العدد 1449
الثلاثاء 02 أكتوبر 2012
banner
المديرون وأبوابهم الموصدة
الأحد 05 مايو 2024

أعجبني جدا التعليق الفريد من نوعه الذي أطلقه سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على التويتر، عندما قال إنه مر على إحدى الدوائر الحكومية بشكل مفاجئ فتعجب من كثرة المديرين خلف الأبواب المغلقة، فأمر بنجار فقام بخلعها كلها.
إنه تعليق موجز جدا ويشبه في سخريته تعليقات الكاتب المصري الساخر أحمد رجب، صاحب النصف كلمة التي نعرفها جميعا منذ سنوات طويلة، ولكنه يحتاج إلى كتاب كامل لكي يشرح ما تضمنه من معان ودلالات.
فالأمة العربية كلها تعاني بالفعل من كثرة المديرين القابعين دوما خلف طاولاتهم منعمين في مكاتبهم الوثيرة ولا يفعلون شيئا مفيدا رغم أن مصالح الناس معطلة بسبب أبوابهم الموصدة في وجوهم.
لقد سبق للشيخ الساخر عبدالحميد كشك رحمه الله أن وصف هذه الحالة العربية العجيبة للمديرين الذين يستحيل على الناس الوصول إليهم بسبب أبوابهم المغلقة، وبسبب الطابور الطويل من الموظفين والسكرتارية الذين يحولون بين المواطن المسكين وبين المدير الكبير ويسألونه مئة سؤال عن سبب زيارته ثم في النهاية يقولون له إن السيد المدير الكبير لديه اجتماع مع المدير الأكبر منه أو مع الوزير.
الشيخ عبدالحميد كشك قال إن كل مدير كبير يضع على بابه المغلق سكرتيرا، ثم بعد السكرتير سكرتارا، ثم بعد السكرتار سكرتورا، ثم بعد السكرتور شاويشا ذو ثلاثة أشرطة، ثم بعد الشاويش عريف بشريطين، ثم بعد العريف جندي أملس الكتفين لا شيء عليه.
فكيف للمواطن المسكين أن يصل إلى المدير وكل هؤلاء يسدون عليه الطريق ويسألونه عشرات الأسئلة؟
وكأن منصب المدير قد تم ابتكاره من أجل الراحة والاسترخاء والانفصال عن الناس بعد سنوات من العمل قضاها هذا المدير أو ذاك في الخدمة ثم آن الأوان لكي يستريح ويترك هذا القطار الطويل من الموظفين يهشون عنه أي قادم لديه مظلمة أو مشكلة، والسكرتير الجيد الناجح من وجهة نظر المدير العربي هو ذلك الذي يستطيع أن يهدئ من روع أصحاب المظالم والمشاكل ويستطيع أن يثنيهم عن مقابلة المدير.
وبما أن سيادة المدير الكبير بابه مغلق دائما فهو لا يرى ولا يسمع شيئا عن الخارج إلا ما ينقله المقربون والمنافقون عن زملائهم وعن سير العمل، ثم يقوم هو بالرد على المدير الذي يعلوه بأن كل شيء على ما يرام.
لقد أحسن سمو الشيخ محمد بن راشد عندما أمر بنجار لخلع الأبواب المغلقة التي تفصل بين السادة المديرين بكافة مستوياتهم وبين جماهير الشعب، وليت هذا الأمر يتم تقليده في كافة الدول العربية، لأنه في الوقت الحالي سيوفر أبوابا مصنوعة من أجود الأخشاب، وفي المستقبل سيوفر على الدول ثمن الخشب الذي يصنع منه أبواب المديرين، إلى جانب إزالة الحواجز التي تفصل بين المدير وبين المواطن.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية