+A
A-

ذكرى وفاة “شهر زاد” السينما العربية “زوزو نبيل”

مرت الذكرى السادسة عشرة لرحيل الفنانة القديرة زوزو نبيل في هدوء شديد، ومن دون أي احتفاء يليق بها وبما قدمته عبر مشوارها الفني الذي امتد نحو 60 عاماً، نجحت خلالها في تقديم الأدوار المركبة والصعبة والكوميدية، وهو ما جعل غالبية المخرجين يضعونها على رأس قائمة اختياراتهم، ورغم أنها اشتهرت بتقديم دور الأم المنحرفة أو الزوجة القاسية أو العجوز المتصابية، إلا أنها برعت في شخصية الأم الطيبة المتفانية.
اسمها الحقيقي “عزيزة امام” ولدت في السادس من شهر تموز لعام “1920”. بدأ مشوارها الفني على خشبة المسرح، الذي كان هو الفن الاشمل والاوسع في تلك المرحلة، وكان العتبة الاولى للوصول الى السينما، وكانت مصر تشهد ولادة العديد من الفرق المسرحية التي تعرض ارقى واهم الاعمال الرائجة آنذاك. هذه الفرق هي التي خرجت اكبر “عمالقة السينما العربية” بعد ان تم اكتشاف مواهبهم عن طريق المسرح. انطلقت زوزو نبيل الى المسرح عن طريق فرقة “مختار عثمان” وعملت في هذه الفرقة فترة طويلة الا انها تركتها بعد اغلاق الفرقة بسبب ضغوطات مالية فانتقلت الى العمل في فرقة “رمسيس”.
من خلال تألقها الواضح في عدة ادوار مسرحية توجهت انظار المخرجين اليها ومنهم المخرج “كمال سليم” الذي كان يبحث عن وجوه جديدة فوقع نظره على زوزو نبيل فقدمها في اول افلامه وهو “وراء الستار” في عام “1937” وسجل هذا الفيلم البداية الاولى لها في عالم السينما.
لم تحقق زوزو نبيل نجاحها الحقيقي من خلال السينما ولكن من خلال الاذاعة حيث اختيرت من اجل تقديم مسلسل “الف ليلة وليلة” والذي حقق لها جماهيرية كبيرة وقد كانت تجتمع العائلات العربية من اجل الاستماع ومتابعة هذا المسلسل الذي كان قويا بادائه الفني من خلال انسياب الموسيقى المرافقة وصوت الفنانة المميز وهي تؤدي دور”شهرزاد” من اخراج “محمد محمود عثمان”. بعد هذا العمل تحقق لها الكثير من النجاح الذي كانت تطمح اليه وهو الوصول الى لادوار مميزة في السينما ، وكانت تحتاج فقط الى مخرج يؤمن بموهبتها وقدرتها على دخول السينما وهذا ما كانت تبحث عنه. وجاءتها الفرصة عن طريق المخرج “توجو مزاحي” الذي آمن بموهبتها وقدمها الى السينما لايمانه الكامل بها وقدمت معه عدة افلام وهي “نور الدين” و “البحارة الثلاثة” اضافة الى فيلم “سلامة” وهو الفيلم الذي ادته امام كوكب الشرق ام كلثوم ولعبت فيه دور فتاة طيبة وصديقة لام كلثوم ، وبعد ان نجح الفيلم اصبح اكبر المخرجين يلتفتون اليها ويطلبونها مرة اخرى الى السينما.
المخرج “حسن الامام” كان اهم من استطاع توجيه حياتها الفنية حيث اسند اليها ادورا مميزة ومتنوعة ، كما قدمها ضمن 12 فيلما ، الا ان ابرز الادوار التي ارتبطت بها من خلال شخصية المرأة الشريرة والعجوز المتصابية والزوجة القاسية وادوار المرأة المنحرفة والمتسلطة المسلحة بالنفوذ المادي رغم انها قدمت العديد من الادوار ذات التجسيد الطيب مثل دور “سلامة” ، ودورها بفيلم “لحن الوفاء” امام الفنانة شادية.
اجادت زوزو نبيل ادوار الشر بكثير من الابداع مما جعل المخرجين يحاولون تقييدها ضمن هذه الادوار ، الا ان ايمانها بقدرتها على اداء كل الشخصيات جعلها ترفض وضعها في قالب معين.
ومن ابرز ادوارها مع حسن الامام دور المرأة المتسلطة بفيلم “قلوب الناس” تلك المرأة التي تتمتع بالنفوذ وقوة المال، وفي هذا الفيلم اجادت في تقديم صورة المرأة الشريرة المؤذية التي تقوم بايذاء كل من حاول الوقوف في طريقها، ومن ثم اسند اليها الامام دورا بفيلم “الخرساء” وجسدت فيه زوزو نبيل شخصية امرأة ريفية يسوقها القدر لان تكون امرأة اب تمارس حقدا كبيرا اثناء تعاملها مع اولاد زوجها فتعذبهم وتحرمهم العطف والحنان ، وتدب الصراع بينهم وبين ابيهم، الذي لم يكن يرفض لزوجته اي طلب، حتى لو كان الامر يتعلق باولاده. بعد انطلاقتها المميزة من خلال افلام حسن الامام، اتجهت انظار المخرجين كافة اليها، وقدموا لها العديد من الاعمال المميزة، لانها كانت فنانة تجيد تقديم الادوار الصعبة التي تحتاج الى تركيز عال، والادوار المركبة التي لا يستطيع كل فنان ان يقوم بادائها.
سجل فيلم “انا حرة” انطلاقة جديدة لزوزو نبيل، لان الدور الذي أدته في هذا الفيلم كان مختلفا عن ادوارها السابقة، وادت بعده دورا بفيلم “هذا الرجل احبه” حيث ابرز هذا الفيلم مقدرتها الفنية بشكل كبير، وقد شاركها البطولة فيه الفنان “يحيى شاهين”. وهذا الدور يجسد زوجة مريضة نفسيا، وهي لم تقم فيه بأي حوار، بل اعتمدت على حركات الايماء والصوت ، وهو من اصعب الادوار التي ادتها نبيل ويسجل في رصيدها الفني بكثير من الثناء والتقدير.
كانت “زوزو نبيل” تحاول دائما الخروج من الادوار النمطية، وترفض ان تضع نفسها في اطار او قالب واحد، لذلك كانت تختار التنويع وتجسيد الشخصيات المختلفة مثل ادوار الفكاهة والكوميديا مثل “في الهوا سوا” عام “1951” و”يا تحب يا تقب” واثبتت من خلال هذه الادوار انها ممثلة قادرة على الابداع وتجسيد اي دور يسند اليها.
بعد عطائها الكبير والمميز في العديد من الادوار، كرمت الفنانة زوزو نبيل لانجازاتها خلال مسيرتها الفنية الطويلة، ولما قدمته وحققته على الشاشة من ادوار مميزة ، فحصلت على العديد من الجوائز منها “جائزة التمثيل” عن دورها في فيلم “انا حرة” وكرمت في مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي في عام “1995” اضافة الى تكريمها في “مهرجان الافلام الروائية” عام “1996” في نفس العام الذي توفيت فيه ، فغادرت عالم الاحياء الى العالم الاخر في الثالث عشر من شهر يونيو بعد صراع طويل مع المرض.