العدد 805
الثلاثاء 28 ديسمبر 2010
banner
انفصال جنوب السودان
الإثنين 06 مايو 2024

بعد أيام قليلة يدق مسمار آخر كبير في نعش الأمن القومي العربي وهو انفصال جنوب السودان عن شماله الذي بات حتميا في نظر الجميع. في التاسع من يناير القادم يقوم أهل الجنوب السوداني المتطلعين إلى حياة أفضل بالتصويت على خيار الانفصال أو الوحدة.
الجميع يؤكد أن الانفصال أصبح مسألة وقت، ولم يعد هناك أمل أن يبقى السودان واحدا من أكبر الدول مستوى العالم من حيث المساحة، ولم تعد هناك جدوى من البكاء على اللبن المسكوب. ولم يعد يفيد أن نتهم نظام الرئيس عمر البشير بالفشل في إدارة ملف الجنوب وفي إقناع الجنوبيين بأن ينحازوا إلى الوحدة.
ولم يعد من المفيد أيضا ان نلقي باللوم على العرب لتفريطهم في وحدة السودان وتفريطهم في السودان كله كسلة غذاء ممكنة لكل الدول العربية، خاصة أن مشاكل السودان هي في الأساس مشاكل اجتماعية اقتصادية كان من الممكن التعامل معها بتقديم الدعم له لتمكينه من التغلب على محاولات الانفصال بالتنمية وتوفير لقمة العيش للفئات المحرومة من أبنائه، فالدول لا تتوحد بالخطب وبمنطق الطبلة والربابة الذي اعتمد عليه الرئيس البشير!
الكل يعرف أن المشكلة في مسألة الانفصال ليست فقط في تفتيت دولة كبيرة وقسمتها على اثنين، ولكن المشكلة تكمن في تبعات هذا الانفصال وآثاره الخطيرة على الأمة العربية بكاملها.
لاشك أن مصر قلب العروبة هي أول المتضررين من انفصال الجنوب السوداني، ليس فقط بسبب مسألة مياه النيل والخوف من انضمام الجنوبيين لدول حوض النيل الساعية إلى الإضرار بالمصالح المصرية عن طريق تقليل حصتها من مياه النيل، الذي هو شريان الحياة في مصر، ولكن أيضا لأن قادة الدولة الناشئة في الجنوب سيكونون في حاجة إلى البناء والتنمية وإلى إقناع شعب الجنوب بأن حياتهم أصبحت أفضل بعد الانفصال، وبالتالي سينحازون إلى رؤى وخطط القوى الدولية التي ستقدم لهم المساعدات.
وبمعنى آخر سيكون الجنوبيون مع من يدفع أكثر، وبطبيعة الحال فإن إسرائيل الطامعة في مياه النيل، ومن ورائها الولايات المتحدة، على استعداد لكي تدفع أكثر وأكثر لمساومة مصر من أجل إجبارها على الموافقة على توصيل مياه النيل إليها. لم يعد هذا تخمينا أو تأثرا بنظرية المؤامرة بعد أن تبين ان إسرائيل ضالعة إلى حد بعيد في تحريض دول حوض النيل وخاصة إثيوبيا على الإضرار بمصالح مصر المائية.
ولكن الخطورة لا تكمن فقط في قضية المياه، على اهميتها الكبرى، ولكنها تكمن ايضا في تفتيت دولة عربية كبرى كان من الممكن ان تصبح بعد تفجر الثروات فيها قوة عربية ذات شأن، تدعم الأمن القومي العربي، وتكون عمقا استراتيجيا مهما لمصر وتكون سلة غذاء لكل العرب، بدلا من أن تصبح جرحا مفتوحا، وتعطي المبرر الأخلاقي لمناطق سودانية أخرى مثل إقليم دارفور لتطالب هي الأخرى بالانفصال، بل وتعطي المبرر أيضا لفصل جنوب مصر عن شماله وإقامة دولة مسيحية أيضا في جنوب مصر، خاصة أن هناك محاولات دؤوبة لإشعال الفتنة هناك بين المسلمين والمسيحيين.
والمحصلة النهائية هنا هي ضرب الأمن القومي العربي في مقتل، بعد أن يصبح لإسرائيل تواجد في هذه المنطقة الاستراتيجية بالنسبة لمصر والعرب.
لا نطالب، مثل بعض الخياليين، أن تنطلق الطائرات العربية من مطارات مصر والسعودية واليمن لقهر الجنوب السوداني وإجباره على البقاء موحدا مع الشمال، فهذا شيء لا يليق بالعرب لأسباب شتى، لا يتسع المجال لذكرها، ولكننا نطالب بأن يقوم العرب بممارسة فن الممكن تجاه هذا الوضع الجديد، وألا يقفوا متفرجين على ما سيدور في جنوب السودان بعد الانفصال.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية