+A
A-

بوحسين: الضرائب التصاعدية الأنسب اجتماعيًا

البلاد - المحرر الاقتصادي
قال المحامي محمد رضا بوحسين إن الضرائب تعتبر إحدى الأدوات الرئيسة التي تستخدمها الدول كعنصر جوهري في بناء اقتصاد قوي متماسك يؤدي بشكل أساس إلى بنية اقتصادية تعزز الاستقرار السياسي والاجتماعي بالدولة، ويهدف في الأساس توظيفه لرفاهية المواطنين وتحسين مستوى الخدمات في مختلف القطاعات.

وأضاف قائلا: “إن فرض الضرائب في منطقة مجلس التعاون الخليجي يستدعي دراسة شاملة لإدارة هيكلية الاقتصاد وتعزيز وضع القطاع الخاص والتجارة الخارجية والاقتصاد الكلي، ذلك أن الضرائب تستخدم كأداة من أدوات السياسة المالية في التأثير بالإنتاج والاستهلاك والادخار، وجميع هذه العناصر كانت خارج دائرة الضرائب لعقود طويلة، مع الأخذ بالاعتبار أن معظم الدول العربية التي فرضت الضرائب وضعت بعض القواعد الحمائية أو المحفزة لحماية الصناعات المحلية”.
وذكر بوحسين “إن توجه دول مجلس التعاون لدراسة فرض ضرائب على الشركات والمؤسسات دون دراستها في إطار منظومة المجلس بشكل عام ودون أن يكون في إطار موحد من شأنه أن يؤدي إلى هجرة الاستثمارات إلى خارج منظومة المجلس.
وأضاف أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها دول المجلس عموما ومملكة البحرين خصوصا نتيجة نزول سعر النفط وعوامل اقتصادية تستدعي أن تكون فرصة لدول المجلس أن تقوم بدراسة معمقة استراتيجية لفرض الضرائب بأسلوب شفاف ومحكم ومحدد يعزز الاستثمارات والإنتاج المحلي؛ لخلق حالة من الاستقرار الاقتصادي الدائم، خاصة وأن فرض الضرائب أصبح مسألة تتعلق باتفاقات والتزامات دولية وتعقبها دول مجلس التعاون بمنظمة التجارة العالمية وغيرها.
واستدرك، يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار خصوصية اقتصاديات دول المجلس والتفاوت الاقتصادي والمالي والاحتياطي المالي بين دول مجلس التعاون، ووضع تشريعات تحدد أنواع الضرائب، بصياغة تشريعية تحدد أنواع الضرائب وماهيتها ونوعيتها وقيمتها ومواعيد جبايتها وكيفية تحصيلها وموارد صرفها وتوظيفها بشكل واضح وصريح.
وقال: إن الدافع الحقيقي لهذه الخطوة (فرض الضرائب) هو حالة عدم الاستقرار التي تسود الاقتصاد العالمي منذ العام 2008 - وقد يكون نزول أسعار النفط قد شكل مدخلاً جيداً لتنفيذ هذه الخطة - مما جعل دول مجلس التعاون تتوجه إلى مزيد من التحوط من خلال تعزيز قيمة الناتج الوطني من مصادر أخرى غير النفط أو المصادر الأخرى التي شكلت روافد هذا الناتج خلال العقود الماضية، خاصة بعد التلاشي التدريجي لمداخيل الجمارك، التي كانت تشكل مورداً مهماً للاقتصاد الوطني بعد توقيع العديد من دول المجلس لاتفاقات التجارة الحرة مع العديد من دول العالم بما في ذلك توقيع اتفاقات منظمة التجارة العالمية والمناقشات التي دارت بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي بخصوص النفط فيما يتعلق بالضرائب بخصوصها.
وأوضح بوحسين قائلا “إن إيجاد نظام تشريعي للضرائب وتنظيمه يفترض أن يراعي العدالة الاجتماعية بالمقام الأول والقوة الاقتصادية فيما يتعلق بالشركات، على أنه يتوجب فرضه على جميع الشركات الأجنبية والوطنية على حد سواء دون تمييز وفق أطر وقواعد محددة يتم فيها وضع المحفزات والاستثناءات المشروطة، وإلا أدى التمييز في فرض الضرائب بين الشركات الأجنبية والمحلية إلى هجرة الشركات الأجنبية التي قد يكون بعضها له دور نوعي على مستوى القطاعات الصناعية و الاقتصادية الوطنية”، مشيرا إلى أن ضريبة الدخل على الشركات التي يتم الحديث عنها بالتزامن مع ضريبة القيمة المضافة هي نسبة يتم الاتفاق عليها من أصل الربح الصافي للشركة بعد احتساب المصاريف والتكلفة وتدفع للدولة سنوياً.
وأوضح أن خشية المجتمع والقطاعات الاقتصادية الخليجية التي ظهرت إثر إعلان حكومات دول مجلس التعاون عن نية إقرار ضريبة القيمة المضافة، هي خشية مبررة لعدد من الأسباب:
1 - التركيبة الاقتصادية وميزان التجارة الخارجية لدول المجلس.
2 - ثقافة المنطقة تجاه الدور السياحي للدولة ومؤسساتها ومن ضمنه فرض الضرائب لم تتضح بعد، ولازالت تحت تأثير المفاهيم المتوارثة عن الضرائب كونها تسطوا على مدخراتنا ومداخيلنا بمعزل عن إرادتنا، ولم نصل بعد إلى مرحلة تتكامل فيها كافة مكونات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية في إطار الالتزام بالهم العام الذي تعبر عنه الدول بما تقدره من سياسات وقرارات ومن ضمنها ممارسة حقوقها بفرض وتحصيل الضرائب لتمويل نشاطاتها ومشاريعها التي تعود بنتائجها الايجابية على المجتمع.
3 - أما المبرر الآخر لهذه المخاوف فهو القلق على زخم الاستثمار الأجنبي في دول مجلس التعاون الخليجي الذي يشكل نسبة من الموارد الوطنية والناتج المحلي بكل بلد.
4 - أما المبرر الأخير لهذه الخشية على مستوى القطاع الاقتصادي والاجتماعي هو عدم وضع إطار تشريعي تنظيمي ورقابي واضح لأوجه صرف إيرادات الضرائب وتوظيفها بالبنية التحتية والخدماتية للأفراد والقطاعات الاقتصادية والصناعية.
وأضاف بالقول “أما بالنسبة للاستثمارات الخارجية وللشركات الأجنبية العاملة في الأسواق الخليجية، فإنه يمكن وضع بعض الضرائب المحددة التي يمكن من خلالها تحويل النظام الضريبي الموعود من عامل يهدد مستقبل الاستثمار والنشاط الاقتصادي الأجنبي إلى عامل جذب يعزز هذا الاستثمار ويزيد من تشجيعه، مسترشدين في ذلك بتجارب العديد من الدول بهذا الخصوص، ومنها تجربة هونج كونج وسنغافورة وبعض دول شرق آسيا، حيث لم تتأثر الاستثمارات الأجنبية في أسواقها بالضرائب المفروضة على دخل الشركات لأن كل عوامل الجذب بالمقابل وفرتها الحكومات، خاصة وإن ريع الضرائب تم توظيفها لزيادة إيرادات هذه الشركات من خلال الخدمات والتسهيلات النوعية التي توفرها الدولة لدعم هذه الشركات ولتحقيق هذا العامل، على دول مجلس التعاون الخليجي أن تبدأ بحوار شامل وعميق مع ممثلي القطاع الخاص، سواء كان محلياً أو أجنبياً، لوضع الأسس السليمة لنظام ضريبي يحقق الفائدة للجميع في حال تطبيقه، فكما يسهم القطاع الخاص في تنشيط دورة الاقتصاد الوطني، فإن الدولة بالمقابل عليها أن تسعى وبكل جهد نحو توفير مناخ مثالي للاستثمار سواء بالتشريعات والقوانين الملائمة التي تخدم مصالح القطاع الخاص، أو من خلال تهيئة بنية تحتية متطورة تجعل النشاط الاقتصادي أكثر قوة واستقرار.
إن الحوار المقترح مع ممثلي القطاعين العام والخاص، سيجعل من الجميع شركاء لهذا القرار بعد أن يكون قد استوفى شروط تحقيق المصلحة العامة والخاصة في إطار تكامل وانسجام بين شق المصلحة العامة والخاصة وليس في إطار التعارض بينهما.
أما بالنسبة لمواطني مجلس التعاون الخليجي فإننا بحاجة إلى إعادة صياغة ثقافتنا تجاه حقوق الدولة السيادية من ناحية، ومراجعة سلوكياتنا المالية من جهة أخرى، إذ فرض الضرائب يعتبر أداة لضبط السلوكيات لتتيح للمستهلك تجنب اتخاذ قرارات استهلاك غير رشيدة، وإن فرض الضرائب أصبح مطلبا وتوجها دوليا لتقريب الفروقات بين المجتمعات في إدارتها لرؤوس الأموال. يضاف إلى ذلك، أن على المواطن الخليجي أن يعي رقابته على أن يكون صرف موارد هذه الضرائب تخصص حداً لدافعي الضرائب، كل في قطاعه (الاجتماعي، والاقتصادي، والصناعي، والتجاري).
فالضرائب التي يدفعها المواطن هي استثمار بعيد المدى في الوطن، وعائدات هذا الاستثمار على المواطنين يجب أن تكون مباشرة وملموسة وتمس حاجاته الأساسية المتمثلة في استدامة الخدمات النوعية واستمرارها والتوجه الحكومي نحو مشاريع البنية التحتية لرفاهية المجتمع والقطاع الاقتصادي.
وبخصوص آثار الضرائب فذكر بوحسين أن الاستثمار يعتمد بشكل أساس على مستوى الادخار في الاقتصاد، فالضرائب الموجهة للمدخرات ستعمل على تقليل التمويل اللازم والمتاح أمام المستثمرين، ومن جهة أخرى فإن فرض الضرائب على أرباح الاستثمارات سوف يقلل من جاذبية هذه الاستثمارات فيؤدي إلى اتجاه المستثمرين إلى تلك الاستثمارات التي لا تدر دخلاً نقدياً مباشراً من أجل تقليل التزاماتهم الضريبية، وتقوم العديد من الدول النامية بإتباع ما يسمى “بالحوافز الضريبية” والتي تهدف إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية وتشجع رؤوس الأموال المحلية لاستثمارها وتوظيفها في الاقتصاد الوطني المحلي.
كما سيكون هناك أثر على الادخار والاستهلاك أو يمكن تقليل هذه الآثار من خلال فرض الضرائب التصاعدية بدلاً من الضرائب التنازلية، لتجنب العديد من الآثار السياسية والاجتماعية والاقتصادية على مستوى الأفراد اجتماعياً أو على القطاع الاقتصادي ذلك أن الناتج المحلي سيتأثر بالواقع الضريبي من خلال تأثير الضرائب على الدخل الشخصي والاستهلاك والادخار والاستثمار والطلب الكلي في الاقتصاد، ومثله سيكون على أثر الأسعار.
إلا أن جميع هذه الآثار يمكن التخفيف منها وتجنبها بوضع قوالب محددة وقواعد واضحة وتشريع يتلاءم مع المنظومة الاقتصادية لدول مجلس التعاون والفترة الانتقالية للاقتصاد.

التوصيات:
- على دول مجلس التعاون الخليجي أن تقوم بإعادة هيكلة الواقع الاقتصادي والإداري بالدول المعنية بما يتلاءم مع مرحلة اقتصاد الضرائب، إذ يمكن أن تجمع دول المجلس إيرادات كبيرة من خلال الضرائب دون فرض أعباء كبيرة على ذوي الدخل المتوسط، وأن يتم توظيف عائدات هذه الضرائب على المواطن والقطاع الصناعي والاقتصادي بما يعود بآثار إيجابية اجتماعية واقتصادية تعزز الاستقرار السياسي بالمنطقة.
- أن يتم وضع نظام ضريبي ذو شفافية يتميز بموضوع الضريبة وثباتها ويقلل من التغيرات المفاجئة في النظام العربي، على أن يتضمن هذا النظام قواعد تحفيز ضريبي وبعض القيود التي من شأنها الانتقال بالقطاعات الاقتصادية والمجتمع إيجاباً إلى مرحلة أكثر انتاجية ورفاه واستقرار.
- أن يتم إعداد وصياغة قانون ضريبي يأخذ بعين الاعتبار خصوصية الواقع الاقتصادي في دول مجلس التعاون والتوجه الدولي والاتفاقات الدولية المتعلقة بالنفط والقطاعات الاقتصادية العاملة بمجلس التعاون الخليجي.
- أن يكون النظام الضريبي ذو صياغة واضحة ومحددة فيما يتعلق بنوعية الضريبة وطريقة ومواعيد تحصيلها وضوابط قواعد التحفيز ونسبتها والملتزمين بسدادها قانوناً، على أن يتضمن هذا النظام أوجه صرف واستثمار هذه الضرائب.
- أن النظام الضريبي، هدفه دعم السياسة المالية في الدولة ومرتبط هذا الهدف وجوداً أو عدماً بتحقيق أكبر قدرة ممكن من الرفاه للمجتمع ودافعي الضرائب وتعزيز القطاع الاقتصادي وقدراته وكفاءته.
ولما كانت أموال الضرائب هي استقطاعات من مداخيل الأفراد والشركات، فإن ذلك يستدعي أن يتم تخصيصها لصالح المجتمع والشركات، وبالتالي يفترض أن تبين القواعد التشريعية بوضوح عائدات هذه الضرائب وتحدد أوجه الرقابة عليها من جهات مستقلة، ويتم تخصيص وتوجيه هذه الضرائب بإعادة استثمارها وتوظيفها لدافعيها.