العدد 2328
السبت 28 فبراير 2015
banner
أفول الامبراطورية الأميركية زينب الدرازي
زينب الدرازي
السبت 28 فبراير 2015



رغم معرفتنا من خلال التاريخ كيف أن الامبراطوريات لا تدوم للأبد، فهي تصعد في لحظة تاريخية لتسقط في لحظة تاريخية أخرى. وقد تستمر امبراطوريات فترة زمنية اطول من غيرها ولكنها بالنهاية تتهاوى لتحل محلها قوى اخرى اكثر قوة. وقد تكون اكثر حداثة في حينها. فهل حان وقت افول الامبراطورية الاميركية. هناك الكثير من المؤشرات التي توضح تاريخيا أفول الامبراطوريات وصعود خصومها ولعل اهمها ضعف الحكومة المركزية بحيث يصعب عليها السيطرة على الاطراف البعيدة. ولعل هذا الضعف يبدأ عندما يتهاوى اقتصادها نتيجة الفساد والطمع والتوسع غير المدروس وسياسات الجوار غير الصحيحة. فالاقتصاد هو المحرك الأول والأهم لسيطرة الامبراطوريات والعامل الحاسم لتمددها. والعامل الاقتصادي دائما لا يكون في الواجهة حيث يهيمن العنصر العسكري على المشهد السياسي. والامبراطوريات في وهج قوتها تميل لاستقرار الاوضاع والدفع بعملية التنمية ونهب ثروات المستعمرات لفتح المزيد من الاسواق. ولم تتغير هذه الاهداف للامبراطوريات عبر التاريخ سواء الامبراطورية الفارسية او الرومانية وما اعقبها من امبراطوريات انتهت بالامبراطورية الأميركية اليوم. وعبر التاريخ اختلفت وتطورت السياسات الامبرطورية في فرض سيطرتها وهيمنتها السياسية من هيمنة وسيطرة مباشرة باحتلال الارض وتحويل الشعوب الى مضخات تضح الثروات للمركز حتى انتهينا باحتلال واستنزاف للثروات بشكل ناعم وغير مرئي تحت يافطات متنوعة حقوقية وثقافية وتجارية.
وإذا كان سقوط الامبراطوريات وتفتتها سابقا نتيجة لهيمنة وصعود قوى جديدة فإن الحال لم يتغير فسقوط الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس كان نتيجة لهزيمتها في الحرب العالمية الثانية اما قوة اميركا الصاعدة التي هيمنت على كل المستعمرات البريطانية والفرنسية بشكل تدريجي تحت غطاء مشروع مارشال.
واليوم وبعد اكثر من نصف قرن على الهيمنة الاميركية نرى كيف بدأت قوى اخرى بالصعود كالصين التي بدأت تنمو اقتصاديا حتى هيمنت على اغلب الصناعات والمشاريع الاقتصادية عبر آسيا وإفريقيا وينمو اقتصادها بشكل اصبحت فيه الامبراطورية الاميركية مدينة للتنين الصيني. واليوم نرى صعود الصين سياسيا بحيث اصبحت اصابعها السياسية تتضح أكثر وأكثر في سياسات المنطقة العربية على الأقل وهذا ما يهمنا اليوم. ان استخدام الصين للفيتو ضد المشروع الأميركي لإعادة تشكيل خريطة الشرق الاوسط من جديد كحل لمشاكلها في المنطقة لم يأت اعتباطا بل هو كف على الخد الأميركي. ان كل سياسة اميركا وحلفائها في المنطقة تحولت لما يشبه السلطة الخالية من المذاق، حتى لم تعد اميركا اليوم نتيجة سقطاتها المتعددة في افغانستان وباكستان وإيران وليبيا والعراق وسوريا واليمن قادرة على احتواء كل هذه التداعيات حتى اصبح اصدقاؤها قبل اعدائها لا يأخذون قراراتها بجدية وهيبة كما في السابق.
ولعل ذهاب نتنياهو بدعوة من نائب في الكونغرس الأميركي من وراء ظهر الرئيس أوباما لإلقاء خطاب أمام الكونغرس يوضح مدى استخفاف نتنياهو بالرئيس الاميركي. وقيام وفد من البرلمان الفرنسي بزيارة الى سوريا وتصريح النائب آلان مارسو بأن موقف فرنسا غير مقبول من القضية السورية دليل آخر على العجز الاميركي. استطاعت اميركا في معركتها من اجل استمرار هيمنتها ان تكسب العديد من الاعداء اضافة لعداء شعوب العالم. إن انهيار الامبراطوريات يبدأ بأمور قد تبدو عادية وغير كبيرة في نظر المتابع العادي ولكن وضع الشرق الأوسط اليوم يوحي بمدى الضعف الذي وصلت اليه وقد لا ننتظر خمسين سنة أخرى لنهايتها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .