العدد 2735
الأحد 10 أبريل 2016
banner
المشهد المحذوف من عمومية “الغرفة”
الأحد 10 أبريل 2016

لم يكن في الإمكان أسوأ مما كان، لم يكن في الإمكان الأسوأ، هكذا ردد التجار وهم يغادرون اجتماع الجمعية العمومية السنوية لغرفة تجارة وصناعة البحرين الخميس الماضي.
هكذا وصفوا مشهد الفوضى وهو مستلق على شاشة عرض استثنائية، ملقياً بألفاظه النابية، وصرخاته المدوية على مسامع الجميع، وملوثاً سماء القاعة الفسيحة في بيت التجار بأدخنة الخلافات وأصابع الاتهامات، ودبيب المشاجرات.
أصدقاء الأمس الذين هم أعداء اليوم والعكس بالعكس، يدعون أنهم نسوا أو تناسوا ما حدث أثناء ماراثون الصراع في انتخابات مارس 2014، وأنهم فتحوا صفحة جديدة مع بدء الدورة الحالية لمجلس إدارة الغرفة، اختفت “معكم” وأخواتها في صميم نسيج “البيت العتيق”، وظهر على السطح “فقط” رجال يقولون ما لا يفعلون، فلأول مرة وضمن مداولات الجمعيات العمومية بالمملكة يصبح التلاسن بالأيدي ظاهرة، والاشتباك بالنوايا سمة، والرجم بالكلمات ترحيباً وتحية.
لأول مرة في تاريخ “شارع التجار” يطيح “البعض” بالإرث الأخلاقي لكيان تفوق في غرس القيم والتقاليد الأصيلة، لم يصدق الكثيرون مشهد أحد الأعضاء وهو يهبط من أعلى القاعة مهاجما زميله المختلف معه، صارخاً في وجهه ومسدداً إليه أعنف الكلمات وكان الخوف كل الخوف من “أعنف اللكمات”.
لأول مرة يتطاول هؤلاء “البعض” على شخص رئيس الجلسة “الشرعي” خالد بن راشد الزياني، ولأول مرة يكيلون إليه الشتائم والتهديدات قائلين له بالحرف الواحد: “انزل يا رجل” وجودك على المنصة باطل.. باطل” فيبادلهم الرئيس “المؤقت” “التحية” بـ”أعنف منها”: “بره اطلعوا بره”.. واستدعى رجال الأمن ليخرجوهم من القاعة “التاريخية”.
ذلك كان بمثابة مشهد وحيد من مشاهد المعركة، فلا “التشكيلة” الحالية لمنظومة المناصب في “المجلس” ولا شقيقتها السابقة كانت حسب الأوراق والترتيبات والمواقف المتباعدة هي مربط الفرس، لا هيئة المكتب غير المأسوف على رحيلها، ولا الأخرى “المنقلبة” على أسلافها هي التي دفعت بالدراما إلى مجرد اجتماع عادي لجمعية عمومية أقل من العادية.
جدول الأعمال الذي اكتفى بأربعة بنود فقط بعد استبعاد “ما يستجد” يؤكد على هذه الديباجة المترددة، ونحن في مطلع قراءة قد تكون مرتعشة “إلا قليلاً” فلا الأسباب الوجيهة للشحن والتطاحن ظلت وجيهة، ولا النتائج المخيبة للآمال، من الممكن لها أن تظل هكذا.. مخيبة للآمال.
يقال: عندما تسيل الدماء لا يمكن التمييز بين المنتصر والمهزوم، بين الغنائم والجثث، أو بين السبايا ونساء القصر.
لذلك ومهما هلل البعض لـ”البعض” الانتصارات، ومهما كانت الدموع العزيزة - عزيزة - وترفض الانهمار في وضح النهار فإن الهزيمة الحقيقية كانت لغرفة التجارة والصناعة، كانت للشارع التجاري ولقطاع التجارة بأكمله.
الممثل الشرعي والوحيد للقطاع الخاص يا جماعة الخير لا يمكن إلا أن نصفه بالرجل المريض، هو نفسه الكيان الذي لم يتحرك له ساكنا طوال سنوات “غير معدودة” إزاء العديد من القضايا المفصلية التي يعاني منها التجار، أبسطها وأكثرها حتمية مساهمة القطاع الخاص في القرار “الرسمي” الذي يصدر من جهات “غير معنية”.
آخرها وأعلاها ضجيجاً هو القانون الجديد لـ”الغرفة” بتكريسه تبعيتها لوزارة التجارة، وفي ظني أن الوزارة وحتى الوزير معذوران، وأن الوزارة وكذلك الوزير مضطران للتدخل من أجل وقف نزيف الأخلاق، بصرف النظر إذا ما كان هناك تشريع حاكم أو قانون ملزم أم لا؟
في العديد من المفاصل والمفترقات لم يستمع رموز “الغرفة” لنصائح رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان حفظه الله ورعاه، حاول سموه تقديم النصح والرأي السديد لهم، بالتوجيه تارة والتلميح تارة أخرى، اتفقوا يا رجال على كلمة سواء، لكنهم وضعوا أذناً من طين وأخرى من عجين واستمروا في غيهم “تنافس وتطاحن، وتغاضٍ” عن العمل بالنصيحة.
النتيجة المتوقعة لم تكن أبداً أكثر سلاماً مما حدث، ولن تكون أكثر صرامة في مواجهة القضايا الحقيقية للاقتصاد، فالفريق الذي يعتاد أنه يزيح آخر، والآخر الذي يُزاح ومازالت لدية خلايا نائمة، ونوايا عائمة، وقوى ناعمة داخل وخارج “الإطار”، لن يسمحا لكائن من كان أن يجلس مستريحاً في مقصورة القبطان ولا حتى على مقاعد مساعديه.
القضية يا أعزائي أكبر من مجرد رئيس “غائب أو حاضر” ، وأعمق من نائب أول يرأس اجتماعاً “عاديا” بالإنابة، أو هيئة مكتب تضم من الأسماء أكثر مما تحوي من العمل الدؤوب لتحقيق الأماني والتطلعات، إنها يا أعزائي كارثة حلت بأعرق غرفة تجارة في منطقة الخليج، والمصيبة ألا تجد تلك “الغرفة” لنفسها مكاناً لائقاً بين الناس، حيث إنها تضم فرقاً مع كامل الاحترام والتقدير لها، لا تدرك كيف ولماذا ومن أين وإلى متى ستظل في هذا الكيان تابعة لأشخاص ولا تعرف على أي أساس!

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية