العدد 2749
الأحد 24 أبريل 2016
banner
رأي واقتراح... فيما يجري بين مجلس النواب الموقر والمغردين!
الأحد 24 أبريل 2016

التوتر في العلاقات الاجتماعية بين فئات المجتمع الواحد هو علامة سلبية ومؤشر خطير وحالة لا ينبغي أن تستمر أو يجري التصعيد عليها والاصطياد السياسي والحقوقي في مياهها العكرة. ونحن في البحرين ـ وللأسف الشديد ـ لا نحتاج مزيدا من معكرات المزاج الاجتماعي، أو مسببات التوتر والخلاف بين فئات وأطياف مجتمعنا، فهي كثيرة! ومتنوعة! وعجيبة! ولكن أعجب ما فيها هذا التوتر الجديد في العلاقة بين المجلس النيابي وجمهور المغردين! بل هذه الخصومة الشديدة التي وصلت حد تحريك الشكاوى بالعشرات من المجلس النيابي الموقر ضد عدد كبير من المغردين والمغردات، أو من يمكن أن نسميهم اليوم فرسان وفارسات الرأي البحريني العام!
ومن متابعتي هذه القضية، فاتوقع ـ إن استمرت وجرى التصعيد عليها ـ أن تخرج في تداعياتها خارج حدود البلاد؛ لأنها قضية رأي عام بالدرجة الأولى، وقضية حريات عامة بالدرجة الثانية، وقضية تواصل اجتماعي بالدرجة الثالثة، وهي ثلاثة ميادين ومجالات يكفي واحدها لفتح جبهات عديدة وتوجيه مؤشرات الإعلام والمنظمات الدولية علينا أكثر مما هي عليه الآن!
ولذلك، وحتى لا يقع الفاس في الراس، كما يقولون، وحتى لا نسكب اللبن ثم نعود نتباكى عليه، وحتى لا نفتح على أنفسنا بوابات جديدة للخلاف والاختلاف، فقد أحببت أن أدلي بدلوي في هذه القضية، من موقع المتابع والمراقب ثانياً وثالثاً، وقبل ذلك من موقع المواطن المسئول والمعني بمصلحة وطنه وأبناء شعبه أولاً.
فمن ناحية.. لا أعتقد أن ثمة فائدة وطنية أو حقوقية يمكن للمجلس النيابي الموقر أن يجنيها من وراء الدفع بأبناء وبنات محترمين لهذا الوطن وغيورين على سمعته وسمعة أهله ومؤسساته إلى المحاكم والنيابات العامة والتحقيق معهم في آراء ومواقف أستطيع أن أجزم وأنا بكامل الثقة أنها لم تكن بقصد إهانة المجلس أو نوابه أو الإساءة اليهم؛ لأنهم وببساطة شديدة لا مصلحة لهم في إسقاط أو تشويه إحدى أهم وأبرز مؤسسات وطنهم الذي يحبونه ويغارون عليه ويحرصون على عزته وكرامته؛ باعتبارها أساسا لعزتهم وكرامتهم.
وكان بإمكان المجلس الموقر أن يكون أكثر إيجابية وحصافة لو أنه قام بدعوة هؤلاء المغردين والمغردات؛ باعتبارهم من نشطاء الرأي العام، ومن الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع لانتخاب نواب المجلس، وتباحث معهم في الأمور التي تشغل بالهم وتستثير تعليقاتهم أو مواقفهم أو حتى عواطفهم الوطنية!
ولو أن المجلس الموقر فعل ذلك، لكان سجل لنفسه وتاريخه سابقة جميلة ورائعة، تختلف كثيراً عن السابقة التي سجلها لنفسه اليوم؛ باعتباره أول مجلس نيابي عربي وربما عالمي يحرك مثل هذا العدد من القضايا ضد مغردين ونشطاء رأي عام! وحتى الآن، لا يزال أمام المجلس الموقر فرصة واسعة جداً؛ كي يعود من جديد إلى أحضان المجتمع الذي انتخبه وافرزه واختاره عبر صناديق الاقتراع.
حتى الآن لا يزال وجداننا الوطني يؤمن أن اختياراتنا لهؤلاء النواب كممثلين لتطلعاتنا الوطنية لم تكن خاطئة، ولم تكن فارغة! وهذا بالطبع ما نرجوه فعلاً وقولاً وموقفاً، بل هذا ما نرجوه مبادرة وهمة وهيبة ومكانة، فكرامتي كمواطن بحريني لا تتعارض أبدا مع كرامة المجلس النيابي الذي يمثلني، ويجب ألا تتعارض، وموقفي يجب أن يصل بكل شفافية واحترام إلى المجلس النيابي الذي انتخبته، ومثلما احتمل للسادة نواب المجلس وأعضائه بعض الخروج عن المالوف والمستقر أحياناً، فإنني أتوقع منهم أن يحتملوا مني مثل ذلك لو حصل، وهذا ما أعتقد أنه لسان حال العديد من المغردين، بل الكتاب والصحفيين والمواطنين بشكل عام.
وإلا، فمن الذي وضع المجلس النيابي فوق النقد وفوق التعليق وفوق الانتقاد وفوق المساءلة؟! إن الديمقراطيات العريقة تعمل الآن على تثبيت حق الناخبين في مساءلة الذين ينتخبونهم، ومراجعة وعودهم وبرامجهم الانتخابية، وفحص ما عملوه في سبيل تحقيقها! كذلك تعمل الديمقراطيات العريقة والجادة على أن تبقى خطوط الشفافية وانسياب المعلومات مفتوحة تماما بين المجالس المنتخبة والقواعد الناخبة!
ونحن هنا لسنا في مجال مناقشة الحقوق والمسئوليات المتبادلة بين المجلس النيابي الموقر من جهة والمجتمع البحريني ـ أو فئة قليلة أو كبيرة منه ـ من جهة ثانية! بل إنني لا أريد أن نتحدث عن وجود جهتين متعارضتين أو مختصمتين؛ لأن النائب عندما يتم انتخابه يجب ألا ينفصل عن الجسم الذي انتخبه، وجاء به نائباً شعبياً وممثلا وطنياً.
والنتيجة التي نصل إليها من كل ذلك، أننا أمام قضية يمكن أن تكون صغيرة جدا على حساسيتها، ويمكن لنا أن نبقي عليها صغيرة ونعالجها بحكمة وحصافة، وهي لا تزال صغيرة وقابلة للمعالجة داخل غرف المناقشة والحديث المفتوح بين الطرفين وفي رحاب المجلس النيابي الموقر نفسه.
أما عندما نترك لها أن تكبر وتتضخم، فالعالم لن يرحمنا، والشامتون كثيرون وللأسف.. والذين يرقبون منا أية زلة كثيرون أيضاً، وقبل ذلك وبعده، هناك حساسية عالمية واستهداف دولي تجاه كل ما يتعلق بالحريات وأصولها وممارستها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهل من الحكمة أو الحصافة أن نضع أنفسنا في الموقع الأضعف على أرضية قضية محلية، بل أخوية وعائلية بكل معنى الكلمة؟!
إن لمجلس النواب البحريني كل التقدير والاحترام منا جميعاً كمؤسسة وطنية ذات مسئولية وهيبة ومكانة ودور وسيادة، ولكن هذه الخصوصية يفترض أن تضفي عليه حيثية أبوية راعية وصدراً يسع الجميع ومظلة تستوعب الكل، وللمغردين في البحرين دورهم وحقوقهم ومواقفهم التي لطالما وضعوها في خدمة البحرين وقضاياها. والمطلوب اليوم لم شمل مصادر القوة الوطنية وليس تشتيها، عداك عن تاجيج الخصومة بينها، وهذا ما نأمله من الإخوة في المجلس الموقر، ونتوقعه من المغردين، فكلنا أبناء للبحرين نلتقي لمحبتها ولا ينبغي أن نختصم في حبها!

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية