علي عيسى من طفل يركض في الأزقة إلى شاب مقعد
مرض سوء تغذية الغدة الكظرية وبيضاء الدماغ أنهكه ودمر حياته
إعداد: حسن فضل
كان فرحة أبويه الأولى... عاش سنواته المبكرة كباقي الأطفال، حياة مليئة بالبراءة والمرح والشقاوة، حتى باغته المرض في سن التاسعة من عمره، وتطور مع السنوات حتى سلب منه ذلك الأنس، وتحول إلى شخص عاجز، بعد أن كانت ضحكاته تملأ البيت، هو اليوم شاب في مقتبل العشرين من عمره يعاني من مرض نادر يدعى سوء تغذية الغدة الكظرية وبيضاء الدماغ (XX-linked Adrenoleukodystrophy linked Adrenoleukodystrophy).، إنه علي عيسى الذي يقف شامخًا أمام المرض مؤمنًا بقضاء الله وقدره.
لم يقف والده عاجزًا أمام المرض، فمنذ اللحظة الأولى لتشخيص ابنه، وحتى هذه اللحظة وهو يناضل ويفتش في العتمة عن نور يوصله لعلاج ابنه، في رحلة امتدت لإحدى عشرة سنة، ذهب فيها لـ 5 دول، باحثا عن بريق أمل لعلاج ابنه، إلا أنه كان يعود بخفي حنين، ومع ذلك لم ييأس من رحمة الله، فالأمل مازال يشع في قلبه بأن يتم اكتشاف علاج لفلذة كبده.
«صحتنا في البلاد» التقت والد الطفل ليروي قصة معاناة 11 سنة مع مرض نادر، ليروي قصة أب مكافح ومتفان ما زال صابرا، محتسبا، متشبثا بالأمل ومواصلا البحث والنضال؛ من أجل علاج ابنه.
السنوات الأولى.. علي منطلقًا في الحياة
ولد علي عيسى في العام 2001 وكان الفرحة الأولى لأبويه. ولادته كانت طبيعية، ولم يكن يعاني من أي أمراض مزمنة، أو وراثية، وكانت جميع أموره مستقرة. ابتسامته وضحكاته كانت تملأ البيت، وتغمر والديه سعادة. كان علي متفوقًا في المدرسة، ومحبًا للحياة وكان مولعا بالرسم وكرة السلة، ويذهب مع أصدقائه في الحي الذي يسكنه للعب يوميا. رغم حيويته ونشاطه إلا أن شخصيته تتميز بالهدوء، وما يميزه هو علاقته بالله، فقد كان مواظبًا على الصلاة في المسجد، وأحيانًا كثيرة كان يسمح له بالأذان.
هكذا كانت حياته في السنوات الأولى من عمره لا يشوبها أي مرض أو عائق، كان منطلقا في الحياة.
دفعة على الحائط من زميل تكشف عن إصابته بعد أشهر
كان يوما عاديا كباقي أيام المدرسة، وكان في الصف الرابع، ولكن حدث أمر كان بداية التغيير في حياته، فأحد زملائه دفعه للحائط فأصيب خلف الرأس، وتم نقله للمستشفى من المدرسة من دون علم والديه، وتم علاجه هناك وخياطة مكان الجرح. تفاجأ والده عنده عودة ابنه من المدرسة، فقميص علي كان ممتلئا بالدماء، ورأسه مضمد.
بعد أشهر من هذه الحادثة بدأت تظهر عليه أعراض مثل مشكلة السمع، فقد لاحظ والداه أنه لا يسمعهما جيدا خصوصا عند الاتصال بالهاتف، وذهبا به لاختصاصي سمع، فطمأنهما بأن كل الأمور على ما يرام وسمعه طبيعي؛ ولكنه نصح بأن يذهب لاختصاصي نفسي، فقد تكون هناك مشكلة نفسية. ذهب به والده مباشرة إلى طبيب نفسي، وبدأ الطبيب بطرح أسئلة كسؤاله عن ولادته، وعن كل مشكلاته، وبعد إجراء كل الاختبارات، طلب الطبيب من علي أن يمشي بطريقة معينة، ومنها اكتشف أنه توجد حركة غير طبيعية، فأخبر والده بضرورة عمل أشعة التصوير بالرنين المغناطيسي، وتم إجراء الأشعة في مجمع السلمانية الطبي.
وبعد اطلاعهم على نتيجة الأشعة شكوا في وجود المرض، وتم إجراء فحوصات الدم، إذ بعثت عينات الدم إلى ألمانيا، وأعادوا إجراءها مرة أخرى للتأكد من التشخيص، وجاءت مطابقة، وعندها تم تشخيص المرض عن طريق استشارية أمراض المخ والأعصاب د. فاطمة نعمة أخبرت والده أنه يعاني من مشكلة في المادة البيضاء في المخ، وتم تحويله إلى اختصاصية تغذية لكي تخبره بنوعية الطعام المناسبة له ودون أي تفاصيل أخرى.
الحقيقة الصادمة بعد تشخيص الإصابة
ذهب والد علي به لاختصاصية التغذية وهو جاهل لحقيقة مرض ابنه، وكان ظنه أنها مشكلة بسيطة يمكن علاجها بنظام غذائي معين. سلمها التقارير الطبية ورسالة د. فاطمة نعمة.
جلس يترقب، رفعت الطبيبة رأسها بهدوء وسألته: هل أخبرتك الطبيبة بنوع مرض ابنك؟ فكان رده بالنفي، فلم تخبره بتفاصيل المرض، فكل ما قالته وجود مشكلة في المادة البيضاء في المخ. صمتت وسلمته فيديو يتحدث عن معاناة هذا المرض وقالت له شاهد وستعرف. مباشرة شاهد الفيلم ليعرف الحقيقة، كان اسم الفيلم "زيت لورنزو "، وكانت الصدمة.
فالفيلم يتحدث عن حقيقة مرض ابنه بكل التفاصيل، والمستقبل الذي ينتظره من تدهور تدريجي في القدرة على المشي، وتراجع في الإدراك، وقد يصل إلى الوفاة. عاش والد علي لحظات ذهول وصمت، وكأنه لا يريد أن يصدق هذه الحقيقة، فلم يتوقع أن ابنه في يوم من الأيام سيصل لمستوى ما شاهده، تأثر كثيرًا، كان يبكي بحرقة وألم على مستقبل ابنه ومصيره المحتوم.
الأعراض والمعاناة غير المنتهية
بدأت الأعراض من السمع، فقد لاحظوا قلة سمعه خصوصًا من الهاتف، إذ كان يطلب أن يعاد عليه الحديث، فاعتقدوا أن لديه مشكلة في السمع، ولكن تبين أن المشكلة في التركيز، وتطور بعد ذلك إلى ثقل في الرجل اليمنى، فكان يمشي ويسحب الرجل اليمنى إلى أن شعر بالتعب، فاضطروا لأخذ كرسي متحرك.
تطورت المشكلة في الجهة اليمنى، فأصبحت من اليد إلى القدم، ووصل لمرحلة لا يستطيع استعمالها، رغم هذا كان يستطيع فتح اليدين، ولكن يعجز عن استعمالهما، وليس لديه تحكم فيهما، أصبح كل اعتماده على جهة اليسار إلى أن وصل لدرجة لا يستطيع الوقوف لوحده، أو تناول الطعام بملعقة، وكذلك لا يستطيع مسك القلم، حتى تطورت حالته إلى أن وصلت للتشنجات قبل سنة.
لا يوجد علاج غير زيت لورنزو
عن العلاج يتحدث والد علي بنبرة ألم وحزن قائلًا "لا يوجد علاج"... عبارة تختزن كل هذا الصبر المكدس والألم الذي يحتويه، إذ إنه لا يوجد في البحرين أو الخارج علاج، فما يوصف إليه فقط زيت لورنزو، وهذا الزيت وظيفته أنه يبطئ من نمو المرض ويأخذه على جرعات، وذلك وفقًا لما أخبرتهم اختصاصية التغذية.
كل 6 أشهر تتم المتابعة بقياس الطول والوزن وعلى هذا الأساس يتم تغيير الجرعة، إلا أنه بحسب ما ذكر أن صيدلية المستشفى أوقفت تزويدهم به من شهر نوفمبر الماضي، ولم يتوافر حتى هذه اللحظة، وقد تم وصف حبوب تليين العضلات.
