"أرزة" اللبناني يثير الجدل في مهرجان تورنتو
في إطار فعاليات مهرجان تورنتو للفيلم العربي (20 – 29 يونيو)، جذب الفيلم اللبناني "أرزة" للمخرجة ميرا شبيب الأنظار بعرض مؤثر يلتقط نبض الواقع اللبناني المعاصر من خلال قصة إنسانية تنبض بالصدق والعاطفة.
يتناول الفيلم حكاية "أرزة"، أم عزباء تسعى جاهدة لإعالة ابنها المراهق وشقيقتها الغارقة في قصة حب، عبر عملها المتواضع في توصيل الفطائر المنزلية. وفي محاولة يائسة لتحسين ظروفهم، تقدم على بيع مجوهرات أختها لشراء دراجة نارية لابنها، لكن سرعان ما تنقلب الأمور رأسًا على عقب بعد سرقتها، لتبدأ معها رحلة عبر شوارع بيروت لاكتشاف ما هو أعمق من مجرد فقدان وسيلة نقل.
يمثل "أرزة" مرآة لأوجاع الطبقة المتوسطة اللبنانية التي تكافح تحت وطأة الانهيار الاقتصادي. وعلى خلفية الدراما العائلية، ينسج الفيلم تساؤلات حول الهوية والانتماء، مستعرضًا التمزقات الاجتماعية والدينية التي تتخلل الحياة اليومية.
وتتجلى رمزية الفيلم في اسمه المستوحى من شجرة الأرز، الرمز الوطني للبنان، الذي يتحول إلى مجاز عن وطن تتنازعه الطوائف والانقسامات. وتقدّم ديامان أبو عبود أداءً لافتًا في دور "أرزة"، مجسدة شخصية تلجأ إلى التنكر بأزياء طائفية مختلفة للعبور بين مناطق بيروت المتعددة الولاءات، في لفتة ذكية تكشف هشاشة الانتماء وسط التشتت السياسي.
تنجح المخرجة ميرا شبيب في تقديم قراءة بصرية جريئة لمعضلة الطائفية في لبنان، كاشفة عن هشاشتها باعتبارها بنى اجتماعية مصطنعة وأدوارًا تمثيلية أكثر من كونها انتماءات متجذرة. ففي فيلم "أرزة"، تنقلب المعايير عندما تتمكن البطلة من التنقل بسلاسة بين مجتمعات مختلفة داخل بيروت، فقط عبر تغيير مظهرها الخارجي، ما يسلّط الضوء على سطحيّة هذه الانقسامات وحدودها الهشة.
وفي حين ترتكز القصة على الأم وابنها، فإن الفيلم يقدّم بيروت كحضور مركزي لا يقل أهمية عن الشخصيات الأخرى. بعدسة شبيب، تتحول المدينة إلى شخصية قائمة بذاتها – كيان فوضوي، متنوع، ومتناقض في آن. تنقلنا الكاميرا بين أحياء متداخلة دينياً وثقافياً، لترسم مشهداً متراكباً يعكس مدى تعقيد النسيج الاجتماعي اللبناني.
لكن ما يميّز هذا العرض السينمائي هو تحوّل التنوع من كونه مجرد خلفية بصرية إلى منصة نقدية حادة. فبيروت هنا ليست فقط مدينة ممزقة، بل أيضًا مسرح كبير يعكس هوس المجتمع بالمظاهر والتدين الشكلي، حيث تفضّل الجماعات الأداء والرمزية على الحقائق المعيشية. وفي هذا التناقض، يتجلّى جوهر "أرزة": عمل فني يعرّي واقعًا غارقًا في التمثيل، ويستحضر المدينة كمرآة لواقع يتقن الإخفاء أكثر من المواجهة.