+A
A-

دربت أكثر من 2000 فرد من الجنسين لغرس ثقافة الفن واكتشاف المتميزين الفنانة شيماء مراد

بين‭ ‬أيدينا‭ ‬تجربة‭ ‬رائعة‭ ‬لفنانة‭ ‬بحرينية‭ ‬عشقت‭ ‬الفن‭ ‬وأثره‭ ‬في‭ ‬الارتقاء‭ ‬بذائقة‭ ‬الإنسان،‭ ‬وبالتالي‭ ‬أثره‭ ‬الجميل‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الشخصية‭ ‬المحبة‭ ‬للجمال،‭ ‬وهذه‭ ‬التجربة‭ ‬في‭ ‬حقيقتها‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬تمتاز‭ ‬به‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية،‭ ‬وهو‭ ‬العطاء‭ ‬للوطن‭ ‬عبر‭ ‬نقل‭ ‬التجارب‭ ‬والخبرات‭ ‬للجيل‭ ‬الجديد،‭ ‬والتجربة‭ ‬ملهمة‭ ‬باختصار،‭ ‬فقد‭ ‬أخذت‭ ‬الفنانة‭ ‬التشكيلية‭ ‬والمصممة‭ ‬والمعلمة‭ ‬شيماء‭ ‬مراد‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬غرس‭ ‬ثقافة‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬الأطفال‭ ‬والناشئة‭ ‬والشباب‭ ‬من‭ ‬الجنسين‭ ‬واكتشاف‭ ‬المواهب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سلسلة‭ ‬دورات‭ ‬تدريبية،‭ ‬والنتيجة‭ ‬هي‭ ‬ذلك‭ ‬الرقم‭ ‬اللافت،‭ ‬حيث‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬تدريب‭ ‬2243‭ ‬فنانا‭ ‬وفنانة‭ ‬من‭ ‬الصغار،‭ ‬فتلك‭ ‬المواهب،‭ ‬إبداعها‭ ‬يتألق،‭ ‬ليشقوا‭ ‬دروبهم‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الرسم‭ ‬الآسر‭. ‬وستكون‭ ‬محطاتنا‭ ‬مع‭ ‬مراد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭...‬

 

بشكل‭ ‬سريع،‭ ‬نعبر‭ ‬من‭ ‬الرفاع‭ ‬إلى‭ ‬المحرق‭ ‬إلى‭ ‬جرداب‭.. ‬وفي‭ ‬الذكريات‭ ‬عادة‭ ‬تبرق‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬الجميلة،‭ ‬حدثينا‭ ‬عنها؟

هي بداية جميلة، فقد ترعرت في الرفاع لكن أصولي محرقية، وعشت في الرفاع حتى الثانية والعشرين من العمر ثم تنقلت بين جرداب وعراد وأتشرف كثيرًا بأنني من مواليد المحرق العريقة، وما زلت في تواصل مع هذه المدينة العزيزة، وكثيرًا ما تأخذني الذكريات إلى مرحلة الطفولة وللعلم، صديقة الطفولة كان اسمها حياة لكن لها اسم آخر هو "شيماء".. على اسمي، ونحن من الطفولة حتى اليوم صديقات. ودرست المرحلة الابتدائية في مدرسة الخليج العربي ثم مدرسة الرفاع الغربي الإعدادية ولازمت صديقتي "حياة.. شيماء" حتى المرحلة الثانوية لكن أبعدنا المسار، فقد كنت في المسار العلمي بمدرسة الرفاع الغربي الثانوية وهي في المسار التجاري.

يقال‭ ‬إن‭ ‬الفنانة‭ ‬شيماء‭ ‬متفوقة‭ ‬في‭ ‬مادة‭ ‬الرياضيات،‭ ‬فكيف‭ ‬كانت‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الفن‭ ‬والربط‭ ‬مع‭ ‬الأرقام؟

أعشق مادة الرياضيات بشكل كبير، وكانت معلماتي معجبات بطريقتي في حل المسائل الرياضية المعقدة، حتى أنني أساعد زميلاتي الطالبات في الصف وأصحح المسائل ويعتمدن عليّ في المذاكرة أيام الامتحانات، حيث نذاكر مع بعض في بيتنا، وتعلقت بمعلمات الرياضيات كثيرًا حتى كبر معي حلم مهنة المستقبل وهي معلمة مادة الرياضيات، لكن فيما بعد.. في المرحلة الجامعية، دخلت مجازفة.

 

وكما أشرتم فإن المسافة بعيدة بين الرياضيات والفن، ولكن دعني أشرح لك وللقراء الكرام باختصار، أنه في العام 1989 عندما تخرجت من الثانوية ودخلت الجامعة، علمت وأنا في أوج الدراسة الجامعية أن هناك اكتفاء في خريجي مادة الرياضيات، ولم يكن أمامي سوى سنتين حتى أتخرج، فقلت في نفسي: هل أتخرج بشهادة البكالوريوس وأجلس في المنزل؟ فأنا كنت أحمل طموحًا لأن يكون لي بصمة في المجتمع ولست حاملة لشهادة فحسب، وحينها بحثت عن تخصص آخر تحتاجه وزارة التربية والتعليم، وتم استحداث برنامج الفنون التربوية وهو يشمل تخصصات الفنون والموسيقى والخزف والنحت، فكانت المجازفة في العام 2001 هي التحول إلى تخصص الفنون التربوية.

والقرار كان صعبًا لا أخفيك، فقد خسرت 3 سنوات من عمري، إلا أن القرار كان في يدي، فإما أن أتخرج وأحمل شهادة تخصص الرياضيات ولا أعلم كم من السنوات سأنتظر الوظيفة، أو أجازف وأعوض تلك السنوات وأتخصص في المجال الجديد، وللحق كانت مجازفة ونقلة حلوة فتحت لي المجال لدخول عالم الفن لأصبح فنانة.

ولو رجعت معك إلى فترة الطفولة، فإنني كنت أحب الرسم ومادة الفن منذ الصغر، وكنت أركض لحصة الرسم، لكن لم أثق في نفسي وقدراتي جيدًا وبالقدر الكافي؛ لأنني لم أجد في الحقيقة معلمات رسم يشجعنني أو لهن تأثير عليّ أو يشدن برسوماتي أو يفتحن المجال لي للمشاركة في مسابقة هنا أو هناك حتى أرفع الثقة في نفسي، بخلاف معلمات الرياضيات اللواتي كنت معجبات بتفوقي ولهن تأثير، وكان لهن أيضًا الفضل في اختيار تخصص مادة الرياضيات.. المهم أن تخصص الفنون جاء كقرار بديل للبحث عن وظيفة المستقبل، وقلت وكررت لنفسي.. طالما أنني أحب مادة الفن ولدي ملكة وقدرات ولو بسيطة، فلماذا لا أصبح معلمة فن؟ لهذا أقول إنها مجازفة حلوة.

وماذا‭ ‬عن‭ ‬جائزة‭ ‬الواسطي؟

بعد دخولي تخصص الفنون بالجامعة تخرجت "الأولى" على دفعتي بتقدير امتياز، كما حصلت على جائزة يحيى بن محمود الواسطي في البحث العلمي، وفي الحقيقة كرست قدراتي الفنية لكي أتميز، ولا أنسى فضل أستاذي في الجامعة وهو الدكتور محمد إسحاق قطب الذي كان له الدور الكبير في تشجيعي وتحفيزي بطريقة وأسلوب لم أسمعه من أحد من قبل، فقد كانت كلماته بمثابة الدافع المستمر، ولم يكن يجامل أو يبالغ، وبكلمات بسيطة كان يدعوني لاكتشاف قدراتي.

وفيما يتعلق بتأثري بمدارس الفن التشكيلي أو بالفنانين، فإنني أميل كثيرًا إلى الفن التأثيري، وقد لامست لوحات الفنان فينيس فان جوخ اهتمامي وربطتني بالمدرسة التأثيرية وألجأ إلى هذا النمط في لوحاتي، لا سيما لوحة "ليلة النجوم" التي تأثرت بها كثيرًا لما تحتويه من خيال وضربات اللون وكذلك الإحساس والروح التي تجعلك تعيش مع اللوحة وتحلق معها، وفكرتها أساسًا خيالية، حيث ترى السماء والنجوم الساطعة فيها والسحابة وكأنها تتحرك وتدور في هالة من المشاعر، وتشدك أيضًا اتجاهاتها، وقد بذلت جهدا لتعليم نفسي ذاتيًا في الفن التأثيري.

وماذا‭ ‬كان‭ ‬نتاج‭ ‬ذلك؟

أنتجت أكثر من لوحة فنية بناء على هذا النمط على بعض الدفاتر وبعض القبعات ورسمت على القماش كذلك لأنني وغيري أحبوا الإحساس في العمل، كما نظمت مسابقة فنية على مستوى مدارس المملكة كورش عمل لطلبة المرحلتين الإعدادية والثانوية لتعليمهم مهارة تكنيك هذا الفن وكيفية استخدامه، وآنذاك تزامنت الورش مع مناسبة العيد الوطني، فنظمنا مسابقة حملت عنوان "عيون فانجوخية بمناظر من البحرين".

من خلال هذه التجربة، فكرت في صعوبة نفور بعض الطالبات من تعلم الرسم، ولكن التحدي الذي أمامي هو كيف أجعلهن يحببن المادة، وتعاملت معهن كصديقة ومعلمة في ذات الوقت، خصوصًا وأنا أشرح لهم أهمية الفن في حياتنا، فنحن نولد بفطرة الفن وهي فطرة إلهية رزقنا الله سبحانه وتعالى إياها، وحين لا ننطق باللسان، فإننا نوصل المشاعر عن طريق الفن وهو علاج نفسي وبدني أيضًا وله تأثير قوي، وبهذه الطريقة مضيت مع الطالبات ووجدت تجاوبًا كبيرًا منهن حتى أن بعضهن ينجزن لوحات ويطلبن أخذها إلى المنزل لكي يراها الوالدان والأهل.

وبصراحة، لم أكتف بالعمل في المدرسة، وأحسست أنني أحمل مهمة نشر الثقافة الفنية في المجتمع وليس فقط في المدرسة، ولجأت للتعليم المستمر حتى نلت شهادة تدريب المدربين لتقديم الدورات التدريبية خارج المدرسة وأنشر ثقافة الفن، فليس من الضروري أن تكون فنانا لكي ترسم، بل تحب الرسم، وخلاصة هذه التجربة هي تدريب 2243 فردًا من الجنسين ومن مختلف الأعمار من خلال الدورات الفنية، وهذا أعتبره إنجازا مهما في حياتي ولله الحمد والمنة.

ومن المهم الإشارة هنا إلى أنني حصلت على دعم ومساندة إخواني وأخواتي الذين لا أستغني عنهم، فقد كان وما يزال دورهم مهمًا في حياتي، الفنية وكذلك الصديقات اللواتي وقفن معي، وللعلم، في البدايات شاركت في معارض محلية وجماعات وفنانين ثم انطلقت في أول معرض شخصي في العام 2016 أسميته "معرض الوتر الثامن"، وهذه التسمية ترمز إلى أن الآلات الموسيقية تحتوي على 5 أو 6 أو 7 أوتار، ولا وتر ثامنا لها، واخترت هذه التسمية لتكون إيقاع صوت "المرأة الذي لا يسمع"، بعد ذلك انطلقت في مجال الفن بشكل أوسع ودخلت عضوا في جمعية الفن المعاصر، وشاركت مع معارض الجمعية والفنانين، أما خارج نطاق المملكة فقد شاركت في المملكة العربية السعودية ومعارض مزاد أونلاين، حيث يتم عرض لوحات الفنانين للبيع.

 

هل‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬الفنية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬قادتك‭ ‬إلى‭ ‬مجال‭ ‬التصميم؟

دخلت مجال التصميم مع الفنان علي رستم الذي ينتج قطعًا فنية على الخشب، وأنا أرسم على هذه القطع، وبعد ذلك دخل مجال تصميم الساعات ودخلت معه بعد أن كنت رافضة؛ لأنني لست متخصصة في التصميم، ولكن مع التشجيع صممنا أول ساعة نسائية أسميناها "أنتي" لأنها مخصصة للنساء ومحفور عليها عبارات من قصائد الشاعر الراحل الكبير نزار قباني باعتباره نصير المرأة وله الكثير من الأبيات الجميلة ووجدت من بينها: "لا تهتمي في إيقاع الوقت وأسماء السنوات.. أنت امرأة تبقى امرأة في كل الأوقات.. أنت امرأة لا أحسبها بالساعات وبالأيام.. أنت امرأة تسكن جسدي قبل ملايين الأعوام"، ووجدت أن هذه الكلمات مناسبة للساعة وتحفز المرأة.

والحمد لله، وجدنا إقبالًا كبيرًا على على الساعة التي نفدت في غضون 9 أشهر، وأصدرنا نموذجًا آخر حتى أصبح لدينا إصدار جديد أسميناه "من أنت؟"، ودخلنا عالم المجوهرات مع الطواش خليل غريب وصممنا مجموعة من المجوهرات وخامتها الذهب واللؤلؤ والأحجار الكريمة، وفي العام الماضي 2021 طرزناها بعبارات في حب الوطن، وهذه التجربة بسماتها التي تحمل المعاني الوطنية، جعلتنا نصمم لدول خليجية مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ودولة الكويت وقريبًا في سلطنة عمان، حيث صممنا قلائد بكلمات النشيد الوطني للدولة مع خارطتها.

 

 

في‭ ‬محطتنا‭ ‬الأخيرة‭ ‬سنرتاح‭ ‬مع‭ ‬القراءة‭ ‬والسفر،‭ ‬فإلى‭ ‬أين‭ ‬ستذهبين‭ ‬وماذا‭ ‬ستقرأين؟

تدهشني "قرغيزستان" بأنهارها وخضرتها، فأعيش الهدوء والطبيعة ومناظر الغروب، فهذه البلدة تقع في أحضان الجبال وتتوسطها بحيرة، وشدتني كثيرًا المساحات الخضراء الشاسعة وأنهارها المتفرعة الصغيرة وصوت الشلالات وكأنك في لحظات خيال، وفي الوقت ذاته تستنشق رائحة الأرض ومن الجمال كانت عيني تدمع لا إراديًا، ورسمت مقاطع من جمال هذه البلاد، وفي العادة أحمل معي دفتري وأدواتي الفنية في السفر لأرسم في حضن الطبيعة، وأحيانًا التقط بعض الصور ثم أرسمها لاحقًا.

أما عن القراءة فأكثر مجال يشدني هو المؤلفات والإصدارات في مجال تطوير الذات وتنمية القدرات الشخصية، وعلى كل حال، لي أن أختم بالقول إننا نعيش فرحة يوم المرأة البحرينية، وأفتخر بأنني ابنة هذه الأرض الطيبة المعطاءة برجالها ونسائها وطيبة وكرم أهلها، وكل عام والجميع بخير.