، تقطع هؤلاء إلى أشلاء بفعل إجرامي إرهابي ولم نر ردة الفعل المماثلة من قبل الكثيرين الذين أدانوا الفعل الأول مثل السيد “بان كي مون” أو حتى الإدارة الأميركية، كونها صنعت هذا الإرهاب في منطقتنا وتستفيد منه بصور مختلفة. وقبل ذلك قتل الكثير من أفراد الشرطة العرب في البحرين ومصر وغيرها دون أن يتحرك أحد من الغرب لتقديم الدعم لهم أو محاولة وقف ما يحدث لهم، بل كانت ردة الفعل سلبية عند الكثير من أولئك الغربيين تدين رجال الأمن هؤلاء وكأنهم السبب في ما يحدث، فأية مفارقة يتبناها الغرب تجاهنا وتجاه القضايا التي نعاني منها والتي تسبب في الكثير منها ذلك الغرب؟
الحادث الأميركي الأخير ليس الأول ولن يكون الأخير، فقبله رأينا ما حدث في الكثير من الولايات الأميركية كردة فعل على ممارسات الشرطة العنصرية هناك، مظاهرات وأعمال تخريب ونهب للمحلات، ولكنها جميعها كانت ردة فعل تلقائية وغير مدبرة، أما الحادث الأخير فما عرفناه من خلال النشرات الإخبارية انه كان مدبرا وتم من قبل أميركيين وليس من قبل أعمال إرهابية خارجية كما تم وصف حادث البرجين في مدينة نيويورك قبل خمسة عشر عاما من الآن وهو ما يعني ان الإحساس بالتمييز العنصري في الولايات المتحدة الأميركية تطور وأخذ منحى جديدا يمكن أن يهدد المجتمع الأميركي القائم على التمييز بين البشر على أساس عنصري.
لقد زرعت الولايات المتحدة الأميركية العنف والإرهاب عندنا، سواء بصورة مباشرة وإرادية كما يراها البعض، ونحن منهم، أو بصورة غير مباشرة أو مقصودة كما يعتقد بها عدد آخر، المهم أن الأعمال الأميركية، ربما منذ اكثر من أربعة عقود من الزمن كانت وراء موجات الإرهاب التي تجتاح وطننا العربي، وممارساتها الأخيرة شقت هذا الوطن إلى أجزاء متناحرة عنصريا وطائفيا، وهو ما يعني انها اوجدت او استغلت الفوارق في المجتمع العربي لزرع الإرهاب والفتنة فيه، وهنا لا نتهم الولايات المتحدة فقط، بل معها الكثير من الدول الأوروبية ومعها ربما العربية، ولكن ذلك تم بقيادة ورغبة أميركية خالصة، وهو ما يعني أنها أوجدت الرغبة في الفعل العنصري بالسلاح في هذا الوطن.
ولكن مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وقدرة الفرد على الوصول إلى أية معلومة يريدها ويمكن أن تخدم شعورا يحمله بداخله، فإن ما يحدث في منطقتنا يصل تلقائيا إلى الداخل الأميركي دون قدرة على وقفه أو منعه، وأوجد ما يحدث عندنا الرغبة في الفعل الممنهج لدى عدد من الأفراد الأميركيين الذين يحملون الشعور بوجود التمييز بحقهم في المجتمع الأميركي، وهو مجتمع مليء بهذه الممارسات العنصرية ومليء بالتفرقة بين أفراده على أساس عنصري ويحمل بذور الانشقاق دون قدرة على مقاومته عن طريق الديمقراطية العرجاء الموجودة فيه.
لذلك يمكن القول إن الفعل العنصري أو الطائفي الذي اجتاح وطننا العربي عن طريق الممارسة الأميركية فيه يمكن أن يكون قد بدأ في الانتقال إلى المجتمع الأميركي المتقبل لهذا الانتقال، بمعنى أن الساحر الأميركي وجد ان سحره الذي زرعه في مجتمعنا انتقل إلى داخله دون قدرة منه على منع هذا الانتقال أو وقفه... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .