دعاء البقالي لأجل طفلها ناضلت لتهزم سرطان الغدد اللمفاوية
إعداد: حسن فضل
تواصل «صحتنا» سلسلة لقاءاتها مع المتعافين من السرطان؛ لتكسر حاجز الخوف وترسل رسائل إيجابية لمرضى السرطان، وتؤكد ما قلناه سابقًا ونكرره الآن، إن السرطان مرض يمكن هزيمته، عبارة لا نرددها لنبيع الوهم للمرضى، إنما حقيقة راسخة أثبتتها تجارب المتعافين التي وثقناها.
بطلتنا في هذا العدد محاربة السرطان دعاء البقالي، أصيبت بسرطان الغدد اللمفاوية، أحد أكثر أنواع السرطان شيوعًا حول العالم، وأكثرها قابلية للعلاج، حيث يكون على شكل ورم خبيث يصيب العضو الحيوي الخاص بالجهاز اللمفاوي، خصوصا الغدة اللمفاوية نفسها أو الطحال أو غيرها من الأعضاء التي تحتوي على خلايا مرتبطة بالجهاز اللمفاوي. البقالي باغتها المرض في عامها الـ 24 وهي في سنة التخرج من الجامعة، فزرع الخوف والرهبة.. بكت بحرقة وعاشت الصدمة مع لحظات الفزع والألم المشبعة بدموع القلق والرهبة من مستقبل مجهول قد يصل لفقد الحياة، مستندة لما سمعته عن هذا المرض الذي كان في ذهنها العلاج الكيماوي وتساقط الشعر ثم الموت الحتمي، لكنها قررت مواجهته متسلحة بالصبر والأمل والإيمان بالله وقضائه وقدره، كانت تستمد القوة من أمها المحتسبة والصابرة والواثقة من قدرة الله على شفائها، التي زرعت في نفسها بذور التحدي، فصوتها تدعو وتناجي رب العالمين أن يردها لها بالسلامة منحها الطمأنينة والأمان.
وفي ذروة وأقصى لحظات طغيانه وبشاعته وعبثيته، كاد السرطان بكل وحشيته أن ينال من عزيمتها، ولكنها تذكرت طفلها الصغير وأنه لا بد أن تعيش لأجله، وتحارب هذا المرض المتوحش بكل قوتها وقدرتها، وألا تستسلم لجبروته وسياطه التي لا ترحم، فقررت أن تقاتل بكل جرأة للرمق الأخير حتى وصولها للشفاء؛ من أجل أن تبقى لطفلها الوحيد.
وبفضل الله ثم أهلها وزوجها وصديقاتها ودعوات المؤمنين تغلبت على المرض. وتقدم تجربتها كباقة أمل لمرضى السرطان.
كيف كانت حياتك قبل الإصابة؟
بنت طموحة، تخرجت من الجامعة وأنتظر الوظيفة، لم أكن أتوقع أنني في يوم من الأيام سأصاب بهذا المرض ولا خطر على بالي. كنت أسمع عنه وكباقي الناس الذين يخافون إذا سمعوا بهذا المرض، ولكن لم أتوقع أبدًا أن أكون إحدى ضحاياه خصوصا في هذا العمر.
متى أصبت وكيف تم تشخيصه وما نوعه؟
أصبت في العام 2017 بسرطان الغدد اللمفاوية من الدرجة الثانية. كنت في سنة التخرج وفي بداية الإعداد لمشروع التخرج، حيث بدأت الأعراض الأولية التي كانت تعبا من أي مجهود ولو كان بسيطا وإرهاقا شديدا. توقعت أنه بسبب نقص فيتامين د، وفعلًا فحصت وكان منخفضا جدًا. كنت أستيقظ من النوم وأشعر بحرارة مع تعرق شديد. تم التشخيص بعد ما شعرت بوجود جسم أشبه بالكرة الصغير بحجم (التيلة) أسفل الرقبة جهة اليسار، مع وجود حكة بشكل مستمر، في بداية الأمر اعتقدت أن الحكة سببها العطر، فقلت حينها ربما بسبب رش العطر بشكل مباشر على الجلد، ثم ازدادت الحكة وكانت في نفس الجهة التي أصبت بها بالمرض، فـأخبرت أهلي، ونصحوني بمراجعة دكتور جراح، وبعد الفحص وأخذ العينة تبين أنه ورم خبيث من الدرجة الثانية في الغدد الليمفاوية.
