فاطمة فروتن احترفت الأمل وركلت اليأس لتهزم مرض السرطان مرتين
فاطمة فروتن
إعداد: حسن فضل
فاطمة فروتن امرأة تحترف الأمل وتركل اليأس دون تردد، فلا تسمح له أن يعبث في حياتها وأحلامها، فهي تعشق الحياة وتعطيها كل وجودها وتقدس كل لحظاتها.
فاطمة موظفة في جامعة طبية، ومتطوعة في مجال البيئة وممثلة إقليمية في منطقة غرب آسيا في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ولها نشاطات تطوعية مختلفة. هي ناجية من مرض السرطان مرتين.
تمكنت من ترويضه وهزيمته بإرادة التحدي واستراتيجية الصبر الجميل كما تسميها. عرفت العمل التطوعي منذ نعومة أظافرها فتجذر حب الناس وحب الخير في كل تفاصيلها.
«صحتنا» التقت بها لتسرد لنا قصتها الفريدة وكيف هزمت السرطان.
قبل السرطان... حياة معبأة بالتحدي والأحلام
كانت حياة فاطمة طبيعية وهادئة، حياة مزدحمة بالعمل والنجاح والإنجازات، ومعبأة بالتحدي والأحلام التي لا حدود لها. حياة لا تعرف اليأس مؤطرة بأهداف مرسومة بعناية فائقة، حيث الوصول للتميز والنجاح. انخرطت في العمل التطوعي من سن مبكرة بتشجيع من والديها الذين عززا عندها قيمة العطاء في المجتمع، فكانت تشعر أن من واجبها أن تعطي، وتقدم للمجتمع، وتخدم وطنها بأي طريقة. ولحبها للعمل كانت تدرس في الجامعة وتعمل في نفس الوقت، فدمجت الخبرة بالتعليم من البداية، وأضافت لرصيدها وكونت شخصيتها وصقلت نفسها أكثر. كان إحساسها بالمسؤولية يدفعها لبذل كل ما يمكنها فعله لخدمة المجتمع والوطن ككل.
الإنذار الأول بالسرطان بدأ في 2007
بينما كانت فاطمة تمارس طقوس الحياة بكل حب واندفاع وسعادة، وطموح متدفق لا حدود له، ولا يعرف معنى المستحيل، كان هناك تحد جديد ومصيري، ففي العام 2007 عانت من مشكلات معينة في الغدة الدرقية وشك الأطباء أن عندها سرطان الغدة الدرقية، فأخذوا عينة للتأكد. كان مجرد نطق حروف المرض يسبب رعبا، فوقعه كان مخيفا، وصادما، فتسربت كل حروفه بقسوة لداخلها، وبعثرت ذلك السكون، فبدأت تتجسد أحلامها صورًا أمام عينيها، أحلامها التي لم تتحقق، والتي أصبحت مهددة.
عادت إلى المنزل وهي في حالة ذهول وصمت، وكأنها لم تستوعب، كانت تعيش حالة ضيق وقلق وخوف من المستقبل المجهول. سيطر عليها هذا الشعور لساعات محدودة، ثم استعادت المبادرة وبدأت تفكر وتحدث نفسها في حالة من التجلي، وتسأل ذاتها المتعبة من أكوام القلق المكدسة: ما احتمال أن أكون مصابة بالسرطان؟ وإذا كنت مصابة بالسرطان ما هو أبعد احتمال؟ الموت!؟ نعم الموت هو أقصى ما يمكن أن يفكر فيه المرء، وحين وصلت لهذه الحقيقة، بدأت جلسة من التفكر والتدبر والأسئلة تستمر بالتدفق.. هل أنها إذا أصيبت بالسرطان وأصبح هذا واقعا سيغير شيئا في حياة فاطمة؟ هل سيتغير توجهها، ورؤيتها في الحياة ستتغير؟
تأملات وحوار مع النفس
بعض لحظات تأمل عميق وجدت أنها تسير في الطريق الصحيح؛ ولكن في ذات الوقت شعرت بأنها لم تكمل رسالتها في الحياة، وهناك رغبة عارمة في أن تقدم وتخدم المجتمع وتصلح من نفسها والمجتمع بعدها تكون مستعدة للانتقال للعالم الآخر بنفس مطمئنة. وفي لحظة من الخضوع لله والتسليم التام توجهت بقلبها الذي ملأه الإيمان الصادق، فبدأت تخاطب الله بخشوع: رباه امنحني فرصة لأن أكمل الرسالة التي أنا موجودة لأجلها في الحياة. فقد كانت تشعر بأنها لم تكمل رسالتها وأنها متشبثة في الحياة.
شعرت فاطمة بحالة اطمئنان رهيبة بعد مخاطبة الله، فقد وضعت كل أملها وثقتها في الله بدرجة من التسليم العالي.. وانتظرت نتيجة العينة.
ولكن العينة لم تبين إن كان ورما خبيثا أو حميدا. وبالرغم من هذا فضّل الطبيب في المملكة العربية السعودية إزالة نصف الغدة الدرقية، فاستأصلوا النصف الأيسر، ولكن اتضح أنه لم يكن سرطانا. ورغم أنها لم تكن مصابة، فقد تذوقت مرارة أن تكون مصابة، فعاشت القلق والرعب، وأصبحت مهيأة لأي طارئ.
الإصابة الأولى بالسرطان والصبر عنوان المرحلة
كان الطبيب قد طلب منها أن تكون على متابعة دورية، للنصف الثاني من الغدة الدرقية الذي أصيب بالتهاب، فكانت في متابعة مستمرة، وفي 2014 اكتشفوا تكونا لأورام معينة في الجزء المتبقي من الغدة الدرقية فأخذوا خزعة. وانتظرت النتيجة حتى وصلها الخبر الصادم، وتبين أنها مصابة بالسرطان. وبالرغم من أنها كانت مهيأة لهذا الخبر بعد تجربتها الأولى ولكن حين أصبح المرض واقعًا شعرت بحزن وسمحت لدمعاتها بالسقوط، فقد بكت قليلًا مع نفسها، ولكنها سرعان ما استجمعت قواها مستفيدة من المخزون المعنوي الهائل الذي كسبته في التجربة الأولى، ورفعت رأسها وقررت مواجهته وإعلان التحدي، واتخذت لنفسها شعار الصبر، فكان هذا الشعار عنوان المرحلة. كانت تستحضر شخصية سوبرمان، كيف كان شخصا عاديا وأصبح بطلا خارقا، فهي تؤمن أن تجاوز الإنسان لهذه العقبة يعتمد على نظرته للمرض والحياة، والإيمان بأن له دورا مهما لوجوده في الحياة وبالرضا والتسليم، فكانت تؤمن بأن الله اختارها لهذه المهمة والاختبار، والقبول والرضا بداية خارطة الطريق للنجاة، فهناك قوة داخلية تساهم في تجاوز هذا المرض المتوحش، فداخل كل إنسان بطل خارق ينتظر أن يخرج، وأحيانًا المرض والألم فرصة لاكتشاف قدراتنا بهذا الشعور والتسليم المدعم بالصبر. قررت خوض المعركة مع هذا المرض وأعلنت قبول التحدي. قرر الطبيب السعودي الحضور إلى البحرين وإجراء العملية، إذ تم تأكيد إصابتها بسرطان الغدة الدرقية في الجزء المتبقي، وتم إزالتها بالكامل من منطقة الرقبة وقرر الأطباء أنها لا تحتاج لعلاج إضافي.
الأهل والأصدقاء في المحنة
تحدثنا فاطمة عن الأهل والأصدقاء ودورهم في محنتها، فتقول إن من الطبيعي أن الوالدين والأهل والأصدقاء والمقربين يشعرون بالضيق؛ لما يسمعونه عن هذا المرض وعن ضحاياه، ولكن عندما يشاهدون ويلمسون الرضا التام عندها بقرار الله وخياره لها بأن تصاب بهذا المرض وصبرها بحيث لا تظهر الجانب المؤلم، بل تبرز الجانب الذي فيه دروس مستفادة، فهم يأخذون من هذا الصبر ومن هذه الإيجابية وتهدأ نفوسهم التي كان يملأها القلق والخوف على صحتها.
علاج المرض وخيارات العلاج
وتضيف بخصوص خيارات العلاج أنه بالنسبة لنوع السرطان الذي كانت تعاني منه فهو نوع شائع، ونسبة الشفاء جدًا عالية وهو قابل للشفاء، والعلاج يكون بالجراحة واليود المشع وهو العلاج الإشعاعي، ولكون المنطقة هي منطقة الرقبة فلا تستجيب للعلاج الكيميائي، فقط باليود المشع، وهذا كان جانبا إيجابيا، وهو أن نوع هذا السرطان قابل للعلاج وبطيء النمو، كل ذلك كانت تراه أشياء إيجابية.
فترة العزل وسيلة للتعرف على الذات
وعن فترة العلاج، تذكر أن الظروف التي كانت فيها عبارة عن صعود وهبوط، فالعلاج الجراحي يتم بعده علاج باليود المشع، واليود المشع يتطلب العزل، وفي 2014 و2015 لم يكن عندنا هذه الجائحة، فمفهوم العزل لم يكن مألوفا وكان صعبا قليلًا؛ لأن من يتعالج يجب أن يعزل نفسه عن الناس والأطفال والحوامل. وفترة العزل هذه أسمتها فترة التعرف على الذات، وفترة تقييم الذات، فقط تتأمل وتنظر ببصيرتها في عمقها الداخلي وتحدد نقاط الضعف، وكيف تتغلب عليها وما هي نقاط القوة عند فاطمة، فهذا كله تم بنجاح وتم إعلان شفائها من السرطان للمرة الأولى؛ فعادت للحياة بزهو الانتصار.
كابوس عودة السرطان للمرة الثانية
عادت فاطمة لحياتها ولكنها عودة حذرة، فهاجس عودة المرض ظل يلاحقها وظله يتابعها، فالفريق الطبي كان قد أوصاها بعمل فحوصات دورية للثدي ومنطقة الرحم. وخلال المتابعات الدورية في العام 2018 وأثناء هذه الفحوصات تم تشخيصها من بعدها بسرطان الغدة الدرقية للمرة الثانية، فتم تحويلها إلى مستشفى الملك حمد وطلبت الطبيبة إجراء فحوصات إضافية حتى أكد الفريق الطبي أنها مصابة بالسرطان للمرة الثانية، وتم علاجها بعملية ثانية لإزالة الفص الأيمن وعلاجها باليود المشع وبعدها تم العزل ومن خلال المتابعة تبين أن الأجسام المضادة للسرطان لا ينزل مستواها وترتفع.
رسائل الله خلال رحلة العلاج الصعبة
كان التشخيص في المرة الثانية للسرطان في منطقة حساسة؛ فقد كانت هناك عمليتان، الأولى كانت الفص الأيسر والعملية الثانية في الفص الأيمن. وطلب منها الطبيب عملية ثالثة، فالسرطان رجع في منطقة جدًا حساسة عند الأحبال الصوتية، فكان هذا جزءا من خطورة العملية كمضاعفات يمكن أن تفقدها الصوت. فإصابتها بالسرطان في المرة الثانية كانت أصعب من المرة الأولى لأسباب عدة، السبب الأول أنها كانت تعرف بالضبط العلاج الذي سيكون باليود المشع وتعرف الألم بعد العملية والحمية التي يجب عليها الالتزام بها والتي كانت متعبة، فقد كانت تفقد 7 كيلوغرامات في الأسبوع فهذا كله كانت تعرفه وتعرف أنها تجربة صعبة.
الأصعب في هذه المرحلة من العلاج هو أنها كانت تمر بتحد في حياتها الشخصية، ففي نفس اليوم الذي تم تشخيصها بالسرطان للمرة الثانية، وكان هذا حدث كبير في حياتها الشخصية، وقفت متأملةً سائلة الله بقلب خاشع وكله تسليم «يا رب من المؤكد أن لديك رسالة معينة لي فكيف يكون هناك خبران مهمان في يوم واحد؟". هنا عرفت رسالة الله لها وهي أن تتحمل الألم، ألم لا يستطيع أي شخص أن يتحمله، وتحتاج أن تكون أقوى من أجل من يقفون معها ويدعمونها، فإذا ضعفت سيضعفون بدورهم.
وأدركت أن الله يرقيها ويعطيها فرصة أن ترتقي بنفسها لمستوى أفضل، فانتقلت من الصبر إلى الصبر الجميل، وأخذت قرارا على نفسها أن ترى جمال قرار الله لها بكل خطوة في العملية الصعبة التي تنتظرها والتي تدرك مرارتها وألمها.
محاربة شرسة وقدوة للآخرين
فاطمة كانت مناضلة ومحاربة شرسة للسرطان، فرغم إصابتها إلا أنها لم توقف أعمالها والتزاماتها، فقد كانت ترى أن إصابتها بالسرطان لا تعني أن تُحجم حياتها بالمرض، وتقوم بكل الأدوار الأخرى قدر الإمكان، ما عدا الأوقات التي يكون فيها الألم في ذروته أو تكون في المستشفى، فلا تتخلى عن واجباتها في العمل الوظيفي والعمل التطوعي. وحين تكون في العزل لوحدها كانت تجري بعض الأمور الخاصة بالعمل التطوعي عن طريق الهاتف، وهذا يعطيها دافع بأن عندها رسالة تريد تكملتها وفي ذات الوقت تعطي رسائل إيجابية للآخرين، فعنوان التحدي يجب أن يكون بارزًا في كل الظروف ولا نستسلم، فهي كنت صابرة مع السرطان، وتتعالج، وفي نفس الوقت لم تتخلَّ عن أدوارها في الحياة، وهذه الرسالة وصلتهم.
الحياة ما بعد التشافي
تحدثنا عن حياتها بعد التشافي فتقول إنها حياة جميلة؛ لأنها تعيش حالة الامتنان والشكر لله سبحانه وتعالى أن سمح لها بأن تعيش هذه التجربة، فهذا جعلها تتطور أكثر وتعرف آلام المرضى، فهو ليس مجرد المرض، إنما الرحلة كلها.
واليوم من خلال منصتها في حسابها الخاص في الإنستغرام تنشر الوعي وطريقة التشافي، وخصصت 3 أبواب أساسية في الحساب للقصة والتجربة التي عاشتها في رحلة التشافي والتي بها نجد جرعات الأمل والسلام الداخلي، فحسابها كرسته لنشر الوعي بشأن هذا المرض ونشر تجربة شفاء إيجابية لتكون مصدر أمل للآخرين، في ذات الوقت تقدم الدعم المعنوي لمرضى السرطان.
تفحصوا حياتكم وعلاقتكم فهي محطات للمراجعة
وتختتم لقاءنا معها برسالة توجهها للجميع: تفحصوا حياتكم وعلاقتكم الروحانية مع الله. تفحصوا القلوب والمشاعر، تفحصوا أدواركم، فهذه كلها محطات للمراجعة. أنا أقف أمامكم مبتسمة مليئة بالأمل والإيجابية. تشافيت ليس لمرة واحدة، ولكن مرتين من السرطان بفضل من الله، فأنا مثال لكم، فالأمل موجود وأنتم أيضًا تستطيعون التشافي، ويحتاج هذا لثقة كبيرة بالله وقدرة جسمكم على التعافي.