في بادرة غريبة عن المجتمع البحريني دعا البعض الى الامتناع عن الصلاة في المساجد والجوامع، وصدرت هذه البادرة الغريبة العجيبة ونحن نعيش في أجواء شهر رمضان المبارك الروحانية والمفعمة بالإيمان، والصلاة كما يعرف الجميع هي الصلة التي تربط الإنسان بربه، وهي علاقة روحية سامية إيمانية لا عادة إنسانية يقوم بها المسلم كلما شاء، فالصلاة تجمع الإيمان والخوف من الله والتقرب إليه، وليست مجرد حركات روتينية وكلمات يرددها مُقيمها دون إدراك أو معنى، بل هي علاقة تواصل واتصال مُستمر بين الله والإنسان. وهي علاقة حُب أيضًا بين إله مُحب وبين خلقه من البشر، خلقهم ولم يهمِل منهم أحدًا، بل اهتم بأدق تفاصيل حياتهم ومشاعرهم وأفكارهم، وبهذا الحُب يَعبدونه لأنه عظيم بخلقه وقدرته اللامتناهية، يستحق الحُب والعبادة، فأينما يوجد الحُب يوجد الله، فالإنسان الذي يَعرف حقيقة ربه يصبح أسير حُبه.
ولتحقيق أهداف هذه الصلة الحقيقية بين الإنسان وربه وضعت المساجد لتكون مكانًا لأداء الصلاة ولتكون الزاد الروحي للمسلم أثناء تأديته الركن الأول في الإسلام وعماد الدين “الصلاة”، والمسجد أيضًا يُمثل مدرسة يأخذ منها المُسلم علومه وآدابه، كانت المساجد بالأمس مدارس وجامعات لتلقين الدروس لمختلف العلوم والمعارف الدينية والدنيوية، ومكانًا للقضاء وإحقاق العدالة بين المتخاصمين، وكانت منطلقًا لمختلف شؤون حياة المُسلمين، ومن أرضها خرج الزحف العربي الإسلامي المُبين إلى الديار التي استنارت بنور الإسلام واهتدت لطريق الحق المستقيم. هكذا كانت المساجد بالأمس التي يسجد المُسلمون على أرضها حُبًا وتقديسًا لله سبحانه وتعالى.
ولنتساءل.. كيف يمكن أن تصدر تلك المبادرة غير الإيمانية بعدم الصلاة بمفردها أو بالجماعة في موضع من الأرض خُصص لأداء وقيام الصلاة، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِ). هذه المساجد الذي لا يستطيع أحد من البشر أن يمنع أيًا من المصلين من أدائهم صلاتهم في جميع أوقاتها، وقد فضلها سبحانه وتعالى وقدرها لفضلها ومكانتها، وذكرها في (28) آية في قرآنه المجيد، ومنها قوله تبارك وتعالى (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) (18) ــ الجن، كما رغب سبحانه في بنائها وعمارتها. لذا دعا الله إلى العبادة فيها وعدم تركها. وقد نهى سبحانه وتعالى عن تعطيل المساجد وعن منع الناس من ذكر الله فيها بقوله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خائفين لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (114) ــ البقرة. وجعل الدفاع عن المساجد وحمايتها مطلبًا من مطالب الدين في قوله تعالى (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً) (40) ــ الحج.
وفي مملكة البحرين تنتشر المساجد في جميع مناطقها ومدنها وقراها، وبفضل الرعاية الشاملة لها من القيادة السياسية فقد أخذت المساجد مكانتها الدينية والعناية ببنائها وجمال زينتها، ويتم تنظيم الأنشطة الدينية والمحاضرات والندوات والمسابقات تحت إشراف وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف. لذا، يجب أن تؤدي هذه المساجد رسالتها وتُحسِن في وصولها إلى الناس، والعمل على منع استغلالها ضمن أجندات سياسية مغرضة. فاستغلال المساجد لأغراض غير مباحة يتعارض مع أهداف ومبادئ وقيم الدين وأحكامه الثابتة، ولا يمكن لأي سبب من الأسباب منع الدور العبادي للمساجد، وتوفير أجواء الأمن في المساجد والجوامع يكون من قبل وزارة الداخلية التي تقوم بواجبها على أفضل ما يكون، فأبواب المساجد والجوامع في البحرين مفتوحة للجميع وتحت حراسة أمينة من قبل وزارة الداخلية وجميع منتسبيها، ولا يوجد أي تضييق أو منع للصلاة فيها، ووزارة الداخلية لن تدخر وسعًا في توفير الأجواء الآمنة، ولن تسمح لأحد بالمساس بقدسية دور العبادة وتعكير الصفاء الإيماني الروحي لشهر رمضان المبارك.
على المواطنين في هذا الشهر الفضيل الابتعاد عن كل مظاهر الدعوات الداعية لإبعادنا عن أجواء الإيمان والتسامح، والعمل جميعًا على غرس قيم الصفاء والنقاء في نفوسنا، والابتعاد عن شبكات التواصل الاجتماعي التي مساوئها أكثر من إيجابياتها، والعمل على نأي المساجد والجوامع والمآتم عن التسييس الديني والحزبي، وعدم استغلالها لممارسة أية نشاطات وفعاليات سياسية تتعارض مع رسالتها السامية ودورها الاجتماعي وخدماتها الثقافية والتربوية والإنسانية التي تأسست من أجلها، مما يُحقق لبلادنا ولنا الأمن والاستقرار والرخاء. وبدلاً من الركون إلى الافتراءات ودعوات التضليل علينا العمل على تحقيق التغيير الذي نريده وننشده ويتفق منهجًا مع مشروعنا الإصلاحي الوطني.