العدد 810
الأحد 02 يناير 2011
banner
الفرق بين العام الماضي والعام الجديد
الإثنين 06 مايو 2024

مع نهاية عام 2009 تم إشغال عقول الشعوب بأنفلونزا الخنازير، وتحولت مطارات العالم إلى خلايا نحل تعمل ليل نهار؛ لمحاصرة هذا الخطر الذي صوره البعض على أنه جائحة رهيبة ستهدد الجنس البشري وستفني الملايين، وانشغل بها الناس عن كل شيء، عن مظالمهم الشخصية داخل بلدانهم، وعن المظالم التي يتعرضون لها من قبل قوى دولية مهيمنة على مقدراتهم.
وعلى الرغم من أن انفلونزا الخنازير لم ترحل عن العالم ولا تزال تصيب الكثير من النساء في أنحاء العالم وتسبب وفيات من بني البشر شأنها شأن بقية سلالات الأنفلونزا، إلا أنها فقدت مفعولها الإعلامي، ولم تعد تصلح، رغم قدوم الشتاء، كمادة إعلامية لإلهاء الناس أو إشغالهم بصحتهم وبالخوف من المرض والتفكير فيه أكثر من الخوف من أي شيء آخر.
ومع نهاية 2010 واقتراب 2011 ظهرت مادة إعلامية جديدة ومثيرة هي “أنفلونزا وكيليكس” التي قامت صحف عالمية بالحديث عنها على أنها فضيحة كبرى أصابت الدبلوماسية الأمريكية وفضحت حلفاء الولايات المتحدة حول العالم، وأن أسرار الدول أصبحت شيئا من الماضي، وأن كل شيء مفضوح وكل الحكام خونة وعملاء، وليست إسرائيل وحدها هي الدولة التي يجب أن تتلقى لعنات العرب والمسلمين، وليس المحافظون الجدد هم المسؤولون وحدهم عن خراب العالم الإسلامي؛ لأنهم فعلوا ما فعلوه بمعرفة وموافقة آخرين في الدول الإسلامية والعربية.
الغريب في الأمر أن كثيرا من المحللين والمتابعين اتهموا المخابرات الأمريكية العام الماضي بالمسؤولية عن تخليق وتسريب فيروس أنفلونزا الخنازير لخدمة الشركات الأمريكية التي ستنتج اللقاح الخاص بالأنفلونزا وتنتج العقار الخاص بعلاج الأنفلونزا الجديدة؛ لكي تتمكن هذه الشركات من الخروج من كبوة الأزمة المالية، واتهموها أيضا هذا العام بالمسؤولية عن إعداد سيناريو وثائق “وكيليكس” وتسريبها بشكل ممنهج لتحقيق أهداف دعائية وسياسية محسوبة سلفا.
عند نهاية 2009 وبداية 2010 كانت مطارات العالم منشغلة بضبط وإحضار أنفلونزا الخنازير وتطهير الصالات واحتجاز كل من تثبت عليه تهمة الإصابة بهذا الفيروس اللعين، ولكن مع نهاية العام 2010 وبداية العام 2011 لم تعد المطارات معنية بأنفلونزا الخنازير، ولكنها معنية بالطرود المفخخة والسراويل المفخخة التي يقوم بإعدادها تنظيم القاعدة لتفجير الطائرات.
مع نهاية 2009 وبداية 2010 كان المشهد العربي حزينا وكئيبا، ولكن مع نهاية 2010 وبداية 2011 أمسى المشهد العربي أكثر حزنا وكآبة. فخلال 2010 وبداية 2011 تقيحت جروح عربية  كثيرة، وأصبح تقسيم أكثر من دولة عربية أمرا واضحا ومحتملا، فها هو تقسيم السودان إلى شمالي وجنوبي قد أصبح حقيقة واقعة، وهناك العديد من الدول الأخرى بدأت سوسة التقسيم تنخر في عظامها بشكل واضح، خاصة العراق التي يراد لها أن تنقسم طائفيا وإثيوبيا، وكذلك اليمن الذي يراد له التفكيك التام، شمال وجنوب وسنة وشيعة، ناهيك عن انقسام فتح وحماس في فلسطين، ومحاولات زرع الفتنة في صعيد مصر وتسخين المسيحيين هناك من وقت لآخر  وضلوع إسرائيل في هذا الملف أيضا (حسب تصريح مفكر عربي كبير هو الدكتور مصطفى الفقي). أخطر ما في هذا المشهد العربي المحزن أن أي مأساة من هذه المآسي لا تخص الدولة صاحبة المشكلة وحدها، ولكنها تتجاوزها إلى الدولة الجارة وغير الجارة، فتقسيم السودان كارثة على مصر، وتفتيت اليمن أو فشل الدولة اليمنية سيكون كارثة على منطقة الخليج، وتقسيم العراق وانفجار لبنان كارثة على الأمة كلها.
فهل سيأتي عام يتحرك فيه العرب لوقف هذا الخطر الزاحف نحو تفتيت الأمة والقضاء عليها، أم ستظل هذه السنين العجاف التي نعيشها منذ مغامرة احتلال العراق للكويت وما تبعه من تدمير تدريجي لمقدرات هذه الأمة؟

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية