العدد 2728
الأحد 03 أبريل 2016
banner
الإرهاب والكلام
الأحد 03 أبريل 2016

بعد كل تفجير إجرامي وعمل إرهابي يضرب أي ركن من أركان الغرب يثور الجدل حول الأسباب، وتوجه أصابع الاتهام مباشرة نحو المسلمين للبحث عن حلول سهلة وجاهزة باستمرار في مثل هذه الأحوال ربما لوجود قناعة بالفعل بأن المسلمين هم مصدر مثل هذا النوع من البلاء الذي ابتلي به المسلمون قبل غيرهم، وربما لتخفيف الضغوط على رجال الأمن كي يقوموا بعمليات البحث والتحري الحقيقية بعيدًا عن هذه الاتهامات التي تسوق للرأي العام لتهدئته.
ولكن هذا لا ينفي أن هناك من يحاول البحث بجدية في الظروف الموضوعية التي تؤدي للإرهاب الذي يستهدف أوروبا، ومن بين هؤلاء ميريام غونزاليس - وهي مستشارة سابقة للشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي - التي كتبت مقالا بصحيفة ديلي تلجراف عزت فيه مثل هذا الإرهاب أو ما سمته بازدهار آيديولوجية الشر إلى القرارات السياسية الخاطئة، فهي وإن اقرت بأن وحشية بعض المجرمين الذين تحركهم آيديولوجيا الكراهية السبب الرئيسي للإرهاب، إلا أنها أكدت أن بعض القرارات السياسية ومن بينها قرار غزو العراق وقرار عزل سوريا هي التي سهلت لأولئك الإرهابيين إقامة قواعد جديدة ينظمون هجماتهم من خلالها.
معنى ذلك أن الإرهاب في جزء كبير منه كان نتاج سياسات غربية وقرارات غير صحيحة اتبعها الغرب تدور حول دولنا وتتعلق بمنطقتنا دون أن يتحرك الغرب لمعالجة تداعيات هذه القرارات أو وضع حد لتأثيراتها وهو بإمكانه ذلك لكنه لم يكن يملك الرغبة في الفعل ربما لأن ما حدث من خراب وتدمير في أرجاء كبيرة من عالمنا العربي كان هدفًا سعى له ونجح في تحقيقه أو لأنه كان بعيدًا عما يحدث من إرهاب وعنف وتطرف متعدد الأشكال ومتنوع الأهداف.
ورغم أن الولايات المتحدة الأميركية هي اللاعب الدولي الرئيسي في كل ما يحدث في هذا العالم إيجابًا أو سلبًا إلا أن دورها في ميدان مواجهة الإرهاب يكاد يكون مقصورًا على بعض التصريحات “النارية” والتوجيهات الرئاسية التي تخرج عن الرئيس أوباما وتكتسي بالحكمة والموعظة الحسنة لكنها تفتقد جدواها الموضوعية وتأثيراتها العملية.
هذا ما اعترفت به صحيفة وول ستريت جورنال في مقال نشرته مؤخرًا أشارت فيه إلى أنه كلما نفذ “إرهابيون” هجوما ما، يحرص الرئيس أوباما على الخروج للناس ليلقي محاضرة ولا يذهب لأبعد من ذلك.
وفي تفسيرها لهذا الموقف من أوباما، تؤكد الصحيفة أنه ليس لديه إرادة سياسية ليقود حربًا حقيقية ضد الإرهاب، وأن هناك تناقضًا بين تصريحاته وبين الواقع الفعلي، حيث إنه على سبيل المثال وفي محاولته لتطمين الأميركيين بعد تفجيرات بروكسل، أفاد في حديث إذاعي له أن الإدارة الأميركية تحرز تقدما في مكافحة تنظيم داعش الإرهابي، ولكن جاءت تفجيرات لاهور في باكستان لتؤكد عدم صحة ادعاءات أوباما.
النقطة الأخطر فيما ذهبت إليه وول ستريت جورنال هي تأكيدها أن أميركا قادرة على هزيمة داعش وبشكل كامل وتمتلك من الإمكانيات المادية والعسكرية التي تمكنها من ذلك، ولكن أوباما لا يملك الإرادة السياسية لخوض حرب حقيقية ضد التنظيم بما يؤدي للقضاء عليه، وأنه لا يزال يفضل سياسة احتواء هذا التنظيم أو شن غارات جوية ودعم قوات محلية برية على أقصى تقدير دون تدخل عسكري مباشر وذلك على خلاف الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الذي كان يضع الأمن القومي في المقام الأول ولا يهتم بتحسين شعبيته أو تلميع نفسه كما يفعل أوباما على حساب أمن بلاده.
ولهذا، يطالب الكثيرون الرئيس أوباما بأن يكون صريحا مع شعبه وهو يتحدث عن تطورات المواجهات بين بلاده ضد داعش، وأن يتخلى عن هذا الغموض والخداع الذي يمارسه منذ بدء الغارات الجوية في العراق وسوريا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية