+A
A-

مرض سوء تغذية الغدة الكظرية وبيضاء الدماغ أنهكه ودمر حياته

إعداد‭: ‬حسن‭ ‬فضل

كان‭ ‬فرحة‭ ‬أبويه‭ ‬الأولى‭... ‬عاش‭ ‬سنواته‭ ‬المبكرة‭ ‬كباقي‭ ‬الأطفال،‭ ‬حياة‭ ‬مليئة‭ ‬بالبراءة‭ ‬والمرح‭ ‬والشقاوة،‭ ‬حتى‭ ‬باغته‭ ‬المرض‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬التاسعة‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬وتطور‭ ‬مع‭ ‬السنوات‭ ‬حتى‭ ‬سلب‭ ‬منه‭ ‬ذلك‭ ‬الأنس،‭ ‬وتحول‭ ‬إلى‭ ‬شخص‭ ‬عاجز،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬ضحكاته‭ ‬تملأ‭ ‬البيت،‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬شاب‭ ‬في‭ ‬مقتبل‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬نادر‭ ‬يدعى‭ ‬سوء‭ ‬تغذية‭ ‬الغدة‭ ‬الكظرية‭ ‬وبيضاء‭ ‬الدماغ‭ (‬XX-linked Adrenoleukodystrophy linked Adrenoleukodystrophy‭).‬،‭ ‬إنه‭ ‬علي‭ ‬عيسى‭ ‬الذي‭ ‬يقف‭ ‬شامخًا‭ ‬أمام‭ ‬المرض‭ ‬مؤمنًا‭ ‬بقضاء‭ ‬الله‭ ‬وقدره‭.‬

لم‭ ‬يقف‭ ‬والده‭ ‬عاجزًا‭ ‬أمام‭ ‬المرض،‭ ‬فمنذ‭ ‬اللحظة‭ ‬الأولى‭ ‬لتشخيص‭ ‬ابنه،‭ ‬وحتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬وهو‭ ‬يناضل‭ ‬ويفتش‭ ‬في‭ ‬العتمة‭ ‬عن‭ ‬نور‭ ‬يوصله‭ ‬لعلاج‭ ‬ابنه،‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬امتدت‭ ‬لإحدى‭ ‬عشرة‭ ‬سنة،‭ ‬ذهب‭ ‬فيها‭ ‬لـ‭ ‬5‭ ‬دول،‭ ‬باحثا‭ ‬عن‭ ‬بريق‭ ‬أمل‭ ‬لعلاج‭ ‬ابنه،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يعود‭ ‬بخفي‭ ‬حنين،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬ييأس‭ ‬من‭ ‬رحمة‭ ‬الله،‭ ‬فالأمل‭ ‬مازال‭ ‬يشع‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬بأن‭ ‬يتم‭ ‬اكتشاف‭ ‬علاج‭ ‬لفلذة‭ ‬كبده‭.‬

‮«‬صحتنا‭ ‬في‭ ‬البلاد‮»‬‭ ‬التقت‭ ‬والد‭ ‬الطفل‭ ‬ليروي‭ ‬قصة‭ ‬معاناة‭ ‬11‭ ‬سنة‭ ‬مع‭ ‬مرض‭ ‬نادر،‭ ‬ليروي‭ ‬قصة‭ ‬أب‭ ‬مكافح‭ ‬ومتفان‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬صابرا،‭ ‬محتسبا،‭ ‬متشبثا‭ ‬بالأمل‭ ‬ومواصلا‭ ‬البحث‭ ‬والنضال؛‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬علاج‭ ‬ابنه‭.‬

السنوات‭ ‬الأولى‭.. ‬علي‭ ‬منطلقًا‭ ‬في‭ ‬الحياة

ولد‭ ‬علي‭ ‬عيسى‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2001‭ ‬وكان‭ ‬الفرحة‭ ‬الأولى‭ ‬لأبويه‭. ‬ولادته‭ ‬كانت‭ ‬طبيعية،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬أمراض‭ ‬مزمنة،‭ ‬أو‭ ‬وراثية،‭ ‬وكانت‭ ‬جميع‭ ‬أموره‭ ‬مستقرة‭. ‬ابتسامته‭ ‬وضحكاته‭ ‬كانت‭ ‬تملأ‭ ‬البيت،‭ ‬وتغمر‭ ‬والديه‭ ‬سعادة‭. ‬كان‭ ‬علي‭ ‬متفوقًا‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬ومحبًا‭ ‬للحياة‭ ‬وكان‭ ‬مولعا‭ ‬بالرسم‭ ‬وكرة‭ ‬السلة،‭ ‬ويذهب‭ ‬مع‭ ‬أصدقائه‭ ‬في‭ ‬الحي‭ ‬الذي‭ ‬يسكنه‭ ‬للعب‭ ‬يوميا‭. ‬رغم‭ ‬حيويته‭ ‬ونشاطه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬شخصيته‭ ‬تتميز‭ ‬بالهدوء،‭ ‬وما‭ ‬يميزه‭ ‬هو‭ ‬علاقته‭ ‬بالله،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬مواظبًا‭ ‬على‭ ‬الصلاة‭ ‬في‭ ‬المسجد،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬كثيرة‭ ‬كان‭ ‬يسمح‭ ‬له‭ ‬بالأذان‭.‬

هكذا‭ ‬كانت‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬لا‭ ‬يشوبها‭ ‬أي‭ ‬مرض‭ ‬أو‭ ‬عائق،‭ ‬كان‭ ‬منطلقا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭.‬

دفعة‭ ‬على‭ ‬الحائط‭ ‬من‭ ‬زميل‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬إصابته‭ ‬بعد‭ ‬أشهر

كان‭ ‬يوما‭ ‬عاديا‭ ‬كباقي‭ ‬أيام‭ ‬المدرسة،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الرابع،‭ ‬ولكن‭ ‬حدث‭ ‬أمر‭ ‬كان‭ ‬بداية‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬فأحد‭ ‬زملائه‭ ‬دفعه‭ ‬للحائط‭ ‬فأصيب‭ ‬خلف‭ ‬الرأس،‭ ‬وتم‭ ‬نقله‭ ‬للمستشفى‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬علم‭ ‬والديه،‭ ‬وتم‭ ‬علاجه‭ ‬هناك‭ ‬وخياطة‭ ‬مكان‭ ‬الجرح‭. ‬تفاجأ‭ ‬والده‭ ‬عنده‭ ‬عودة‭ ‬ابنه‭ ‬من‭ ‬المدرسة،‭ ‬فقميص‭ ‬علي‭ ‬كان‭ ‬ممتلئا‭ ‬بالدماء،‭ ‬ورأسه‭ ‬مضمد‭. ‬

بعد‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬بدأت‭ ‬تظهر‭ ‬عليه‭ ‬أعراض‭ ‬مثل‭ ‬مشكلة‭ ‬السمع،‭ ‬فقد‭ ‬لاحظ‭ ‬والداه‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يسمعهما‭ ‬جيدا‭ ‬خصوصا‭ ‬عند‭ ‬الاتصال‭ ‬بالهاتف،‭ ‬وذهبا‭ ‬به‭ ‬لاختصاصي‭ ‬سمع،‭ ‬فطمأنهما‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يرام‭ ‬وسمعه‭ ‬طبيعي؛‭ ‬ولكنه‭ ‬نصح‭ ‬بأن‭ ‬يذهب‭ ‬لاختصاصي‭ ‬نفسي،‭ ‬فقد‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬مشكلة‭ ‬نفسية‭.‬‭ ‬ذهب‭ ‬به‭ ‬والده‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬طبيب‭ ‬نفسي،‭ ‬وبدأ‭ ‬الطبيب‭ ‬بطرح‭ ‬أسئلة‭ ‬كسؤاله‭ ‬عن‭ ‬ولادته،‭ ‬وعن‭ ‬كل‭ ‬مشكلاته،‭ ‬وبعد‭ ‬إجراء‭ ‬كل‭ ‬الاختبارات،‭ ‬طلب‭ ‬الطبيب‭ ‬من‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬يمشي‭ ‬بطريقة‭ ‬معينة،‭ ‬ومنها‭ ‬اكتشف‭ ‬أنه‭ ‬توجد‭ ‬حركة‭ ‬غير‭ ‬طبيعية،‭ ‬فأخبر‭ ‬والده‭ ‬بضرورة‭ ‬عمل‭ ‬أشعة‭ ‬التصوير‭ ‬بالرنين‭ ‬المغناطيسي،‭ ‬وتم‭ ‬إجراء‭ ‬الأشعة‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬السلمانية‭ ‬الطبي‭.‬

وبعد‭ ‬اطلاعهم‭ ‬على‭ ‬نتيجة‭ ‬الأشعة‭ ‬شكوا‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬المرض،‭ ‬وتم‭ ‬إجراء‭ ‬فحوصات‭ ‬الدم،‭ ‬إذ‭ ‬بعثت‭ ‬عينات‭ ‬الدم‭ ‬إلى‭ ‬ألمانيا،‭ ‬وأعادوا‭ ‬إجراءها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬التشخيص،‭ ‬وجاءت‭ ‬مطابقة،‭ ‬وعندها‭ ‬تم‭ ‬تشخيص‭ ‬المرض‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬استشارية‭ ‬أمراض‭ ‬المخ‭ ‬والأعصاب‭ ‬د‭. ‬فاطمة‭ ‬نعمة‭ ‬أخبرت‭ ‬والده‭ ‬أنه‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬مشكلة‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬البيضاء‭ ‬في‭ ‬المخ،‭ ‬وتم‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬اختصاصية‭ ‬تغذية‭ ‬لكي‭ ‬تخبره‭ ‬بنوعية‭ ‬الطعام‭ ‬المناسبة‭ ‬له‭ ‬ودون‭ ‬أي‭ ‬تفاصيل‭ ‬أخرى‭.‬

الحقيقة‭ ‬الصادمة‭ ‬بعد‭ ‬تشخيص‭ ‬الإصابة

ذهب‭ ‬والد‭ ‬علي‭ ‬به‭ ‬لاختصاصية‭ ‬التغذية‭ ‬وهو‭ ‬جاهل‭ ‬لحقيقة‭ ‬مرض‭ ‬ابنه،‭ ‬وكان‭ ‬ظنه‭ ‬أنها‭ ‬مشكلة‭ ‬بسيطة‭ ‬يمكن‭ ‬علاجها‭ ‬بنظام‭ ‬غذائي‭ ‬معين‭. ‬سلمها‭ ‬التقارير‭ ‬الطبية‭ ‬ورسالة‭ ‬د‭. ‬فاطمة‭ ‬نعمة‭. ‬

جلس‭ ‬يترقب،‭ ‬رفعت‭ ‬الطبيبة‭ ‬رأسها‭ ‬بهدوء‭ ‬وسألته‭: ‬هل‭ ‬أخبرتك‭ ‬الطبيبة‭ ‬بنوع‭ ‬مرض‭ ‬ابنك؟‭ ‬فكان‭ ‬رده‭ ‬بالنفي،‭ ‬فلم‭ ‬تخبره‭ ‬بتفاصيل‭ ‬المرض،‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬قالته‭ ‬وجود‭ ‬مشكلة‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬البيضاء‭ ‬في‭ ‬المخ‭. ‬صمتت‭ ‬وسلمته‭ ‬فيديو‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬معاناة‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬وقالت‭ ‬له‭ ‬شاهد‭ ‬وستعرف‭. ‬مباشرة‭ ‬شاهد‭ ‬الفيلم‭ ‬ليعرف‭ ‬الحقيقة،‭ ‬كان‭ ‬اسم‭ ‬الفيلم‭ "‬زيت‭ ‬لورنزو‭ "‬،‭ ‬وكانت‭ ‬الصدمة‭.‬

فالفيلم‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬مرض‭ ‬ابنه‭ ‬بكل‭ ‬التفاصيل،‭ ‬والمستقبل‭ ‬الذي‭ ‬ينتظره‭ ‬من‭ ‬تدهور‭ ‬تدريجي‭ ‬في‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬المشي،‭ ‬وتراجع‭ ‬في‭ ‬الإدراك،‭ ‬وقد‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬الوفاة‭. ‬عاش‭ ‬والد‭ ‬علي‭ ‬لحظات‭ ‬ذهول‭ ‬وصمت،‭ ‬وكأنه‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يصدق‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة،‭ ‬فلم‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬ابنه‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬سيصل‭ ‬لمستوى‭ ‬ما‭ ‬شاهده،‭ ‬تأثر‭ ‬كثيرًا،‭ ‬كان‭ ‬يبكي‭ ‬بحرقة‭ ‬وألم‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬ابنه‭ ‬ومصيره‭ ‬المحتوم‭. ‬

‭ ‬الأعراض‭ ‬والمعاناة‭ ‬غير‭ ‬المنتهية‭ ‬

بدأت‭ ‬الأعراض‭ ‬من‭ ‬السمع،‭ ‬فقد‭ ‬لاحظوا‭ ‬قلة‭ ‬سمعه‭ ‬خصوصًا‭ ‬من‭ ‬الهاتف،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬يطلب‭ ‬أن‭ ‬يعاد‭ ‬عليه‭ ‬الحديث،‭ ‬فاعتقدوا‭ ‬أن‭ ‬لديه‭ ‬مشكلة‭ ‬في‭ ‬السمع،‭ ‬ولكن‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬التركيز،‭ ‬وتطور‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬ثقل‭ ‬في‭ ‬الرجل‭ ‬اليمنى،‭ ‬فكان‭ ‬يمشي‭ ‬ويسحب‭ ‬الرجل‭ ‬اليمنى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬شعر‭ ‬بالتعب،‭ ‬فاضطروا‭ ‬لأخذ‭ ‬كرسي‭ ‬متحرك‭. ‬

تطورت‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬الجهة‭ ‬اليمنى،‭ ‬فأصبحت‭ ‬من‭ ‬اليد‭ ‬إلى‭ ‬القدم،‭ ‬ووصل‭ ‬لمرحلة‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬استعمالها،‭ ‬رغم‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬يستطيع‭ ‬فتح‭ ‬اليدين،‭ ‬ولكن‭ ‬يعجز‭ ‬عن‭ ‬استعمالهما،‭ ‬وليس‭ ‬لديه‭ ‬تحكم‭ ‬فيهما،‭ ‬أصبح‭ ‬كل‭ ‬اعتماده‭ ‬على‭ ‬جهة‭ ‬اليسار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وصل‭ ‬لدرجة‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الوقوف‭ ‬لوحده،‭ ‬أو‭ ‬تناول‭ ‬الطعام‭ ‬بملعقة،‭ ‬وكذلك‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬مسك‭ ‬القلم،‭ ‬حتى‭ ‬تطورت‭ ‬حالته‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وصلت‭ ‬للتشنجات‭ ‬قبل‭ ‬سنة‭.‬

لا‭ ‬يوجد‭ ‬علاج‭ ‬غير‭ ‬زيت‭ ‬لورنزو

عن‭ ‬العلاج‭ ‬يتحدث‭ ‬والد‭ ‬علي‭ ‬بنبرة‭ ‬ألم‭ ‬وحزن‭ ‬قائلًا‭ "‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬علاج‭"... ‬عبارة‭ ‬تختزن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الصبر‭ ‬المكدس‭ ‬والألم‭ ‬الذي‭ ‬يحتويه،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬أو‭ ‬الخارج‭ ‬علاج،‭ ‬فما‭ ‬يوصف‭ ‬إليه‭ ‬فقط‭ ‬زيت‭ ‬لورنزو،‭ ‬وهذا‭ ‬الزيت‭ ‬وظيفته‭ ‬أنه‭ ‬يبطئ‭ ‬من‭ ‬نمو‭ ‬المرض‭ ‬ويأخذه‭ ‬على‭ ‬جرعات،‭ ‬وذلك‭ ‬وفقًا‭ ‬لما‭ ‬أخبرتهم‭ ‬اختصاصية‭ ‬التغذية‭.‬

كل‭ ‬6‭ ‬أشهر‭ ‬تتم‭ ‬المتابعة‭ ‬بقياس‭ ‬الطول‭ ‬والوزن‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬يتم‭ ‬تغيير‭ ‬الجرعة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬صيدلية‭ ‬المستشفى‭ ‬أوقفت‭ ‬تزويدهم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬الماضي،‭ ‬ولم‭ ‬يتوافر‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬وصف‭ ‬حبوب‭ ‬تليين‭ ‬العضلات‭. ‬

 

بحث‭ ‬عن‭ ‬علاج‭ ‬في‭ ‬5‭ ‬دول‭ ‬وعاد‭ ‬بخفي‭ ‬حنين

لم‭ ‬يستسلم‭ ‬والد‭ ‬علي‭ ‬للواقع،‭ ‬وقرر‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬علاج‭ ‬خارج‭ ‬البحرين،‭ ‬وكانت‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولى‭ ‬بأن‭ ‬بعث‭ ‬التقرير‭ ‬الطبي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية،‭ ‬وأخبروه‭ ‬بوجود‭ ‬علاج‭ ‬وهو‭ ‬زراعة‭ ‬النخاع،‭ ‬ولكن‭ ‬التقرير‭ ‬الذي‭ ‬بعثوه‭ ‬كان‭ ‬العلاج‭ ‬تجريبيا،‭ ‬والطبيبة‭ ‬المشرفة‭ ‬على‭ ‬علاجه‭ ‬لم‭ ‬تنصح‭ ‬به؛‭ ‬لكون‭ ‬كلفة‭ ‬العلاج‭ ‬باهظة‭ ‬ومبالغ‭ ‬فيها‭.‬

في‭ ‬محاولة‭ ‬أخرى،‭ ‬تحدث‭ ‬مع‭ ‬مكتب‭ ‬بحريني‭ ‬ينسق‭ ‬للعلاج‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬وبعث‭ ‬إليهم‭ ‬التقارير‭ ‬الطبية،‭ ‬وكان‭ ‬الرد‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬له‭ ‬علاج‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬

سافر‭ ‬للأردن‭ ‬مع‭ ‬ابنه‭ ‬علي،‭ ‬ولم‭ ‬يعثر‭ ‬على‭ ‬علاج،‭ ‬ليغادر‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬الدمام‭ ‬وكان‭ ‬العلاج‭ ‬هو‭ ‬العلاج‭ ‬نفسه‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬البحرين‭.‬

في‭ ‬محاولة‭ ‬أخيرة‭ ‬سافر‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬الإمام‭ ‬الرضا‭ ‬التخصصي،‭ ‬وقابل‭ ‬استشاري‭ ‬أعصاب‭ ‬وأخبره‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬العلاج‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬هو‭ ‬الموجود،‭ ‬وأن‭ ‬تشخيص‭ ‬الطبيب‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬صائب‭ ‬ودقيق،‭ ‬وطلب‭ ‬منه‭ ‬المتابعة‭ ‬مع‭ ‬البحرين‭ ‬وألا‭ ‬يتعب‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬الذهاب‭ ‬لأي‭ ‬مكان،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتعب‭ ‬فغادر‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬طبيب‭ ‬هندي‭ ‬يعالج‭ ‬حالات‭ ‬مشابهة‭ ‬بالعلاج،‭ ‬ليؤكد‭ ‬له‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬علاج‭ ‬نهائي‭ ‬للمرض‭.‬

أما‭ ‬وجهته‭ ‬الأخيرة‭ ‬فكانت‭ ‬الفلبين،‭ ‬حيث‭ ‬نصحه‭ ‬بعض‭ ‬الأصدقاء‭ ‬بعلاج‭ ‬طبيعي‭ ‬هناك‭ ‬لوجود‭ ‬حالات‭ ‬مشابهة‭ ‬استفادت،‭ ‬فذهب‭ ‬للفلبين‭ ‬ولم‭ ‬يستفد‭ ‬كذلك‭.‬

وعاد‭ ‬للبحرين‭ ‬والحزن‭ ‬والأسى‭ ‬يلاحقه،‭ ‬ولكن‭ ‬كلما‭ ‬يستبد‭ ‬الألم‭ ‬وتشتد‭ ‬سطوته،‭ ‬ينتفض‭ ‬الأمل‭ ‬ملوحًا‭ ‬بيديه‭ ‬ليلعن‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬موجود‭. ‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬والد‭ ‬علي‭ ‬مثالًا‭ ‬للصبر‭ ‬والنضال‭ ‬المستميت‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬التعب‭ ‬واليأس،‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬همه‭ ‬أن‭ ‬ينقذ‭ ‬ابنه‭ ‬من‭ ‬وحشية‭ ‬مرض‭ ‬لا‭ ‬يرحم،‭ ‬دمر‭ ‬كل‭ ‬حياته‭. ‬

5‭ ‬دول‭ ‬ذهب‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬العلاج،‭ ‬فمن‭ ‬السعودية‭ ‬إلى‭ ‬الأردن،‭ ‬ثم‭ ‬إيران،‭ ‬والعراق،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬الفلبين،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬يتابع‭ ‬مع‭ ‬الطبيب‭ ‬والاختصاصية،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬الانترنت‭ ‬عن‭ ‬آخر‭ ‬التطورات‭ ‬العلاجية‭.‬

 

حياة‭ ‬محطمة‭ ‬ومستقبل‭ ‬ضائع‭ ‬

المرض‭ ‬أثر‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬علي‭ ‬بنسبة‭ ‬100‭ %‬،‭ ‬فمن‭ ‬ولد‭ ‬يمارس‭ ‬حياته‭ ‬الطبيعية‭ ‬إلى‭ ‬ولد‭ ‬مقعد‭ ‬وعاجز‭ ‬عن‭ ‬أبسط‭ ‬أمور‭ ‬الحياة،‭ ‬فالحياة‭ ‬أصبحت‭ ‬صعبة‭ ‬وقاسية،‭ ‬فعندما‭ ‬يخرجون‭ ‬معه‭ ‬لأماكن‭ ‬ترفيهية‭ ‬ترتسم‭ ‬على‭ ‬وجهه‭ ‬علامات‭ ‬الحسرة،‭ ‬ويتألم‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬وهو‭ ‬يشاهد‭ ‬الأطفال‭ ‬يلعبون‭ ‬ويركضون،‭ ‬وهو‭ ‬وحده‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬قوة،‭ ‬وينكس‭ ‬الرأس‭ ‬وتدمع‭ ‬عيناه،‭ ‬ويتذكر‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يومًا‭ ‬مثلهم‭ ‬يلهو‭ ‬ويلعب‭ ‬كرة‭ ‬السلة،‭ ‬فكان‭ ‬حلمه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لاعب‭ ‬كرة‭ ‬سلة‭.‬

والدا‭ ‬علي‭ ‬كانا‭ ‬يتجنبان‭ ‬اصطحابه‭ ‬للأماكن‭ ‬الترفيهية،‭ ‬لكيلا‭ ‬يعيش‭ ‬الحسرة‭ ‬والألم،‭ ‬حياة‭ ‬علي‭ ‬تدمرت‭ ‬بمعنى‭ ‬الكلمة،‭ ‬ورغم‭ ‬قدرة‭ ‬المرض‭ ‬على‭ ‬تحطيم‭ ‬حياة‭ ‬علي‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬نسف‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬والديه‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬يحسن‭ ‬من‭ ‬حياته،‭ ‬مع‭ ‬إيمانهم‭ ‬بقضاء‭ ‬الله‭ ‬وقدره‭ ‬والتسليم‭ ‬له،‭ ‬فكلما‭ ‬اشتدت‭ ‬قساوة‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬يتحطم‭ ‬على‭ ‬صخرة‭ ‬صبرهم‭. ‬

أما‭ ‬علي‭ ‬فالمرض‭ ‬سلب‭ ‬منه‭ ‬كل‭ ‬مقومات‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬ينل‭ ‬من‭ ‬إيمانه‭ ‬بالله،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬مواظبًا‭ ‬على‭ ‬الصلاة،‭ ‬حتى‭ ‬اضطر‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬للزحف‭ ‬للوضوء‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يشل‭ ‬حركته‭ ‬المرض‭ ‬ويحوجه‭ ‬لمساعدة‭ ‬والده‭.‬

ويقول‭ ‬والد‭ ‬علي‭ ‬بعد‭ ‬حمد‭ ‬الله‭ ‬وتسليم‭ ‬الأمر‭ ‬له،‭ ‬إن‭ ‬ابنه‭ ‬لم‭ ‬يفقد‭ ‬السمع‭ ‬والبصر‭ ‬حتى‭ ‬كتابة‭ ‬هذا‭ ‬التقرير،‭ ‬وما‭ ‬يعاني‭ ‬منه‭ ‬هو‭ ‬مشكلات‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬بالإضافة‭ ‬للتشنجات،‭ ‬ولكنه‭ ‬يتحدث‭ ‬وذاكرته‭ ‬ممتازة‭. ‬