بحث عن علاج في 5 دول وعاد بخفي حنين
لم يستسلم والد علي للواقع، وقرر البحث عن علاج خارج البحرين، وكانت الخطوة الأولى بأن بعث التقرير الطبي للولايات المتحدة الأميركية، وأخبروه بوجود علاج وهو زراعة النخاع، ولكن التقرير الذي بعثوه كان العلاج تجريبيا، والطبيبة المشرفة على علاجه لم تنصح به؛ لكون كلفة العلاج باهظة ومبالغ فيها.
في محاولة أخرى، تحدث مع مكتب بحريني ينسق للعلاج في ألمانيا وبعث إليهم التقارير الطبية، وكان الرد بأن هذا المرض لا يوجد له علاج حتى الآن.
سافر للأردن مع ابنه علي، ولم يعثر على علاج، ليغادر بعد ذلك إلى المملكة العربية السعودية وبالتحديد في الدمام وكان العلاج هو العلاج نفسه الموجود في البحرين.
في محاولة أخيرة سافر إلى إيران في مستشفى الإمام الرضا التخصصي، وقابل استشاري أعصاب وأخبره أيضا أن العلاج في البحرين هو الموجود، وأن تشخيص الطبيب في البحرين صائب ودقيق، وطلب منه المتابعة مع البحرين وألا يتعب نفسه في الذهاب لأي مكان، إلا أنه لم يتعب فغادر إلى العراق بحثا عن طبيب هندي يعالج حالات مشابهة بالعلاج، ليؤكد له أنه لا يوجد علاج نهائي للمرض.
أما وجهته الأخيرة فكانت الفلبين، حيث نصحه بعض الأصدقاء بعلاج طبيعي هناك لوجود حالات مشابهة استفادت، فذهب للفلبين ولم يستفد كذلك.
وعاد للبحرين والحزن والأسى يلاحقه، ولكن كلما يستبد الألم وتشتد سطوته، ينتفض الأمل ملوحًا بيديه ليلعن أنه ما زال موجود. هكذا كان والد علي مثالًا للصبر والنضال المستميت الذي لا يعرف التعب واليأس، كان كل همه أن ينقذ ابنه من وحشية مرض لا يرحم، دمر كل حياته.
5 دول ذهب إليها في رحلته للبحث عن العلاج، فمن السعودية إلى الأردن، ثم إيران، والعراق، وصولًا إلى الفلبين، وما زال يتابع مع الطبيب والاختصاصية، وكذلك في الانترنت عن آخر التطورات العلاجية.
حياة محطمة ومستقبل ضائع
المرض أثر على حياة علي بنسبة 100 %، فمن ولد يمارس حياته الطبيعية إلى ولد مقعد وعاجز عن أبسط أمور الحياة، فالحياة أصبحت صعبة وقاسية، فعندما يخرجون معه لأماكن ترفيهية ترتسم على وجهه علامات الحسرة، ويتألم من الداخل، وهو يشاهد الأطفال يلعبون ويركضون، وهو وحده لا حول له ولا قوة، وينكس الرأس وتدمع عيناه، ويتذكر أنه كان يومًا مثلهم يلهو ويلعب كرة السلة، فكان حلمه أن يكون لاعب كرة سلة.
والدا علي كانا يتجنبان اصطحابه للأماكن الترفيهية، لكيلا يعيش الحسرة والألم، حياة علي تدمرت بمعنى الكلمة، ورغم قدرة المرض على تحطيم حياة علي إلا أنه لم يتمكن من نسف الأمل في داخل والديه في علاج يحسن من حياته، مع إيمانهم بقضاء الله وقدره والتسليم له، فكلما اشتدت قساوة هذا المرض يتحطم على صخرة صبرهم.
أما علي فالمرض سلب منه كل مقومات الحياة الطبيعية، ولكن لم ينل من إيمانه بالله، فقد كان مواظبًا على الصلاة، حتى اضطر به الأمر للزحف للوضوء قبل أن يشل حركته المرض ويحوجه لمساعدة والده.
ويقول والد علي بعد حمد الله وتسليم الأمر له، إن ابنه لم يفقد السمع والبصر حتى كتابة هذا التقرير، وما يعاني منه هو مشكلات في الحركة بالإضافة للتشنجات، ولكنه يتحدث وذاكرته ممتازة.