كيف تلقيت خبر الإصابة وماذا تبادر إلى ذهنك في البداية؟
تلقيت الخبر من دكتور هاني الساعاتي بشكل مباشر، طبعًا كان لدي شكوك أنه ورم خبيث بنسبة 90 %، حيث كنت أستشعر وجود جسم غريب، وسألت زوجي فأخبرني أنه ربما كيس ذهني، فانتابني خوف وبحثت في (google) عن وجود كرة أسفل الرقبة مع وجود حكة، وكانت النتيجة تضخم الغدد اللمفاوية وورم الغدة اللمفاوية، فازداد منسوب الخوف وأخبرت الوالد، فخاف واتصل بالدكتور هاني الساعاتي، فطلب منه مباشرةً أن يأخذني لعيادته بشكل عاجل. وذهبنا لعيادته وفحص باللمس مع أسئلة عدة، وطلب أخد عينة وفحوصات وقال إن الاحتمالات كيس ذهني أو ورم حميد أو خبيث. كانت تعابير وجهه توحي أنه خبيث، فقلت له: أعلم أنك تعلم أنه خبيث. ومن الأشعة تبين وجود ورم وبعدها تم إرسال عينة الزراعة إلى ألمانيا.
في الأسبوعين اللذين ننتظر فيهما النتيجة كانت الحالة النفسية لي ولكل العائلة توتر خوف وبكاء. بعد لحظات انتظار وترقب اتصل بنا الدكتور وأخبرنا أن علينا الحضور فورًا إلى المستشفى. ذهبنا على عجل بخوف وترقب، وعندما قابلته قال لي بالحرف الواحد: «دعاء أنت إنسانة مؤمنة بقضاء الله وقدره، ويبدوا عليك أنك قوية، وأنا واثق أنك ستهزمين هذا المرض ولن يهزمك، وأن رب العالمين ما يعطي الإنسان شيء إلا لصالحه». قلت له بقلق وخوف: دكتور لماذا تتحدث معي هكذا، ماذا بي؟ قال «الفحوصات تبين أن عندك ورم خبيث في الغدد اللمفاوية من الدرجة الثانية»، وهنا كانت الصدمة...
لا أخفي عليكم أنني بكيت بحرقة وألم وانصدمت وخفت، وأول ما تبادر إلى ذهني العلاج الكيماوي وأن شعري سيسقط ويمكن أن أموت، وطبعًا كل هذا بسبب الصورة السلبية التي يتناقلها الناس عن هذا المرض.
سألته: هو خبيث صح؟ قال: انتظري.. السرطان خبيث صحيح، ولكن هذا من أسهل أنواع السرطان ونسبة الشفاء كبيرة خصوصًا للشباب، ولو سئل أي شخص سيصاب بالسرطان حتمًا أي نوع من السرطان ستختار سيقول اللمفاوية. سألته عن السبب، فأجاب: لأن نسبة الشفاء كبيرة. أول سؤال سألته: متى سيسقط شعري؟ فابتسم وأجاب: من قال لك إن أي شخص يستعمل الكيماوي يتساقط شعره؟ قلت: هذا ما تعلمناه من المسلسلات! كنت خائفة من هذه اللحظة. قال: أنت عندك سرطان الغدد اللمفاوية من الدرجة الثانية وسيتم تحويلك على الطبيب المختص. قررنا السفر لتركيا، ولكن الدكتور نصحنا بالبحرين، كون العلاج متطور في البحرين، والعلاج هو نفسه؛ لكن الأهم أن في البحرين ستكون النفسية أفضل؛ لأنك ستكونين بين أهلك وأصدقائك، وفي الخارج النفسية ستكون متعبة.
كيف استقبل الأهل خبر الإصابة؟
استقبلوا الخبر بالبكاء والنحيب، لكن قد تستغربون لو قلت لكم إن أمي كانت الأقوى بينهم، نعم كانت أقوى من بين جميع أهلي، صحيح أنها انصدمت وبكت ولكن كانت تحمل ثقة بالله، فمن اللحظة الأولى التي عرفت فيها أنني مصابة بالسرطان قالت: إنني لست خائفة عليها وأعلم وواثقة أن رب العالمين الذي ابتلاها قادر على شفائها ويعيدها لي بصحة وعافية.
كان الخبر صدمة للجميع، خصوصًا أنني الأولى في العائلة (عائلة الأم وعائلة الأب) التي تصاب بهذا المرض، وكان عمري ٢٤ سنة وقتها، وعلى الرغم من أنهم كانوا يحاولون أن يكونوا أقوياء أمامي، إلا أنني كنت أشاهد عيونهم مليئة بالدموع وأقرأ نظرات الخوف والحزن في عيونهم. كنت أتحمل الألم لأجلهم.
ورغم مرور سنوات على شفائي إلا أنني لليوم أتذكر صوت أمي وهي تدعو وتناجي رب العالمين أن يردني لها بالسلامة.
ماذا كانت خيارات العلاج ونسبة الشفاء؟
بعد مراجعتي للدكتور عبدالله العجمي.. أخبرني أن العلاج الكيماوي هو الحل، ونسبة الشفاء كبيرة بإذن الله، خصوصا أنني في عمر صغير وأن المرض من الدرجة الثانية، ويعتبر اكتشافه في وقت مبكر إلى حد ما.
كيف كانت ظروف العلاج؟
ولله الحمد.. كانت أمور علاجي ميسرة بفضل الله.. أكملت جرعاتي بشكل منتظم خلال 8 أشهر تقريبا.
الجرعات الأولى والثانية كانت سهلة، ولكن مع الجرعة الثالثة بدأت أتعب وكنت أتقيأ دما، وبدأ الشعر بالتساقط، وكنت أشاهد الشعر يتساقط بكميات كبيرة، كنت أبكي ولكن بدأت أستعيد ذاتي وقلت: توقفي عن البكاء.
كيف أثر السرطان على حياتك الأسرية والاجتماعية؟
من الناحية الأسرية، عرفت حجم الحب الذي تحمله لي عائلتي، والاهتمام الذي عاينته أن الجميع تكاتف من أجلي. ومن ناحية أخرى، صديقاتي لم يتركنني للحظة واحدة. حتى أثناء أخذ الجرعة كن موجودات معي في المستشفى وهذا خفف علي كثيار. ومن الناحية الاجتماعية عرفت كل شخص يحبني فعلًا، ومن كان يسأل عني ويتفقد أحوالي، وعرفت كم يحتاج المريض كثيرًا للسؤال عنه والاهتمام فيه.
كيف هي حياتك بعد التشافي؟
ولله الحمد صارت حياتي أفضل بكثير، أنجبت بنتا بعد ما أكملت العلاج بفترة.
ماذا آخذ منك السرطان وماذا آضاف لك؟
السرطان لم يأخذ مني إلا الفترة التي كنت أحاربه فيها؛ بعدها على العكس إذ أضاف لي الكثير من الأمور، لكن بعد شفائي أصيبت جدتي بالمرض ذاته، وأخذها مني وأضاف لي الصبر والإيمان بالله والقضاء والقدر والتحمل عند الوقوع في الابتلاءات.
هل تشعرين بخوف وقلق عودته مجددًا؟
أحيانا نعم؛ ولكن سيكون رد الفعل مختلفا عن المرة الماضية، لأن شخصيتي اليوم تختلف عن شخصيتي في السابق، فهاجس الخوف والحزن لن يكون موجودا، وعلى العكس، الإيمان بالله وبكل شيء يكتبه لي، وأنا أكبر من أن أخاف من هذا المرض.
ما رسالتك لمرضى السرطان وإلى العالم؟
أنتم أقوياء.. من رحم الألم يولد الأمل، ودائمًا ثقوا بالله وبقدرته، وأنه لم يبتليكم إلا لحكمة في ذلك.. وما ابتلاكم إلا لعلمه بقوة صبركم وتحملكم.
هل شعرت بلحظات ضعف في مسيرتك وكيف تغلبت على هذا الشعور وتجاوزته؟
من المؤكد أنه مرت علي لحظات كثيرة من التعب، شعرت فيها أن ما كنت أمر به هو نهاية الحياة، وأنه لا داعي لإكمال العلاج. وتغلبت على هذا الشعور، حين كنت أتذكر أن لدي طفلا صغيرا وأنني لا بد أن أعيش لأجله، وأحارب هذا المرض بكل قوتي وقدرتي، والحمد لله بفضل الله ثم أهلي وزوجي وصديقاتي ودعوات المؤمنين تغلبت على المرض. وأسأل الله أن يشفي كل مريض يتألم من هذا المرض أو غيره ويمن على الجميع بالصحة والعافية.