العدد 1185
الخميس 12 يناير 2012
banner
القضاء هو الملاذ الأخير
الأربعاء 08 مايو 2024

“لأن يفلت من العقاب مائة شخص خير من أن يعدم مظلوم واحد”، حكمة يعرفها أهل القضاء الذين يصدرون أحكاما ترتبط بمصائر البشر ممن تعرض عليهم قضاياهم كل يوم.
القضاة ليسوا كسائر البشر، فهم يحكمون بالجزم واليقين وليس بالظن والتخمين، وبالتالي لا يتعاملون إلا مع الأدلة المادية التي لا تقبل الشك، ولابد أن تستريح ضمائرهم للحكم الذي يصدرونه بحق هذا الإنسان أو ذاك.
ولذلك تجدهم في كثير من الأحيان يصدرون أحكاما لا تعبر عن ما يريده الرأي العام أو يتمناه، وهذا يولد نوعا من التذمر في بعض الأحيان وقد يصل الأمر لدى البعض إلى حد التشكيك في بعض الأحكام، وهذا شيء غير طيب على الإطلاق، لأن التعليق على أحكام القضاء أو التشكيك فيها يؤدي إلى تدمير ثقة العامة فيه وهو أمر غاية في الخطورة، لأن القضاء هو الملاذ الأخير للمجتمع، فإذا فقد المجتمع ثقته في القضاء فسوف تضيع قيم كثيرة وسوف يموت انتماء الانسان لبلده.
ولذلك فنحن نلوم كل من يعلق على أي حكم قضائي لأن هذا التعليق يضر أكثر مما ينفع، وإذا كنا سنصدر الأحكام على صفحات الصحف وعلى المنابر، فما فائدة القضاء وما فائدة المحاكم؟وإذا كان كل واحد منا سيصدر الحكم على هواه، فهذه هي الفوضى بعينها.
من السهل جدا على الشخص العادي أن يصدر احكاما وفق انفعالاته وأهوائه وما وصله من معلومات وروايات، ولكن من الصعب على القاضي الذي يجد أن مصير هذا الانسان مرتبط بكلمة منه، أن يصدر الأحكام بهذه السهولة، فهو يحكم بأدلة كاملة ولا يأخذ بالشبهات.
وعندما تنقض محكمة حكم محكمة أخرى سبقتها، فهذا، حسب علمي، لا يعد إهانة للمحكمة التي سبقتها، ولكن هذا معناه أنها اكتشفت جانبا أو دليلا يحتم هذا النقض، والمهم في النهاية ألا يظلم بريء.
نحن نقول هذا الكلام بمناسبة الضجة التي أحدثتها الأحكام الأخيرة لمحكمة التمييز، التي نقضت حكم الاعدام لبعض المحكومين وعدلت أحكاما أخرى، حيث قام بعضنا بانفعال كبير بالربط بين هذه الأحكام وبين الارادة السياسية للدولة البحرينية، وهذا شيء مزعج جدا، لأن هذا الربط يسيء للقضاء وللدولة معا، رغم تأكيد الذين علقوا على أحكام القضاء بأنهم يحترمون هذا القضاء ويرفضون التشكيك في أحكامه!
لا مصلحة لأحد في العفو عن متهم أو تخفيف عقوبة عن آخر، ولا علاقة للدولة البحرينية بهكذا أمور.
لقد حزننا جميعا على شهداء الواجب، الذين دفعوا حياتهم ثمنا للدفاع عن الوطن، وامتلأت نفوسنا بالغضب والغيظ تجاه الذين غدروا بهم وهو يؤدون واجبهم المقدس، ولكن هذا لا يعطينا الحق لأن نصدر نحن الأحكام بحق المتهمين بقتلهم، فهذا عمل القاضي، وهو الذي يتحمل المسئولية فيه أمام الله يوم تعرض الأعمال على أحكم الحاكمين.
بإمكاننا أن ننتقد قرارات سياسية، ومن حقنا أن ننتقد الحكومة، ولكن ليس من حقنا وليس من مصلحتنا أن ننتقد حكما قضائيا، حتى وإن كان هذا النقد من نوعية النقد المغلف الذي يقوم صاحبه بالثناء على القضاء ونزاهته ثم يضمن مقاله تشكيكا غير مباشر في أحكامه!

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية