+A
A-

المتعافي حسن أحمد

إعداد‭: ‬حسن‭ ‬فضل

حسن‭ ‬أحمد‭ ‬أحد‭ ‬المتعافين‭ ‬من‭ ‬السرطان‭. ‬محاربٌ‭ ‬هزم‭ ‬جبروت‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬المتوحش‭ ‬3‭ ‬مرات،‭ ‬وقصته‭ ‬ملحمة‭ ‬في‭ ‬الصبر‭ ‬وعنوان‭ ‬للأمل‭ ‬وإرادة‭ ‬الحياة‭ ‬ونموذج‭ ‬يحتذى‭ ‬به،‭ ‬فهذا‭ ‬المرض‭ ‬باغته‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬مبكرة‭ ‬من‭ ‬حياته،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬عمره‭ ‬يتجاوز‭ ‬الأربع‭ ‬سنين،‭ ‬فسرق‭ ‬المرض‭ ‬كل‭ ‬طفولته‭ ‬ولم‭ ‬يسمح‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬كباقي‭ ‬الأطفال،‭ ‬وقيد‭ ‬كل‭ ‬نشاطاته،‭ ‬فعوضًا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬يلهو‭ ‬ويلعب‭ ‬كباقي‭ ‬أقرانه‭ ‬قضى‭ ‬طفولته‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬المستشفيات،‭ ‬وبصحبة‭ ‬الألم،‭ ‬تحاصره‭ ‬نظرات‭ ‬الشفقة‭ ‬أينما‭ ‬ذهب‭.‬

كان‭ ‬للمغفور‭ ‬له‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ (‬رحمه‭ ‬الله‭) ‬مساحة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬فسموه‭ ‬كان‭ ‬الأمل،‭ ‬والرحمة‭ ‬والأمان‭ ‬متجسد‭ ‬فيه،‭ ‬فقد‭ ‬تكفل‭ ‬بعلاجه‭ ‬وكان‭ ‬سببًا‭ ‬بعد‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬شفائه‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬بيننا‭.‬

‮«‬صحتنا‭ ‬في‭ ‬البلاد‮»‬‭ ‬التقت‭ ‬بحسن؛‭ ‬ليسرد‭ ‬لنا‭ ‬قصته‭ ‬مع‭ ‬السرطان،‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬ذكرى‭ ‬الرحيل‭ ‬الحزين‭ ‬للمغفور‭ ‬له‭ ‬لتكون‭ ‬نموذجا‭ ‬من‭ ‬نماذج‭ ‬كثيرة‭ ‬لعطائه‭ ‬غير‭ ‬المحدود‭.‬

المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬وصدمة‭ ‬الإصابة‭ ‬

في‭ ‬العام‭ ‬2001‭ ‬كان‭ ‬حسن‭ ‬أحمد‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬طفل‭ ‬جميل‭ ‬بملامحه‭ ‬وروحه‭ ‬المرحة،‭ ‬يملأ‭ ‬المنزل‭ ‬سعادة‭ ‬وأنسا،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬محبوبًا‭ ‬من‭ ‬الجميع‭. ‬كان‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬دائم‭ ‬في‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬وألم‭ ‬في‭ ‬المفاصل‭ ‬والأرجل‭. ‬ظن‭ ‬الوالدان‭ ‬أنه‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬فيروسي‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬للأطفال،‭ ‬فذهبا‭ ‬به‭ ‬للمركز‭ ‬الصحي‭ ‬والطبيبة‭ ‬هناك‭ ‬أجرت‭ ‬الفحوصات‭ ‬وصدمت‭ ‬الوالدين‭ ‬بأنها‭ ‬تفضل‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬طبيب‭ ‬أورام‭ ‬لأن‭ ‬نتائج‭ ‬الفحوصات‭ ‬تبين‭ ‬أنه‭ ‬سرطان‭ ‬الدم‭ ‬ولكن‭ ‬للتأكد‭ ‬أكثر‭. ‬هزت‭ ‬تلك‭ ‬الكلمات‭ ‬الوالدين؛‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تقنعهما،‭ ‬فذهبا‭ ‬للطبيب‭ ‬المختص‭ ‬بالأورام‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬ينفي‭ ‬هذا‭ ‬الاحتمال‭ ‬ويطمئنهما،‭ ‬ولكن‭ ‬الطبيب‭ ‬المختص‭ ‬أكد‭ ‬تشخيص‭ ‬الحالة‭ ‬بعد‭ ‬إجراء‭ ‬الفحوصات‭ ‬وأخبرهما‭ ‬أن‭ ‬ابنهما‭ ‬مصاب‭ ‬بسرطان‭ ‬الدم‭ ‬اللمفاوي‭. ‬كان‭ ‬وقع‭ ‬الخبر‭ ‬صادمًا‭ ‬للوالدين‭ ‬والأهل،‭ ‬فلم‭ ‬يتوقعوا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ابنهم‭ ‬مصاب‭ ‬بالسرطان،‭ ‬ففي‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬كان‭ ‬السرطان‭ ‬اسما‭ ‬مرعبا‭ ‬ومرادفا‭ ‬للموت،‭ ‬والتوعية‭ ‬به‭ ‬قليلة،‭ ‬وانتشار‭ ‬المرض‭ ‬كان‭ ‬محدودا‭. ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬مهولا،‭ ‬وحوّل‭ ‬الهدوء‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬إلى‭ ‬قلق‭ ‬وخوف‭ ‬وحزن‭ ‬ودموع‭. ‬حسن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يدرك‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬يشعر‭ ‬في‭ ‬نظرات‭ ‬عيونهم‭ ‬نظرة‭ ‬الشفقة‭ ‬والوداع؛‭ ‬كونه‭ ‬كان‭ ‬صغيرا‭ ‬ومصابا‭ ‬بالمرض‭.‬

 

العلاج‭ ‬الكيماوي‭... ‬الخيار‭ ‬المطروح‭ ‬لحسن

خيارات‭ ‬العلاج‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬السلمانية‭ ‬الطبي‭ ‬كانت‭ ‬بالكيماوي؛‭ ‬لأن‭ ‬سرطان‭ ‬الدم‭ ‬اللمفاوي‭ ‬يعالج‭ ‬بالكيماوي،‭ ‬ولا‭ ‬يحتاج‭ ‬لعلاج‭ ‬آخر‭. ‬استغرق‭ ‬العلاج‭ ‬مدة‭ ‬6‭ ‬أشهر،‭ ‬وكان‭ ‬علاجا‭ ‬مكثفا‭ ‬بالكورتيزون‭ ‬والكيماوي،‭ ‬ومع‭ ‬العلاج‭ ‬اختفت‭ ‬الأعراض‭ ‬من‭ ‬آلام‭ ‬المفاصل‭ ‬والرجلين،‭ ‬والحرارة‭ ‬تلاشت‭ ‬بالتدريج‭ ‬مع‭ ‬البدء‭ ‬في‭ ‬العلاج‭.‬

السرطان‭ ‬سرق‭ ‬الطفولة

السنوات‭ ‬الأربع‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬هي‭ ‬بداية‭ ‬عنفوان‭ ‬الطفولة‭ ‬وبداية‭ ‬إدراكه‭ ‬الواقعي‭ ‬للحياة‭ ‬واستمتاعه‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬فيها،‭ ‬وبداية‭ ‬تعرفه‭ ‬الحقيقي‭ ‬على‭ ‬فلسفة‭ ‬الحياة،‭ ‬وبداية‭ ‬اعتماده‭ ‬على‭ ‬ذاته‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكن‭ ‬حسن‭ ‬استقبل‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬الأربع‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬السرطان،‭ ‬حيث‭ ‬الألم‭ ‬والمعاناة‭ ‬والعزلة‭. ‬سلب‭ ‬منه‭ ‬المرض‭ ‬كل‭ ‬طفولته،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬يستطيع‭ ‬ممارسة‭ ‬حياته‭ ‬وطفولته‭ ‬بسبب‭ ‬نقص‭ ‬مناعته‭. ‬كانت‭ ‬تحاصره‭ ‬نظرات‭ ‬الشفقة‭ ‬أينما‭ ‬ذهب،‭ ‬ويؤلمه‭ ‬ويكسر‭ ‬عنفوانه‭ ‬سؤال‭ ‬الأطفال‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬شكله‭ ‬غير‭ ‬الطبيعي،‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬شعر‭ ‬عنده،‭ ‬فكان‭ ‬هذا‭ ‬يشعره‭ ‬بالنقص‭ ‬ويضيف‭ ‬ألما‭ ‬إلى‭ ‬ألمه‭.‬

كان‭ ‬يتأثر‭ ‬ويشعر‭ ‬بالحسرة‭ ‬حين‭ ‬يجد‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬بشكلهم‭ ‬الطبيعي‭ ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬دون‭ ‬شعر،‭ ‬ويلعبون‭ ‬ويمارسون‭ ‬طفولتهم‭ ‬بكل‭ ‬سعادة‭ ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬قادر‭. ‬

 

استعادة‭ ‬الطفولة‭ ‬بعد‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬المعاناة‭ ‬

بعد‭ ‬أشهر‭ ‬المعاناة‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬السرطان‭ ‬تماثل‭ ‬حسن‭ ‬للشفاء‭ ‬وتخلص‭ ‬من‭ ‬الآلام‭ ‬ومضاعفات‭ ‬المرض‭ ‬والعلاج‭ ‬واستعاد‭ ‬كل‭ ‬ذاته‭ ‬وطفولته‭. ‬كان‭ ‬نبأ‭ ‬الشفاء‭ ‬التام‭ ‬خبرًا‭ ‬سعيدًا‭ ‬للأهل،‭ ‬واعتبروه‭ ‬ولادة‭ ‬جديدة‭.‬

بدأ‭ ‬حسن‭ ‬يستعيد‭ ‬طفولته‭ ‬ويمارس‭ ‬حياته‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي‭ ‬متحررًا‭ ‬من‭ ‬نظرات‭ ‬الشفقة‭ ‬والعطف،‭ ‬والتحق‭ ‬بالروضة‭ ‬والمدرسة،‭ ‬وبدأ‭ ‬يلعب‭ ‬مع‭ ‬أقرانه‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬ينظر‭ ‬لهم‭ ‬بحسرة‭ ‬وعجز،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬أي‭ ‬شي‭ ‬يعيقه،‭ ‬كان‭ ‬منطلقًا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭.‬

 

عودة‭ ‬السرطان‭ ‬من‭ ‬جديد

كان‭ ‬حسن‭ ‬مندمجا‭ ‬في‭ ‬طقوس‭ ‬الحياة‭ ‬وكأنه‭ ‬يريد‭ ‬تعويض‭ ‬لحظات‭ ‬الألم‭ ‬والعزلة‭ ‬أثناء‭ ‬الإصابة،‭ ‬منطلقًا‭ ‬فيها،‭ ‬ولا‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬بكل‭ ‬ترسباته‭ ‬وذكرياته‭ ‬المؤلمة،‭ ‬وعيونه‭ ‬نحو‭ ‬المستقبل‭ ‬وأحلامه‭ ‬التي‭ ‬رسمها‭ ‬له،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬السرطان‭ ‬منحه‭ ‬تجربة‭ ‬لا‭ ‬يملكها‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬أكبر‭ ‬منه‭.‬

كان‭ ‬حسن‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬مواظبا‭ ‬على‭ ‬الفحوصات‭ ‬الدورية‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬عودة‭ ‬المرض‭. ‬وبعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬الفحوصات‭ ‬الدورية‭ ‬وتحديدا‭ ‬بالعام‭ ‬2005‭ ‬اكتشفوا‭ ‬أن‭ ‬المرض‭ ‬عاد‭ ‬مجددا‭ ‬ينتشر‭ ‬في‭ ‬الدم‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭. ‬عاش‭ ‬حسن‭ ‬لحظة‭ ‬صمت‭ ‬بعد‭ ‬سماع‭ ‬الخبر‭ ‬وعادت‭ ‬له‭ ‬الذكريات،‭ ‬وكل‭ ‬المشاهد‭ ‬المؤلمة‭. ‬شعر‭ ‬بحزن‭ ‬شديد‭ ‬وشاركه‭ ‬أهله‭ ‬ذات‭ ‬الشعور‭ ‬ولكنه‭ ‬قرر‭ ‬النضال‭ ‬مجددًا‭ ‬لهزيمته،‭ ‬فاستعاد‭ ‬المبادرة‭.‬

 

سمو‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل‭ ‬يتكفل‭ ‬بالعلاج‭ ‬في‭ ‬ألمانيا

كانت‭ ‬خيارات‭ ‬العلاج‭ ‬مختلفة‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬إذ‭ ‬يحتاج‭ ‬لزراعة‭ ‬نخاع‭ ‬وهذا‭ ‬العلاج‭ ‬غير‭ ‬متوافر‭ ‬في‭ ‬البحرين‭. ‬ولأن‭ ‬تكاليف‭ ‬العلاج‭ ‬باهظة،‭ ‬قرر‭ ‬كتابة‭ ‬مناشدة‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الصحف‭ ‬المحلية‭ ‬للمغفور‭ ‬له‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬للعلاج،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ (‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬عليه‭) ‬حريص‭ ‬دائمًا‭ ‬على‭ ‬متابعة‭ ‬المواطنين‭ ‬ومشكلاتهم‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمواطن‭ ‬وهذا‭ ‬دليل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬وقفته‭ ‬ومساندته‭ ‬للمواطن‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الحالات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والحالات‭ ‬الثانية‭. ‬تم‭ ‬نشر‭ ‬المناشدة‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الصحف‭ ‬المحلية،‭ ‬وفي‭ ‬اليوم‭ ‬الثاني‭ ‬كان‭ ‬الرد‭ ‬من‭ ‬مكتب‭ ‬سموه‭ ‬على‭ ‬المناشدة،‭ ‬وبتكفله‭ ‬للعلاج،‭ ‬وتم‭ ‬تحديد‭ ‬3‭ ‬دول‭ ‬يستطيع‭ ‬العلاج‭ ‬فيها‭ ‬بتقدير‭ ‬من‭ ‬سموه،‭ ‬وتم‭ ‬التنسيق‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬واختيار‭ ‬ألمانيا‭ ‬للعلاج‭.‬

كان‭ ‬حسن‭ ‬ووالداه‭ ‬يعيشون‭ ‬صدمة‭ ‬سرعة‭ ‬الاستجابة‭ ‬للمناشدة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ (‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬عليه‭)‬،‭ ‬فلم‭ ‬يكونوا‭ ‬يتوقعون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الاستجابة‭ ‬بهذه‭ ‬السرعة،‭ ‬فالفاصل‭ ‬بين‭ ‬نشر‭ ‬الخبر‭ ‬والرد‭ ‬يوم‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭. ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬شعور‭ ‬مختلط‭ ‬بين‭ ‬فرحة‭ ‬الاستجابة،‭ ‬وهمّ‭ ‬المرض،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬فرحة‭ ‬الاستجابة‭ ‬منحتهم‭ ‬دافعا‭ ‬كبيرا‭ ‬لمواصلة‭ ‬مشوار‭ ‬العلاج‭ ‬بفضل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ثم‭ ‬فضل‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭.‬

 

العلاج‭ ‬في‭ ‬ألمانيا

سافر‭ ‬حسن‭ ‬إلى‭ ‬العلاج‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬على‭ ‬نفقة‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬وبأمر‭ ‬منه‭. ‬كان‭ ‬لهذا‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬سموه‭ ‬الأثر‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬حسن‭ ‬ومنحه‭ ‬القوة‭ ‬لمواجه‭ ‬المرض‭ ‬وضخ‭ ‬كميات‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬المتعب‭. ‬كان‭ ‬يحتاج‭ ‬لعملية‭ ‬زراعة‭ ‬نخاع‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يوجد‭ ‬متبرع‭ ‬هناك،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬أقاربه‭ ‬يطابقه؛‭ ‬فنسبة‭ ‬المطابقة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬100‭ %‬،‭ ‬فتم‭ ‬علاجه‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬بالكيماوي‭ ‬والإشعاع‭. ‬

استغرقت‭ ‬رحلة‭ ‬العلاج‭ ‬6‭ ‬أشهر‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬وكانت‭ ‬المتابعة‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬حتى‭ ‬تشافى‭ ‬وهزم‭ ‬السرطان‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية‭. ‬

 

حلم‭ ‬لقاء‭ ‬سمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬

عاد‭ ‬للحياة‭ ‬مجددا‭ ‬بفضل‭ ‬الله‭ ‬ثم‭ ‬بفضل‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعالجه‭ ‬فقط‭ ‬بالدعم‭ ‬المادي‭ ‬بل‭ ‬بحبه‭ ‬واحتضانه،‭ ‬فمبادرته‭ ‬بالعلاج‭ ‬منحت‭ ‬حسن‭ ‬طاقة‭ ‬إيجابية‭ ‬وقوة‭ ‬لتخطي‭ ‬المرض‭. ‬قصته‭ ‬مع‭ ‬سمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬بتكفله‭ ‬بالعلاج،‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬جزءا‭ ‬مهما‭ ‬من‭ ‬حياته،‭ ‬فكان‭ ‬مدينا‭ ‬لسموه،‭ ‬فنعمة‭ ‬الصحة‭ ‬التي‭ ‬ينعم‭ ‬بها‭ ‬والعلاج‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬عليه‭ ‬كان‭ ‬بفضل‭ ‬الله‭ ‬ثم‭ ‬بفضل‭ ‬سموه،‭ ‬فسموه‭ ‬أعاده‭ ‬للحياة‭ ‬مجددًا‭ ‬وانتشله‭ ‬من‭ ‬براثن‭ ‬مرض‭ ‬متوحش،‭ ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬صوره‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬محطات‭ ‬حياته،‭ ‬وترافقه‭ ‬في‭ ‬أحلامه‭ ‬أيضًا،‭ ‬فقد‭ ‬وضع‭ ‬تحديا‭ ‬مع‭ ‬ذاته،‭ ‬وهو‭ ‬لقاء‭ ‬سموه‭ ‬وشكره‭. ‬أصبح‭ ‬هذا‭ ‬هدفًا‭ ‬لحسن،‭ ‬فلولا‭ ‬مبادرته‭ ‬لما‭ ‬تمكن‭ ‬العلاج‭. ‬وفي‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬كان‭ ‬حسن‭ ‬يمارس‭ ‬طقوس‭ ‬الحياة‭ ‬بكل‭ ‬سعادة،‭ ‬ويمارس‭ ‬هواياته،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يحب‭ ‬الرياضة‭ ‬عموما‭ ‬والسفر‭ ‬والقراءة‭. ‬بدأ‭ ‬نشاطه‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬المرضى‭ ‬وأهاليهم،‭ ‬كمبادرة‭ ‬منه،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يجري‭ ‬الاتصالات‭ ‬مع‭ ‬المرضى‭ ‬وأهاليهم‭ ‬ويشرح‭ ‬حالته،‭ ‬ويتحدث‭ ‬عن‭ ‬تجربته‭ ‬ويزرع‭ ‬الأمل‭ ‬عليهم‭ ‬ويبدد‭ ‬اليأس‭ ‬الذي‭ ‬يتسرب‭ ‬إليهم‭ ‬بسبب‭ ‬وحشية‭ ‬المرض‭. ‬

 

فرحة‭ ‬اللقاء‭ ‬بسمو‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل

مضت‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬رحلة‭ ‬العلاج،‭ ‬وحلم‭ ‬لقاء‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل‭ ‬يتضخم‭ ‬يومًا‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬وأصبح‭ ‬تحديا‭ ‬عند‭ ‬حسن،‭ ‬كانت‭ ‬صورة‭ ‬سموه‭ ‬لا‭ ‬تفارقه،‭ ‬وكلما‭ ‬شاهده‭ ‬في‭ ‬التلفاز‭ ‬أو‭ ‬الصحف‭ ‬يزداد‭ ‬التحدي‭ ‬إصرارًا‭ ‬ويتمنى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬موجودا‭ ‬ليصافحه‭.‬

حتى‭ ‬حانت‭ ‬الفرصة،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬سموه‭ ‬عائدًا‭ ‬من‭ ‬تكريمه‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬السابق‭ ‬بان‭ ‬كي‭ ‬مون‭ ‬بجائزة‭ ‬الشرف‭ ‬للإنجاز‭ ‬المتميز‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التنمية‭ ‬الحضرية‭ ‬والإسكان‭ ‬المقدمة‭ ‬من‭ ‬برنامج‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للمستوطنات‭ ‬البشرية،‭ ‬وقد‭ ‬أعدّ‭ ‬أهالي‭ ‬المحرق‭ ‬مراسم‭ ‬استقبال‭ ‬لسموه‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬المطار‭.‬

 

كان‭ ‬حسن‭ ‬سعيدًا‭ ‬بهذا‭ ‬الخبر،‭ ‬واعتبره‭ ‬فرصة‭ ‬لا‭ ‬تعوض‭ ‬للقاء‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭. ‬استعد‭ ‬للحظة‭ ‬وذهب‭ ‬للاستقبال‭ ‬مع‭ ‬أهالي‭ ‬المحرق،‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬اقترب‭ ‬سموه،‭ ‬وتوقف‭ ‬موكبه،‭ ‬استغل‭ ‬حسن‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬وذهب‭ ‬ليخبر‭ ‬شرطي‭ ‬الحراسة‭ ‬أنه‭ ‬يريد‭ ‬السلام‭ ‬على‭ "‬بابا‭ ‬خليفة‭"‬،‭ ‬فاصطحبه‭ ‬شرطي‭ ‬الحراسة‭ ‬لسيارة‭ ‬سموه،‭ ‬وكانت‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬تمناها،‭ ‬فأطل‭ ‬عليه‭ ‬سموه‭ ‬من‭ ‬نافدة‭ ‬السيارة،‭ ‬فأخبره‭ ‬حسن‭ ‬بكلام‭ ‬طفولي‭: ‬أنا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أسلم‭ ‬عليك‭ ‬وأشكرك‭ ‬لأنك‭ ‬عالجتني‭ ‬على‭ ‬حسابك،‭ ‬ابتسم‭ ‬سموه‭ ‬ورد‭ ‬عليه‭: "‬هل‭ ‬أنا‭ ‬عالجتك‭ ‬على‭ ‬حسابي‭"‬،‭ ‬فرد‭ ‬عليه‭ ‬بنعم‭. ‬ويتحدث‭ ‬حسن‭ ‬عن‭ ‬شعوره‭ ‬فيقول‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬شعورا‭ ‬يصعب‭ ‬وصفه،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تغمره‭ ‬الدموع‭ ‬ليس‭ ‬خوفًا،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬لقاء‭ ‬سموه‭ ‬وشكره‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬إليه‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬حلمًا‭ ‬وأمنية‭ ‬وتحقق‭ ‬هذا‭ ‬دون‭ ‬تخطيط‭ ‬مسبق،‭ ‬فالله‭ ‬استجاب‭ ‬دعاءه‭. ‬كان‭ ‬شعورا‭ ‬جميلا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬يضاهي‭ ‬الشعور‭ ‬بعد‭ ‬الشفاء‭.‬‭ ‬بعدها‭ ‬تواصل‭ ‬معه‭ ‬ديوان‭ ‬سموه‭ ‬ونسقوا‭ ‬لقاء‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬القضيبية‭. ‬ذهب‭ ‬معه‭ ‬والده‭ ‬وأخاه،‭ ‬وبمجرد‭ ‬أن‭ ‬رآه‭ ‬سموه‭ ‬في‭ ‬القصر‭ ‬تذكره‭ ‬وابتسم‭ ‬وقال‭: ‬هذا‭ ‬الطفل‭ ‬الذي‭ ‬تحدث‭ ‬معي‭ ‬أمس،‭ ‬ناداه‭ ‬وذهب‭ ‬إليه‭. ‬ويستذكر‭ ‬حسن‭ ‬اللقاء‭ ‬فيقول‭ ‬إن‭ ‬سموه‭ ‬وصفه‭ ‬بالبطل‭ ‬وكانت‭ ‬لمساته‭ ‬وأسلوبه‭ ‬في‭ ‬المعاملة‭ ‬بها‭ ‬لطف‭ ‬كبير‭ ‬وهذا‭ ‬الموقف‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يزول‭ ‬من‭ ‬ذاكرته‭. ‬وألقى‭ ‬بعدها‭ ‬قصيدة‭:‬

يا‭ ‬بوعلي‭ ‬مثل‭ ‬المطر‭ ‬يا‭ ‬صافي‭ ‬الروح‭ ‬ذكراك‭ ‬

تغسل‭ ‬هموم‭ ‬النفس‭ ‬وتروي‭ ‬ضماها‭ ‬

جعل‭ ‬ربي‭ ‬يا‭ ‬ابيض‭ ‬الوجه‭ ‬يرعاك‭ ‬

وجعل‭ ‬عينٍ‭ ‬ما‭ ‬تودك‭ ‬تلقى‭ ‬عماها

وعسى‭ ‬السعادة‭ ‬دايم‭ ‬الدوم‭ ‬وياك

وعسى‭ ‬الفرح‭ ‬يجيك‭ ‬من‭ ‬عالي‭ ‬سماها‭ ‬

 

السرطان‭ ‬يهاجم‭ ‬جسده‭ ‬للمرة‭ ‬الثالثة‭ ‬

عاد‭ ‬حسن‭ ‬لحياته‭ ‬الطبيعية‭ ‬مع‭ ‬تأخر‭ ‬في‭ ‬الدراسة،‭ ‬وقدم‭ ‬امتحانات‭ ‬اجتيازية‭ ‬فقط،‭ ‬حتى‭ ‬يجتاز‭ ‬مرحلة‭ ‬الصف‭ ‬الرابع‭ ‬وانتظم‭ ‬بعدها‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الصف‭ ‬الخامس،‭ ‬وعاد‭ ‬لهواياته‭ ‬ونشاطاته‭ ‬وواصل‭ ‬دعم‭ ‬المرضى‭. ‬ولكن‭ ‬فجأة‭ ‬شعر‭ ‬بصداع‭ ‬مزمن‭ ‬واستمر‭ ‬طويلًا‭ ‬دون‭ ‬توقف‭ ‬فشعر‭ ‬بالقلق؛‭ ‬لكن‭ ‬كانت‭ ‬الفحوصات‭ ‬سليمة‭ ‬في‭ ‬الدم‭. ‬فتم‭ ‬إجراء‭ ‬فحوصات‭ ‬إضافية،‭ ‬وبعد‭ ‬سحب‭ ‬عينة‭ ‬من‭ ‬الظهر‭ ‬اكتشفوا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬خلايا‭ ‬سرطانية‭ ‬في‭ ‬الرأس‭ ‬بنسبة‭ ‬كبيرة،‭ ‬فالخلايا‭ ‬السرطانية‭ ‬لم‭ ‬تثبت‭ ‬في‭ ‬الدم‭ ‬فقط؛‭ ‬لكن‭ ‬انتقت‭ ‬إلى‭ ‬الرأس‭. ‬وكانت‭ ‬خلايا‭ ‬سرطانية‭ ‬بنسبة‭ ‬90‭ % ‬في‭ ‬الرأس،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬سبب‭ ‬الصداع‭ ‬المزمن‭. ‬كان‭ ‬الأمل‭ ‬بعد‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬سمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬وتمت‭ ‬المناشدة‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية،‭ ‬وكان‭ ‬الرد‭ ‬سريعًا‭ ‬كعادته‭ ‬وتكفل‭ ‬بالعلاج‭.‬

 

العلاج‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬وصراع‭ ‬اليأس‭ ‬والأمل

سافر‭ ‬حسن‭ ‬إلى‭ ‬العلاج‭ ‬في‭ ‬ألمانيا،‭ ‬وكان‭ ‬العلاج‭ ‬على‭ ‬3‭ ‬مراحل،‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬مرحلة‭ ‬الكيماوي،‭ ‬والمرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬مرحلة‭ ‬الإشعاع‭. ‬كان‭ ‬شعور‭ ‬الأهل‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬العلاج‭ ‬يشوبه‭ ‬الإحباط،‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬عنوانا‭ ‬لضعف‭ ‬الإيمان،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الوضع‭ ‬كله‭ ‬معبأ‭ ‬بالحزن‭ ‬والقلق‭. ‬كان‭ ‬يشعر‭ ‬بأنه‭ ‬قد‭ ‬ضعف‭ ‬واستسلم‭ ‬للمرض،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬أهله‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬لأنه‭ ‬شعر‭ ‬باليأس‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬للعلاج،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬انتصر‭ ‬السرطان‭ ‬على‭ ‬عنفوانه،‭ ‬فقد‭ ‬أدرك‭ ‬مدى‭ ‬خطورة‭ ‬المرض‭ ‬وكان‭ ‬يحدث‭ ‬نفسه‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬سيموت‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يموت‭ ‬في‭ ‬بلده‭ ‬بين‭ ‬أحبائه؛‭ ‬لكن‭ ‬بعدها‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬نفسه،‭ ‬حديث‭ ‬بتفكير‭ ‬وتأمل،‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬نجاه‭ ‬من‭ ‬المرض‭ ‬مرة‭ ‬ومرتين‭ ‬وقادر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ينجيه‭ ‬للمرة‭ ‬الثالثة،‭ ‬وتذكر‭ ‬كذلك‭ ‬كلمة‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل‭ ‬إليه‭ ‬بأنه‭ ‬بطل‭ ‬ونفتخر‭ ‬بك،‭ ‬فاستعاد‭ ‬ذاته‭ ‬المتعبة‭ ‬وضخ‭ ‬كميات‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬والتحدي‭. ‬فهذه‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬جعلته‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬فرمم‭ ‬ثقته‭ ‬بنفسه‭ ‬واستعاد‭ ‬عنفوانه،‭ ‬وقرر‭ ‬مواجهة‭ ‬المرض‭ ‬بإيمانه‭ ‬الراسخ‭ ‬بالله،‭ ‬فكلما‭ ‬زاد‭ ‬إيمانك‭ ‬وثقتك‭ ‬به‭ ‬زادت‭ ‬قوتك‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المرض‭. ‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬يلقن‭ ‬ذاته‭.‬

بدأ‭ ‬العلاج‭ ‬وانتهت‭ ‬فترة‭ ‬الكيماوي‭ ‬والإشعاعي،‭ ‬وخلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬كانوا‭ ‬يبحثون‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬متبرع‭ ‬للنخاع‭ ‬وحصلوا‭ ‬على‭ ‬متبرع‭ ‬مطابق‭ ‬100‭ %‬،‭ ‬وتم‭ ‬التبرع‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬زراعة‭ ‬النخاع‭. ‬استغرق‭ ‬العلاج‭ ‬سنة‭ ‬ونصف،‭ ‬بين‭ ‬العلاج‭ ‬الكيماوي‭ ‬والإشعاعي‭ ‬وزراعة‭ ‬النخاع،‭ ‬كان‭ ‬بعدها‭ ‬يحتاج‭ ‬لأخذ‭ ‬الأدوية‭ ‬الخاصة‭ ‬بعد‭ ‬عملية‭ ‬الزراعة‭ ‬لمدة‭ ‬سنة،‭ ‬كأدوية‭ ‬تثبيت‭ ‬المناعة‭. ‬

 

مرحلة‭ ‬بعد‭ ‬التشافي

بعد‭ ‬5‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬العلاج‭ ‬تجاوز‭ ‬حسن‭ ‬مرحلة‭ ‬الخطر،‭ ‬وكانت‭ ‬المتابعة‭ ‬بين‭ ‬الطبيب‭ ‬المختص‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وألمانيا‭. ‬وعاد‭ ‬للحياة‭ ‬مجددًا‭ ‬مزهوًا‭ ‬بانتصاره،‭ ‬وعن‭ ‬شعوره‭ ‬بعد‭ ‬التشافي‭ ‬يقول‭ "‬شعوري‭ ‬بعد‭ ‬العلاج‭ ‬لا‭ ‬يوصف،‭ ‬فأشكر‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الشفاء‭ ‬وأشكره‭ ‬على‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬سخرهم‭ ‬لي‭ ‬وكانوا‭ ‬السبب‭ ‬بعده‭ ‬في‭ ‬شفائي‭".‬

حسن‭ ‬حاليًا‭ ‬يمارس‭ ‬حياته‭ ‬الطبيعية‭ ‬برغم‭ ‬الأعراض‭ ‬التي‭ ‬تستمر‭ ‬مع‭ ‬مرضى‭ ‬السرطان‭ ‬مثل‭ ‬ضعف‭ ‬المناعة،‭ ‬وهو‭ ‬حاليًا‭ ‬على‭ ‬مشارف‭ ‬التخرج‭ ‬من‭ ‬الجامعة،‭ ‬وموظف‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الوزارات‭ ‬الحكومية‭. ‬فلا‭ ‬يوجد‭ ‬شيء‭ ‬يبعده‭ ‬عن‭ ‬السعادة‭ ‬والإيجابية‭. ‬ويحاول‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نموذجا‭ ‬إيجاباي‭ ‬وحافزا‭ ‬للمحاربين‭ ‬الآخرين،‭ ‬فيستمدون‭ ‬منه‭ ‬القوة‭ ‬وهو‭ ‬يستمد‭ ‬منهم‭ ‬القوة‭ ‬من‭ ‬صبرهم‭ ‬وعزيمتهم‭.‬

تجربة‭ ‬السرطان‭ ‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬الماضي،‭ ‬ولكنها‭ ‬أثرت‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬حسن،‭ ‬فقد‭ ‬حرمته‭ ‬من‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة،‭ ‬فقد‭ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬حياته‭ ‬الأسرية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬في‭ ‬الإصابة‭ ‬الأولى‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يشعر‭ ‬بهذا؛‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الإصابة‭ ‬الثانية‭ ‬والثالثة‭ ‬اضطر‭ ‬للعلاج‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬فعاش‭ ‬عزلة‭ ‬عن‭ ‬الأهل‭ ‬وغيابا‭ ‬قسريا،‭ ‬وكانت‭ ‬ظروفا‭ ‬صعبة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬خارج‭ ‬بلادك‭ ‬تتلقى‭ ‬العلاج‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬أنت‭ ‬بحاجة‭ ‬ليكون‭ ‬الجميع‭ ‬حولك،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬افتقده‭ ‬أثناء‭ ‬العلاج‭ ‬في‭ ‬الخارج‭.‬

 

الوالدان‭ ‬الداعم‭ ‬الرئيس‭ ‬بعد‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ولا‭ ‬خوف‭ ‬من‭ ‬عودة‭ ‬المرض

وعن‭ ‬كيفية‭ ‬تخطيه‭ ‬مرحلة‭ ‬السرطان‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحمل‭ ‬من‭ ‬ألم‭ ‬وغربة‭ ‬ومعاناة‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬تخطيت‭ ‬مرحلة‭ ‬الإصابة‭ ‬واستمددت‭ ‬قوتي‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬فمن‭ ‬ينظر‭ ‬لمصيبة‭ ‬غيره‭ ‬تهون‭ ‬عليه‭ ‬مصيبته،‭ ‬فحين‭ ‬تنظر‭ ‬لمن‭ ‬حولك‭ ‬تشكر‭ ‬ربك‭ ‬على‭ ‬النعمة‭ ‬التي‭ ‬منحها‭ ‬لك‭.‬

قد‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأوقات‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬غيرك،‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬عاملا‭ ‬رئيسا‭ ‬في‭ ‬تقوية‭ ‬ذاتي‭ ‬المتعبة‭ ‬والتخفيف‭ ‬من‭ ‬المصيبة،‭ ‬ووقفة‭ ‬أمي‭ ‬وأبي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أنساها،‭ ‬فقد‭ ‬عاشا‭ ‬معي‭ ‬لحظات‭ ‬الألم‭ ‬وشاركاني‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دمعة‭ ‬تسقط‭ ‬من‭ ‬عيني‭ ‬المجهدة،‭ ‬ورافقاني‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬العلاج‭ ‬وتغربا‭ ‬معي‭ ‬وتركا‭ ‬إخوتي‭ ‬ليكونا‭ ‬لي‭ ‬سندا‭ ‬وعونا‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬العلاج‭. ‬كاناا‭ ‬ذراعي‭ ‬اليمين‭ ‬والداعم‭ ‬الرئيس‭ ‬ولم‭ ‬يتركاني‭ ‬للحظة‭. ‬كانا‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬علاجي‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وفي‭ ‬الخارج‭. ‬كانا‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬اللحظات‭ ‬في‭ ‬شدتي‭ ‬وراحتي‮»‬‭.‬

ويضيف‭ ‬بكل‭ ‬عنفوان‭ ‬وثقة‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أخشى‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬ولا‭ ‬أخاف‭ ‬من‭ ‬رجوعه،‭ ‬فالمرض‭ ‬ابتلاء‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬عافاني‭ ‬بقدرته‭ ‬وهو‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬الشفاء‭ ‬إذا‭ ‬عاد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭. ‬المرض‭ ‬عرفني‭ ‬على‭ ‬أشخاص،‭ ‬وعرفني‭ ‬على‭ ‬صعوبات‭ ‬وعلمني‭ ‬الصبر‭ ‬منذ‭ ‬كنت‭ ‬صغيرًا‭ ‬واستفدت‭ ‬من‭ ‬المرض‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬أخد‭ ‬مني‮»‬‭.‬

 

رسالة‭ ‬إلى‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة

بعد‭ ‬أن‭ ‬تماثل‭ ‬حسن‭ ‬للشفاء،‭ ‬كان‭ ‬يحمل‭ ‬الأمل‭ ‬بلقاء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل،‭ ‬ليقدم‭ ‬له‭ ‬الشكر‭ ‬على‭ ‬تكفله‭ ‬بعلاجه،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬سببًا‭ ‬بعد‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬شفائه‭ ‬وعودته‭ ‬إلى‭ ‬الحياة،‭ ‬ويتحدث‭ ‬حسن‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الرحيل‭ ‬الحزين‭ ‬بالقول‭ ‬‮«‬كان‭ ‬لرحيله‭ ‬الأثر‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬نفسي،‭ ‬فرحيله‭ ‬ترك‭ ‬أثرا‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬فئات‭ ‬الشعب‭ ‬صغارا‭ ‬وكبارا،‭ ‬ومواقفه‭ ‬تثبت‭ ‬إنسانيته‭ ‬وحبه‭ ‬لشعبه‭.‬

شكرا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬قلبي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬لي‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الشخصي‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬لمرضى‭ ‬السرطان‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.‬

لا‭ ‬أنسى‭ ‬وقفته‭ ‬معنا‭ ‬نحن‭ ‬عمومًا،‭ ‬ولا‭ ‬أنسى‭ ‬وقفته‭ ‬معي‭ ‬أنا‭ ‬شخصيًا،‭ ‬وسأظل‭ ‬أردد‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬نفسي‭ ‬ومع‭ ‬العالم‭: ‬شكرًا‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قدمته‭ ‬لي،‭ ‬شكرًا،‭ ‬فلك‭ ‬مكانة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬قلبي‭ ‬لن‭ ‬تتغير‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭.‬

كان‭ ‬لي‭ ‬أمل‭ ‬بالله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬أن‭ ‬ألتقيه‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية‭ ‬وأسلم‭ ‬عليه‭ ‬ولكن‭ ‬قدر‭ ‬الله‭ ‬وما‭ ‬شاء‭ ‬فعل،‭ ‬موقفه‭ ‬معي‭ ‬لا‭ ‬أنا‭ ‬ولا‭ ‬أقاربي‭ ‬ولا‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬يعرفني‭ ‬ينساه،‭ ‬وهذا‭ ‬المعروف‭ ‬سأحمله‭ ‬وأفتخر‭ ‬به‭ ‬ما‭ ‬دمت‭ ‬حيًا،‭ ‬وأذكر‭ ‬اسمه‭ ‬وأدعو‭ ‬إليه‭ ‬دائمًا‭ ‬على‭ ‬الموقف‭ ‬الذي‭ ‬نجاني‭ ‬منه‭ ‬بعد‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬مواصلة‭ ‬مشوار‭ ‬حياتي‭ ‬بعد‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬ولله‭ ‬الحمد،‭ ‬والجميع،‭ ‬سواء‭ ‬أهلي،‭ ‬إخوتي،‭ ‬والدي،‭ ‬وأقاربي،‭ ‬ممتنون‭ ‬لسموه‭ ‬رحمه‭ ‬الله‮»‬‭.‬

 

رسالة‭ ‬لمرضى‭ ‬السرطان‭ ‬والعالم

يختتم‭ ‬حسن‭ ‬حديثه‭ ‬برسالة‭ ‬لمرضى‭ ‬السرطان،‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬هزيمته‭ ‬3‭ ‬مرات،‭ ‬فيقول‭ ‬‮«‬السرطان‭ ‬مرض‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬تجربة‭ ‬تستطيع‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬تستمد‭ ‬قوتك،‭ ‬وتقيم‭ ‬مدى‭ ‬صبرك‭ ‬وتحملك،‭ ‬ويكون‭ ‬لك‭ ‬درس‭ ‬في‭ ‬الصبر‭ ‬والتحمل،‭ ‬وتجربة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬تمنحك‭ ‬القوة‭ ‬والصلابة‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬وفوق‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬يكون‭ ‬سببا‭ ‬لإيمانك‭ ‬بالله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬ويزداد‭ ‬تعلقك‭ ‬بالله،‭ ‬فهو‭ ‬من‭ ‬ابتلاك‭ ‬بالمرض‭ ‬ووحده‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬شفائك‮»‬‭.‬