العدد 2827
الإثنين 11 يوليو 2016
banner
الولاء المذهبي والولاء الوطني
الإثنين 11 يوليو 2016

من أعظم المآسي التي حلت بوطننا العربي وانتشرت بين أقطاره مأساة “الولاء المذهبي”، وساهم ما سُمي بالربيع العربي في رفع مؤشر الخطاب الطائفي الديني على حساب الخطاب الوطني، وكان الخطاب الطائفي المحرض الأكبر للجماهير التي انقاد بعضها خلف هذا الخطاب الذي لم يكن إلا بمثابة تصفية حسابات، والذي أجج كثيرًا الصراع الديني بين الأديان والصراع المذهبي في الدين الواحد. وكان الأجدر بهؤلاء الالتزام بالولاء الوطني والقومي، والاهتمام بقضايا بلادهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبموجب الخطاب المذهبي أصبح الصراع الطائفي الديني غاية تصب في مصلحة القوى المعادية للأمة العربية والولاء الوطني والقومي لها، فساهم في تأسيس نظام قائم على الطائفية كما هو الحال في العراق المُحتل من قبل واشنطن وطهران والغرب والعدو الصهيوني، وهؤلاء هم أعداء الولاء الوطني والقومي للأمة العربية الذين يعملون على نقل نموذج “النظام السياسي في العراق الحالي” إلى اليمن وسوريا والبحرين وأقطار الخليج العربي وإلى كل الأقطار العربية، وهم الذين يُنادون بالديمقراطية والحرية ومبادئ حقوق الإنسان من خلال دكاكينهم وأزلامهم المتواجدة في بلادنا وفي كل الأقطار العربية.
لم يحقق الذين تمسكوا بالطائفية أي شيء، فكان ذلك التمسك على حساب انتمائهم الوطني والقومي، وخسروا أواصر العلاقة الوطنية بينهم وبين بلادهم وبينهم وبين كل مكونات المجتمع، مما زاد من الاحتقان المذهبي على حساب الإصلاح الوطني، وتخلوا بموجب هذا التمسك عن المبادئ والقيم الوطنية العُليا، ولن تكون الغلبة الحقيقية يومًا للولاء المذهبي لأنه قائم على أسس خاطئة ولا تخدم أهداف أي مشروع إصلاحي، ولأنه كمتغير طارئ مفروض في ظروف زمانية ومكانية محددة وعابرة وغير ثابتة. فلتكن الحروب الصليبية الغربية ومحاكم التفتيش الأوروبية وما يحدث الآن في العراق واليمن وسوريا وليبيا أكثر عبرة لنا وبرهانًا بأن الطائفية عابرة ومؤقتة إلا أن الولاء للوطن هو الراسخ والثابت دائمًا.
إن الولاء الوطني يؤسس نظام دولة مدنية بتشريعات تستجيب لمصالح الناس والبلاد بكل فئاتهم وطوائفهم الدينية والمذهبية، ولاء تتساوى فيه حقوق وواجبات المواطنين جميعًا بما يُحقق المساواة والعدالة بينهم، وبعيدًا عن التصنيف الديني أو المذهبي، فالولاء الوطني ليس فيه أي استغلال لأية طائفة أو تهميش لفئة معينة، بل إنه يمثل المعادلة التي تضمن ممارسة جميع الحريات من حرية رأي وتعبير وحرية الحق بممارسة العبادة للجميع وتحت سيادة القانون وحماية من الحكومة. فالولاء الوطني يُحقق المساواة بين الجميع من دون المساس بالخيارات الدينية الروحية لأفراد المجتمع، بينما الولاء المذهبي لا يضمن للمواطنين حرية الاعتقاد الديني ويجتث كل الحريات الأخرى التي لا تتفق مع نهجه الطائفي.
وما يحدث الآن من فتن وصراعات بسبب إحلال الولاء المذهبي محل الولاء الوطني، وحتى نتخلص من هذه الفوضى السياسية على الدولة أن تمنع تأسيس الأحزاب الدينية السياسية من دون أن تحرم المواطنين من حقوقهم الدينية، فمبادئ الأحزاب الدينية السياسية مكبلة بأغلال مصالح الطوائف الدينية، وستكون هذه الأحزاب وسيلة الطائفيين للوصول إلى السلطة ومؤسساتها، وأن على مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني أن تعمل على غرس ثقافة الولاء الوطني، وتنمية ثقافة المواطنة وتأصيلها في المناهج التربوية والتعليمية. لقد حظيت مملكة البحرين بدستور يُقدم الولاء الوطني على حساب الولاء الطائفي، فجميع المواطنين في البحرين بطوائفهم الاجتماعية والدينية والمذهبية متساوون بموجب القانون، ولا تقاطع بين مصالح هذه الطائفة أو تلك، فجميعهم تجمعهم مصلحة وطنية واحدة، مصلحة البحرين وشعبها وما يربطها بعمقها العربي والإسلامي، وجميعهم شركاء مع قيادتهم السياسية في صياغة القرار الوطني.
استطاع المشروع الإصلاحي الوطني أن يكون الجامع بين مكونات الشعب البحريني، فجاء هذا المشروع كمنهج لحل جذري للمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها البحرين وشعبها، منهج وطني رافض لأن يكون للولاء الطائفي أي مقام على حساب الولاء الوطني، وأن تكون المشاركة السياسية ذات منهج وطني عربي قومي، منهج لا يُقسم الشعب على أساس ديني أو مذهبي. وراهن النظام الإيراني وأعداء البحرين على الولاء المذهبي ولكن الشعب البحريني العربي الأصيل تمسك بولائه الوطني وقيادته السياسية، ففشل ذلك الرهان الذي أعده الأعداء لتغذية الطائفية بين أبناء الشعب البحريني. ومن سوء حظ النظام الإيراني أنه مازال يراهن على أن البحرينيين سيتغلب عليهم الشعور الديني أو المذهبي على شعورهم الوطني، ولكن خاب ظن هذا النظام وسقط رهانه وأصيبت أحلامه في مقتل، وأمنيات النظام الإيراني في ذلك خيالية وأضغاث أحلام، فهو يجهل تمامًا ما هو الشعور الوطني لأنه يعيش في جحيم الطائفية. إن ما مرت به البحرين من أزمات وتحديات لم يزد المواطن البحريني إلا قوة ومنعة وتمسكا بحبل الوطن لنصرته، وعمل جاهدًا بجانب قيادته لنشر الثقافة الوطنية القومية بكل ما تعنيه من الارتباط بتراب البلاد وحماية حدودها الوطنية وتقديس سيادة الإرادة الوطنية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية