+A
A-

أزمة 2011 انعكاس لسياسة “الاستكبار الإيرانية” الراغبة بابتلاع المملكة

في 22 من شهر مارس من العام 2000 وأمام حشد من المفكرين والباحثين والخبراء المهتمين والمهمومين بقضايا المنطقة، وفي مقر نادي الخريجيين في المنامة، قدّم المدير العام لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية جمال السويدي، قراءة دقيقة لواقع النظام الإقليمي، وطرح توقعات حدثت وكشف عن حقائق تأكدت وسيناريوهات تحققت في وقتنا الراهن.
لقد بدا السويدي في هذه المحاضرة وكأنه يتحدث عما يدور ويحدث في واقعنا الحالي وليس عن أحداث وتطورات العام 2000 من حيث تحدياته المختلفة ومتطلبات التعامل معه، وهو ما يتضح كثيرًا من خلال ما يلي:
ضرورات الانتقال من مجلس التعاون الخليجي إلى منظمة تعاون حقيقي متماسك
لقد ختم السويدي هذه المحاضرة آنذاك بصرخة قوية قائلاً “إن العالم قد تغير ويجب أن نتغير، حيث يجب أن يكون هناك نظام إقليمي متكامل في التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي. هذا المجلس يجب أن يتغير إلى منظمة تعاون حقيقي في الاقتصاد، البشر، الخبرات، العمل، وفي التعاون مع العالم، وإلا سنعاني معاناة كبيرة، نحن فقط لدينا النفط، فماذا بعد النفط؟ وماذا لو تغيرت أسعار النفط؟”.
وجاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز خلال اجتماعات الدورة الـ 32 لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في الرياض في ديسمبر العام 2011 للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد؛ لتؤكد أن هذا المطلب الذي شدد عليه السويدي في محاضرته بات مُلحّا في الوقت الحاضر ومطروحًا بقوة على أجندة البحث وطاولة التفاوض وأضحى هدفًا لقادة دول الخليج كما لشعوبه.
إن من شأن وجود منظمة تعاون حقيقي بين دول المجلس إعادة بناء التوازن الإستراتيجي في منطقة الخليج وخلق ميزان قوى جديد في المنطقة والعالم، حيث سيؤدي إلى صعود منظومة دول المجلس ككل درجات كثيرة في سلم ميزان القوى الدولي، وذلك بإضافة مصادر جديدة للقوة الشاملة لجميع دول المجلس، وهو ما يجعلها موازنًا ورادعًا دوليًا قويًا لأي دولة مهما بلغت من قوة. كما أنه يحقق “الأمن الجماعي” لجميع دول مجلس التعاون الخليجي بدلاً من سعي كل دولة منفردة لتحقيق أمنها بسبل ووسائل تظل عاجزة مهما فعلت تلك الدولة عن تحقيق الأمن الكافي لها.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يضمن ذلك تحقيق التكامل الاقتصادي وتشكيل تكتل اقتصادي قوي مؤثر عالمياً حيث تمتلك دول الخليج نحو 630 بليون دولار من الاحتياطي النقدي، ونحو تريليوني دولار من الاستثمارات الخارجية، وقد بلغت عائدات النفط الخليجي العام 2011 حوالي 608 مليارات دولار، إضافة إلى الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس خلال العام 2011، الذي بلغ 1.4 تريليون دولار بزيادة نسبتها 29 % عن العام 2010.
ولهذا، يبقى هذا الخيار هو الأمثل لمواجهة التحديات الكثيرة التي تحيط بدول مجلس التعاون الخليجي التي استعرضها السويدي في محاضرته وأهمها انتشار أسلحة الدمار الشامل والصراعات العرقية والطائفية في الكثير من دول المنطقة وتعقيدات عملية الصراع العربي الإسرائيلي والخلل في التركيبة السكانية في دول مجلس التعاون.
أما عن عوائق الوصول لهذا الهدف، فقد أوضحها السويدي وتتمثل أهمها في عدم اتفاق دول مجلس التعاون الخليجي على المخاطر والتهديدات المشتركة ما يجعل هناك اختلافًا في المواقف والرؤى والسياسات، وهذا الأمر بات ملحوظًا وعبر عن نفسه مؤخرًا في قرار كل من السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائها من الدوحة في ظل استمرار دولة قطر في التغريد خارج السرب الخليجي المشترك، إضافة إلى تأجيل موضوع الانتقال إلى الاتحاد الخليجي لوجود تباين في مواقف دول المجلس إزاء هذه القضية.
ورغم ذلك، وكما شدد السويدي في محاضرته فإن “دول مجلس التعاون إن لم تستطع أن تنشئ نظاما إقليميا يقوم على التعاون الاقتصادي والسياسي فلن يكون لديها القدرة على التعامل مع العراق وإيران في أي قضية من القضايا”.
واستبق السويدي في محاضرته العام 2000 الرد على ما طالب به رئيس الوزراء الكويتي العام 2014 من ضرورة استعداد الكويت وكذلك دول مجلس التعاون الخليجي لما بعد النفط وانتهاء دولة الرفاه، فقدم الحل الذي يتمثل في تقوية تلك المنظومة التي تجمع دول مجلس التعاون الخليجي بحيث يتحول إلى منظمة تعاون حقيقي في مختلف مجالات التعاون بين دول المجلس وبينها وبين دول العالم الخارجي.
إيران ونظرة “الاستكبار” لدول مجلس التعاون الخليجي:
في محاضرته المذكورة، أكد السويدي أن التحدي الأكبر أمام التعاون الإقليمي، أي بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين إيران، هو كيفية بناء الثقة بين الجانبين في ظل السياسة الإيرانية التي لا تحترم مبدأ حسن الجوار وتقوم على التدخل في شؤون الغير ولا تحترم السيادة الوطنية لدول المجلس، فضلاً عن احتلالها الجزر الإماراتية الثلاث (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى).
ونوه المحاضر بأن هذه السياسة الإيرانية التي تتحكم فيها وتطغى عليها “نظرة الاستكبار” التي تنظر بها إيران وتتعامل على أساسها مع دول مجلس التعاون الخليجي ثابتة حتى مع تغير المسميات سواء كان من يحكم في طهران من الإصلاحيين أو المحافظين، وذلك رغم أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي ترحب بالتعاون والتعامل الطبيعي مع إيران بشرط عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة وحل مشكلة الجزر.
وكأن السويدي قد قرأ وتنبأ بالأحداث التي وقعت العام 2011 في مملكة البحرين التي تعبّر بصورة أو بأخرى عن نظرة الاستكبار الإيرانية التي تجعلها دائمًا راغبة في ابتلاع المملكة واحتلالها؛ لأن طهران ترى أن الدول الصغيرة يجب أن تتبع الدول الكبيرة وفقًا لهذه النظرة.
كما توقع السويدي أيضًا ومنذ ذلك التاريخ مارس 2000 فشل هذه المحاولة والمؤامرة الانقلابية عندما قال في تلك المحاضرة “نظرة الاستكبار هي عائق أساس لتحقيق الثقة؛ لأنها تقوم على أن الدول الصغيرة يجب أن تتبع الدول الكبيرة، وهو ما لن يحدث؛ لأن هذه الدول الصغيرة لن تذوب، فالدولة هي المنظومة المقبولة في العالم والقرية العالمية لا تعني إلغاء الدول”. إن حديث السويدي عن مخاطر السياسة الإيرانية وتدخلاتها السلبية في المنطقة لم يكن وليد انحيازات عاطفية أو مجرد اتهامات جزافية، وإنما بناء على حقائق موضوعية أكدها تقرير صادر مؤخرا عن مركز أبحاث أميركي هو معهد واشنطن، حيث ذكر أن تقديرات المخابرات الأميركية نفسها تؤكد أن إيران تدعم الجماعات الشيعية في البحرين ودولا أخرى في الجزيرة العربية بالسلاح وما هو أكثر من ذلك. ودعا التقرير الولايات المتحدة إلى أن تعمل على التصدي لإيران ووقف هذا الدعم الذي تقدمه، والوقوف بجانب دول مجلس التعاون الخليجي في مواجهتها لإيران.
واستعرض التقرير دعم إيران لأعمال العنف في الخليج والهجمات التي ارتبطت بها منذ الثورة الإسلامية العام 1979، وأشار إلى محاولات الانقلاب في البحرين العام 1981 من قبل الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين، وفي العام 1996 من قبل حزب الله البحرين، كما أشار إلى محاولة اغتيال أمير الكويت من قبل حزب الله وأتباعه العراقيين في ثمانينات القرن الماضي، وتفجير أبراج الخُبَر العام 1996 من قبل حزب الله الحجاز في السعودية.
الصفقات الأميركية الإيرانية
ودبلوماسية الكافيار والسجاد:
كان لافتًا أن يتوقع السويدي منذ العام 2000 حدوث الاتفاق النووي الذي توصلت إليه كل من أميركا وإيران في شهر نوفمبر الماضي، حيث إن هذا الاتفاق يعبر بشكل أو بآخر عما سماه المحاضر آنذاك بدبلوماسية الكافيار والسجاد، في إشارة إلى مخاطر التقارب بين واشنطن وطهران على دول المنطقة الذي يفرض عليها تقوية ذاتها وتلاحمها.
بل الأكثر من ذلك، فقد عرج السويدي في محاضرته إلى الموقف الخليجي من التقارب الأميركي الإيراني، مؤكدًا أن دول المجلس ترحب بأي تقارب بين الجانبين شريطة التزام طهران بحسن الجوار وكأنه يقرأ البيان الصادر عن قمة مجلس التعاون الخليجى الأخيرة العام 2014، الذي جاء معبرا بحذر تجاه هذا الاتفاق، مؤكدا أن حسن النية متوافر لدى دول الخليج شريطة أن يكون هناك التزاما وشفافية من جانب طهران، وأن إثبات ذلك لا يمكن أن يقتصر على التصريحات والخطب واللقاءات الإعلامية بقدر ما يتوقف على سياسات عملية وخطوات تنفيذية تتخذها طهران من أجل إبعاد التصورات غير السلمية كافة المرسومة في المخيلة العربية عن نهج طهران في علاقاتها مع محيطها الخليجي انطلاقا من ميراث تاريخي لم يسجل في أي من مراحله تبني طهران لسياسات حسن النية مع هذه البلدان.
هكذا تكون القراءة العلمية الموضوعية الشاملة للواقع والاستنباطات الواعية لسيناريوهات المستقبل وجميعها ينبع من معايشة حقيقية للأحداث وإحساس صادق بالمخاطر والتحديات ودافع قوي لتقديم الحلول والخيارات التي تساهم في دفع مسيرة دول مجلس التعاون الخليجي.
إن دول العالم المتقدم تفخر دومًا بمراكز الأبحاث والدراسات المختصة بالمستقبليات لأهميتها الشديدة لدى صانع القرار في وضع البدائل والسياسات، وهو ما يفرض على دول مجلس التعاون الخليجي الاهتمام بهذا الجانب واستثمار العقول الخليجية النيرة من أمثال جمال السويدي لأجل مستقبل مشرق وغد زاهر قادر على معالجة جميع التحديات والمشكلات.