العدد 1637
الإثنين 08 أبريل 2013
banner
أحمد قذاف الدم... وعظمة القضاء المصري
الأحد 05 مايو 2024

خلال الأسابيع الماضية تداولت وسائل الإعلام قضية الليبي أحمد قذاف الدم أحد أركان نظام العقيد معمر القذافي، منسق العلاقات المصرية الليبية قبل سقوط ذلك النظام.
قذاف الدم ظل مقيما بمصر بعد سقوط النظام الليبي خوفا من المطاردات أو القتل على أيدي الثوار كما حدث لرأس النظام الرئيس معمر القذافي، حيث قام الثوار بقتله ولم يقدموه للمحكمة لتفصل في أمره.
وكانت الحكومة الليبية على مدى أشهر قد طلبت من مصر تسليم قذاف الدم لمحاكمته على أراضيها، فثارت ضجة كبيرة في وسائل الإعلام العربية، خاصة المصرية والليبية، وحاول محامي قذاف الدم إثبات أن قذاف الدم يحمل الجنسية المصرية على اعتبار أنه ولد في مصر وعاش فيها وهو في عمر صغير، ولكن هذه المحاولة لم يقدر لها النجاح.
وفي ظل التقارب بين الحكومتين المصرية والليبية وسعي مصر للحصول على مواد بترولية من ليبيا تساعدها في حل أزمة الوقود الخانقة، ظن الناس أن قذاف الدم حتما سيذهب إلى حبل المشنقة وأن تسليمه للسلطات الليبية ما هي إلا مسألة وقت.
ولكن القضاء المصري الشامخ أثبت من جديد أنه عظيم وأنه ليس طرفا على الإطلاق في أي صراعات أو مواءمات سياسية ونطق بما يمليه عليه القانون والضمير وقضى بعدم تسليم الرجل إلى بلده التي يمكن أن يلقى حتفه فيها دون أن ينال محاكمة عادلة.
محكمة القضاء الإداري المصرية استندت في حكمها إلى حيثيات عديدة تتصل بنصوص في الدستور المصري ونصوص في الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الدولة المصرية، خاصة اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين الموقعة في جنيف، والتي حظرت طرد اللاجئ أو رده إلى الحدود أو الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددة فيها، بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه أو آرائه السياسية.
ولكن أكثر ما لفت نظري فيما قالته المحكمة في حكمها هو أن المصريين دولة وشعبًا ضرب بجذور حضارته في أعماق التاريخ على مر العصور خير الأمثلة في إجارته للمظلوم وإغاثته للملهوف متى لجأ إلى مصر طالبًا الأمان، وذلك أيًّا كانت جنسيته أو ديانته أو ثقافته أو عرقه أو لغته أو انتماؤه السياسي. واستندت إلى أحكام الشريعة الإسلامية التي أمرت المسلم إذا استجار به أحد المشركين أن يجره، فقد أوجب المولى عز وجل على المسلم أن يجير غير المسلم حتى يبلغ مأمنه، وبالتالي فإن الأمر أولى مع المسلم.
عندما قرأت هذه الحيثيات قلت لنفسي إن مصر لن تسقط أبدا طالما أنها تمتلك قضاءً على هذا المستوى، وأن القاضي المصري سيظل نموذجا للاحترام والعدل مهما كانت نوعية القضية المنظورة أمامه.
وازداد يقيني من جديد أن الدول لا تسقط إلا إذا أسقطت قضاءها وشككت فيه وأهانته، وتذكرت قصة جميلة حكيت عن القضاء الانجليزي عندما قامت القوات العسكرية البريطانية بالاستيلاء على قطعة أرض يملكها أحد المواطنين واستخدمتها لتدريب الجنود، ولكن المحكمة حكمت بتمكين هذا الرجل من أرضه، وعندما حاول البعض المراوغة على اعتبار أن البلاد في حالة حرب، قال الرجل مقولة صارت حكمة ومثلا: لإن تهزم انجلترا في الحرب خير من أن يقال إنها امتنعت عن تنفيذ حكم قضائي”.
يبقى أن أقول إنني لم أكتب هذه الكلمات دفاعا عن قذاف الدم، فالله ثم القاضي أعلم بما له وما عليه، ولكنني أردت تسجيل لحظة استثنائية تجلت فيها شجاعة وعدالة القاضي الذي لا يخشى إلا الله، خاصة وأن قذاف الدم قد اختصم في هذه القضية رئيس جمهورية مصر العربية، الدولة التي تأويه في هذه اللحظة، هو ورئيس الوزراء والنائب العام.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية