العدد 2737
الثلاثاء 12 أبريل 2016
banner
ريجيني الإيطالي وريجيني المصري
الثلاثاء 12 أبريل 2016

ما بين جوليو ريجيني الإيطالي المقتول في الطريق الصحراوي شمال القاهرة وعادل عوض الملقب بـ”ريجيني المصري” المختفي في إيطاليا منذ أكتوبر الماضي.. قصص وأساطير، مؤامرات، وحكايا، عصابات منظمة لقتل الأجانب، وتصريحات من مسؤولين “غير مسؤولين” واعتداءات أوروبية على استقلالية دولة عربية، نيابات عامة تختلف على ما تتفق عليه، وتتفق على ما لا يمكن الاتفاق بشأنه، حرب تصريحات وضغوطات وتدخلات غير قانونية وغير دستورية في التحقيقات الجنائية، أزمة دبلوماسية تفضي إلى سحب السفير الإيطالي من القاهرة، في حين أن السفير المصري في إيطاليا مازال يسأل: “هو في إيه بالضبط”!
كل ذلك وأكثر منه حدث بين الجانبين الإيطالي والمصري عندما فتح الطرفان الملف “بجدية” وأصبحت ثقافة “غض الطرف” غير معترف بها حين تصبح حياة المواطن جزءًا لا يتجزأ من أمن الوطن.
الجانب المصري تعامل في بداية الأزمة بـ”استخفاف” و”محلية”، لم يدرك أن الإيطاليين لا يتهاونون في حق أو مصير أو حياة أية حشرة على شجرة، فما بالك بمواطن مكتمل الأهلية وكامل الدسم، له أصل وفصل وشجرة عائلة وحقوق وسجل ولادة، وما بالك بمواطن أوروبي يمتلك من المؤسسات والمنابر وقوى الضغط الفاعلة ما تجعله ينام مستريحًا، مطمئنًا على أقاربه ومصالحه وصداقاته و”الجيرل فرند” وهو في عمق أعماق قبره.
اختلافٌ وتناقضٌ بيِِِِّنٌ بَيْن الثقافتين، المصرية باعتقادها أن تعذيب الأرنب كي يعترف بأنه أسد هو أفضل الوسائل لكتابة محضر التحقيق، والإيطالية باحترامها لحقوق الإنسان وصون كرامته وحماية مقدراته حتى لو كان الانشغال الهستيري بكرة القدم أعلى صوتًا وأبعد أثرًا وأكثر إيثارًا.
هم يعتبرون “شهيدهم” ريجيني بطلاً قوميًّا لأنه اختفى على حين غرة في بلاد تختلط فيها المفاهيم الوطنية بالحقائق الإنسانية، ونحن ننظر للعملية برمتها على أنها مؤامرة دولية على مصر لإبعاد “إيني” الإيطالية عن استخراج كنوز الغاز من أكبر حقل في البحر المتوسط.
ما بين ريجيني المصري الملقب بـ”عادل عوض” وريجيني الإيطالي المعروف بـ”الباحث الشقي” اختلاف ثقافات، وتناقض تصريحات، وغموض يرتقي إلى حد “الملابسات” و”الملاسنات، الإيطاليون الذين ردّوا على المصريين بسرعة وجرأة ودقة وموضوعية بشأن المواطن المصري المختفي في بلاد الرومان، لم يقبلوا ردود المصريين عندما تلعثموا وترددوا ولفقوا الحكايات وضربوا أخماسًا في أسداس وهم يقدمون تقاريرهم المشكوك في صحتها عن مواطن أوروبي تم قتله عمدًا على أرض الكنانة.
فرقٌ كبيٌر بين كلام النيابة والدبلوماسية المرتعشة في مصر بشأن نسب التوافق التي تراوحت بين 90-98%، مع الجانب الإيطالي حول مصيبة “ريجيني”، وكلام الإيطاليين الذي ينفي أي توافق مع الجانب المصري خاصة بعد أن رفض الأخير توفير سجلات المكالمات الهاتفية لمواطني منطقة الدقي القاهرية، فرق كبير بين دولة مؤسسات ودولة “تربيطات” بين بلاد الفن والصناعة والعمارة والرياضة وسيادة القانون والموضة، وأخرى نسيت أسبقيتها في كل هذه المناحي ولم تحمل من ذاكرتها الحاضرة سوى “النكات” والقفشات في قضايا بالغة الدقة والحساسية والجدية.
على أية حال فإن الثابت من التحقيقات والاحتدامات أن ريجيني الإيطالي مات مقتولاً في مصر، وأن ريجيني المصري لم يتم حتى اللحظة إثبات أي مصير له بين لوحات “دافينشي” التاريخية وتصميمات جورجيو أرماني الآزورية وأقدام باولوروسي الذهبية وحيل المافيا الإيطالية.
بين ريجيني الإيطالي وريجيني المصري فرق حضاري وعمق ثقافي ونظام حياة، فهل يلتقي الضحيتان على طاولة مفاوضات واحدة؟ لا أظن حيث الأحداث أسرع من التوقعات والملابسات أكبر من العلاقات، وما خفي كان أعظم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .